الأنا وحركتها تجاه المذهب
خطورة المشكلة تشتد وتضعف بحسب ما تتعلق به، فكلما كانت المشكلة متعلقة بمسألة عظيمة تصبح كبيرة و شديدة الخطورة، وكلما كانت متعلقة بمسألة صغيرة تكون المشكلة بسيطة وسهلة بالمقارنة بالأمر الأهم.
ومذهب أهل البيت الذي واقعه الإسلام الحقيقي يمثل عند الشيعة أهم القضايا والمسائل، فالذات والأسرة أو القبيلة والحزب أو غيرها كلها أمور بالنسبة للمذهب الشيعي والطائفة الشيعية صغائر مهما كانت مهمة، فعندما تتعارض المصالح المادية والمعنوية بين الذات والأسرة أو القبيلة والحزب وبين المذهب والطائفة فإن مصالح المذهب والطائفة تتقدم على غيرها لأنها أهم وأولى.
ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أمر نرى الكثير ممن ينفتحون على الآخرين يقعون في الإشتباه فيه ألا وهو أن تقديم المذهب أو الطائفة لا يعني أن يكون الإنسان في حركته وتعامله مع الحياة والآخرين طائفيا أو مذهبيا، فالشيعي عندما يقدم مذهبه ويقدم طائفته على ذاته وأسرته و قبيلته أو المذاهب الأخرى لا لكونه يكره الآخرين ويسعى في القضاء عليهم بل لأن ذلك يمثل بالنسبة له هويته الدينية، والحرص في المحافظة على الهوية الدينية التي ينتمي لها الإنسان لا تعتبر من الطائفية والمذهبية البغيضة إن لم تكن هناك ثقافة وسلوك طائفي عدواني يحمله الشخص في عقله أو يترجم في سلوكه تجاه الآخرين الذين ينتمون لغير مذهبه أو لغير طائفته ليكون تقديمه أمر خاطئ أو أمر سلبي في عملية التواصل و الإنفتاح على الآخرين.
- الأنا الإسلام:
( الأنا) قد تكون الذات في حدودها الضيقة، وقد تكبر لتكون ( الأسرة) وفي حالة امتدادها وتقدمها تصير ( القبيلة) وقد تكون في حالات أخرى ( الحزب أو المنظمة ) ، والمشكلة الواقعية أن ( الأنا) في خطابها الديني وحركتها السياسية وتفاعلها الإجتماعي في كثير من الأوقات تُعطي انطباعا وتصورا للآخرين أن رؤيتها السياسية ومطالباتها الحقوقية تمثل الواقع الحقيقي للمذهب الحق، بحيث يكون المعارض ( للأنا) في العمل والتوجهات من خلال مفردات الكلمات ومدلولات الجمل في الخطاب يعارض الإسلام الإلهي لا أنه يعارض إجتهاد ( الأنا ) البشرية التي يمكن أن يكون عملها صحيحا ومفيدا للمذهب والطائفة، ويمكن أن يكون خاطئا ومضرا للمذهب والطائفة، فهي بفعلها في حقيقة الأمر تؤدي دورما صرح به فرعون ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ فتصبغ على فعل ذاتها الفردية أو الجماعية صفة الحق المطلق والكمال التام ، بينما تنظر لفعل غيرها بصفة الباطل المطلق ، فتأله ذاتها في مقابل الآخرين، بحيث عندما تتخذ ( الأنا) في عملها السياسي على سبيل المثال المعارضة للدولة تصبغ على نفسها صفة الشرعية فتستحضر جميع النصوص الدينية ،وتستذكر جميع المواقف التاريخية للثورات والمعارضات للدول التي تصب في صالح نشاطها وعملها، وفي مقابل ذلك تحاول أن تصور المعارض لمشروعها بأنه شيطان و أن مشروعه باطل ومخالف للإسلام المتجسد في حركتها وفعلها، فتصفه بالرجعية تارة، أو بالعمالة تارة أخرى،وبالجبن ثالثة ، أو الإنبطاحية رابعة. وعندما تتخذ ( الأنا ) الإنفتاح و التواصل مع الدولة طريقا في حركته السياسية أيضا تقوم بذات النشاط العملي والفكري والإعلامي فتستحضر النصوص الدينية المؤيدة لانفتاحها وتواصلها كما تُعمل القواعد الفقهية كقاعدة المفسدة والمصلحة او الضرورات تبيح المحظورات إضافة إلى أنها تجتر المواقف التاريخية لصلح المعارضات مع الأنظمة الظالمة لتزين عملها وموقفها، وفي مقابل ذلك تصف المعارض لها بعدم الواقعية أو بالتهور والجهل بالقضايا السياسية الداخلية أو الخارجية وهلم جرا من الأوصاف التي يمكن أن تُستحضر في هذا الصدد، كل ذلك لأن( الأنا) تتعامل من خلال فعلها مع ذاتها ومع غيرها في حركتها من منطلق ( أنا ربكم الأعلى)، أو ( أنا الإسلام)، وهذا الأمر كما قلت ليس السلطان الطاغي الكافر كفرعون مصر هو مصداقه الوحيد، بل قد يكون الفرد المسلم العادي في أسرته أحد مصاديق فرعون كما يمكن أن تكون الإسرة والحزب في المجتمع أحد مصاديق فرعون.
- الواقع وحركة الأنا:
تميل (الأنا) العربية والإسلامية بحسب ما نشاهده في الواقع في تعاملها مع الأحداث والمشاكل السياسية والإجتماعية أو الإقتصادية والثقافية إلى التعامل النرجسي والخيالي، فتتعامل مع الواقع بعقلية تاريخية ماضية، أو بعقلية ما ينبغي أن يكون عليه الحدث، فالواقع في حركتها لا حضور له في الغالب إلا بمقدار ما يكون ظرفا لإسقاط التاريخ الماضي المشابه للحدث الحاضر في جهة من جهاته أو حيثية من حيثياته ، أو يكون بمقدار ظرفا لإسقاط التنبؤات المستقبلية التي ترغب (الأنا) في حدوثها في الحاضر، فتحاول تشكيل الواقع المعقد والمتداخل في لوحات فنية بسيطة وبألوان زاهية، فترسم (الأنا) المثقفة أو (الأنا) الحزبية على سبيل المثال بمقدار ما تحصل عليه من امتيازات اقتصادية وسياسية واجتماعية بأدوات التشكيل والرسم الإعلامي والثقافي الدور الطائفي التمييزي الظالم الذي تقوم به الدول تجاه الأقليات الدينية والمذهبية أو العرقية بأنه ضرورات المصلحة الوطنية والدينية، أو تصور رضوخ الدول الطائفية للضغوطات الخارجية والمتغيرات الداخلية بأنها عملية إصلاحية ذاتية شاملة ومتواصلة تقوم بها الدول في المجالات السياسية والإقتصادية والثقافية والتربوية لإصلاح واقع الأقليات الدينية في الأقطار، مع أن الواقع يثبت أن الدول التي تجبر على فعل شيئ لا تقدم التنازلات للأقليات إلا بحجم الضغط الدولي أو الداخلي، ويمكن تشبيه ما تقوم به الدول من عمليات إصلاح سياسي وثقافي وإعلامي بسبب الضغط بعصر الليمون فلا يمكن أن يحصل الإنسان على ماء الليمون إلا بحجم الضغط واستمراره، وعندما يرتفع وينقط الضغط يتوقف ماء الليمون ، كذلك الدول لا تقدم شيئا إلا بحجم الضغط وبمجرد أن يرتفع الضغط يتوقف ما تقدمه.
وعادة ما يقوم المثقفون و العلماء المرتبطون ببلاط السلاطين أو مثقفي الدولار بدور التشكيلي والرسام في تزيين ما تقوم به الدول الطائفية، فعوضا أن يكون المثقف جزاء من الحل أو منظرا لحل الإشكاليات التي تعاني منها الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية يكون جزاء من المشكلة التي تواجه القليات.
وتشتد خطورة العمل التجميلي الذي تؤديه ( الأنا) المثقفة العربية في رسم صور الدول الطائفية عندما تكون (الأنا ) تنتمي للأقليات الدينية أو المذهبية التي تعاني من إشكاليات التمييز والإضطهاد، فهي لا تقوم بدور المجمل لطائفية الدول في خطابها الكلامي مثلها مثل المثقفين الآخرين ، بل تقوم أيضا بدور المكذب بالفعل للأقليات التي تنتمي لها ؛بحيث تكون في مقدمة المواجهين لغضب الأقلية التي تنتمي لها في حالة إعلانها إعلاميا تمييز وطائفية الدول تجاهها.
وحركة (الأنا) الشيعية المتسلقة على اضطهاد الطائفة الشيعة من المشاكل الكبيرة التي تواجهنا اليوم، إضافة لما يقوم به غير الشيعة تجاه الشيعة، فنقرأ في التاريخ الماضي ونشاهد في التاريخ الحاضر أن فردا أو عائلة أو حزبا ينتمي للشيعة يقوم بعمل تمييع الحقوق الشيعية أو تكذيب اضطهاد الدول الطائفية لأتباع المذهب الشيعي في سبيل الحصول على امتيازات سياسية واقتصادية، بل يحاول أن يجمع حوله مناصرين لفكره التسطيحي، ونحن عندما نسلط الضوء على هذه الشريحة الأنانية لكونها تمثل مشكلة حقيقية ثقافية في الوسط الشيعي فهي تسوق ثقافتها في المجتمع ليكون فهمها وحركتها الإسلام والمخالف لها مخالف للإسلام والمذهب.