الدورات الصيفية و اتجاهات التنوع و التطوير
أبتدئ هذه المقالة بما قالته زوجتي الغالية بينما كنت جالسا أمام شاشة جهاز الكمبيوتر ، أطالع إحدى المقالات التي كانت حينها في طور المراجعة النهائية ، حيث قالت زوجتي حينها : 'وش هالبلد إلي ما فيها دورات تعليم رسم' ، مبدية انزعاجها من واقع غياب دورات الرسم في مدينة القطيف تحديدا ، فقررت أن يكون كلامها هذا ، مقدمة لهذه المقالة التي كنت أعتزم الشروع في كتابتها لاحقا ، لكن الأقدار شاءت أن تكون هي من يبادر إطلاقها الآن.
طبعا ، كنا نعلم أنا و زوجتي أن هناك في القطيف دورات لتعليم فن الرسم ، كتلك التي يقيمها مركز الخدمة الاجتماعية . فقد التحقت إحدى أخواتي في العام الماضي بأحد برامج المركز المخصصة لدورات فن الرسم تلك ، و كانت الدورة رائعة حقا ، بشهادة ما أنتجته الأخت العزيزة خلال تلك الدورة.
لكن زوجتي كانت تعني طبعا تلك الدورات المخصصة لفئات عمرية معينة ، أي فئة سن المرحلة الابتدائية أو الصفوف الأولية تحديدا - لأن ابني كان يريد أن يتعلم طرق الرسم الأساسية - ، و رغم علمنا أن مثل هذه الدورات موجودة في المنطقة أيضا ، لأن بعض أقاربنا أرسلوا بعض صغارهم لدورة مقامة في جمعية الجش الخيرية ، إلا أن الواضح أن تلك الدورات لازالت من حيث العدد بحكم النادر في المنطقة حاليا ، كما أنها من حيث الجودة أقل من الطموح أيضا ، فرغم تكاثر الدورات و تطورها المستمر ، إلا أن العدد و النوعية و الجودة لازالت دون المطلوب حتى الآن.
إنني عندما أرجع بذاكرتي لأيام الثانوية ، حيث شاركت حينها مع مجموعة من الأصدقاء من الشباب الملتزم دينيا بالإضافة لأحد مشايخ البلد - الذي كان عنصر التقاء حينها - في إقامة دورة دينية لم تستمر سوى مدة وجيزة ، و التي حضرت في نهايتها يوم أو يومين في المسجد منفردا مع بعض التلاميذ قبل أن أكتشف أن الدورة المقامة قد تفككت أصلا دون سابق إنذار ، و أن إيقافها أصبح تحصيل حاصل ، ثم حين أستذكر أيضا مشاركتي بعدها بسنوات في دورة صيفية أخرى (هي دورة الأمل الصيفية - كما تم تسميتها لاحقا -) و التي لازالت مستمرة و لازالت في تطور مستمر ، والتي عايشت معها خلال عدة سنوات تقلبات و تطورات متنوعة في تلك الدورة . عندما أرجع بذاكرتي لتلك الذكريات ، ثم أستحضر تنوع و وفرة الدورات التي نشهدها في المنطقة الآن ، كتلك الدورات التي تقيمها مدرسة التهذيب الأهلية مثلا ، و الدورات التي تقيمها مدرسة القطيف الأهلية أيضا ، و الدورة التي تقيمها روضة القطيف النموذجية ، و الدورات الأخرى التي تقام في بعض المدارس الحكومية أو في بعض المساجد أو بعض الاستراحات ، عندها يمكنني أن أقول مستحضرا خبرتي وذكرياتي عن بدء انطلاقة الدورات الدينية في المنطقة : 'أن الدورات الصيفية بدأت في المنطقة مركزة على توجهات دينية بحتة ، ثم بدأ بعد ذلك التكاثر فالتنوع جراء عوامل متعددة'. و أتذكر أنني كتبت فيما مضى مقالة بعنوان 'فرصة صيف' ، ضمنتها دعوة لتنويع نشاطات الدورات الصيفية بدل التركيز المطلق أو المكثف على الجوانب الدينية فقط ، و لن أنسى أن أعود لذلك الموضوع - القديم الجديد - هذا العام أيضا.
إننا كمجتمع عندما نستوعب حقيقة واقعنا الحاضر و نفهم ما نصبوا إليه لاحقا حقا ، أي حين نصل مرحلة النضج ، سندرك حتما أننا بحاجة حقيقية لدورات متخصصة في مختلف المجالات ، خصوصا تلك العصرية منها ، و منها تعليم الأطفال فن الرسم (من الألف إلى الياء مثلا عبر استجماع الأشكال البسيط كالدوائر و المثلثات و النقاط و الخطوط المستقيمة أو المتعرجة) - ذلك الموضوع الذي أشارت إليه زوجتي سابقا على سبيل المثال لا سبيل الحصر - ، كما أننا بحاجة أيضا لدورات لتعليم اللغة الإنجليزية و تنمية مهاراتها و تعليم لغات رئيسية أخرى كالفارسية مثلا ، و نحن أيضا بحاجة لدورات لتعليم الخط ، و دورات لتنمية مهارات التفكير ، و دورات لمعالجة صعوبات القراءة و الحساب - العناصر الأهم في التعليم التأسيسي للصغار - ، و دورات لتعليم الحاسب ، و دورات لتعليم الموسيقى ، و دورات لتعليم فنون بناء العلاقات و التواصل مع الآخرين ، و دورات في الطب البسيط أو الإسعافات الأولية ، و دورات في علم النفس و علم الاجتماع ... الى ما لا نهاية من المجالات التي تخلق تنوعا إيجابيا بناء في المجتمع ، يجعل آلة المجتمع مكتملة الأجزاء ، قادرة على الدوران و العمل بتكامل ناجح و مثمر.
إن ما سبق لا يعني طبعا إلغاء الدورات الدينية أو تجاهل الجوانب الروحية و إغفالها ، و لا يعني أن تكون الدورات المنشودة للمبتدئين فقط ، إنها دعوة لتنمية بشرية شاملة ، لا تركز على جانب واحد و تهمل الجوانب الأخرى ، و لا تهتم بفئة و تنسى الفئات الأخرى ، كما أننا ورغم إيماننا بدور الدورات التطوعية المجانية أو شبه المجانية في إعانة الأسر المتوسطة الدخل أو ذات الدخل المحدود على تجاوز العقبات في سبيل تنمية كفاءة أفرادها ، فإننا لسنا رغم ذلك ممن يقف حجر عثرة في وجه تلك الدورات الربحية التي تقدم مقابل مبالغ مادية مجزية تستحصلها تلك الجهات المباشرة للعمل على إقامة تلك الدورات ، لأننا نرى أن الربحية أيضا يمكن أن تكون عنصر تحفيز و تنشيط لإقامة الدورات و تنويعها - كما في أي عمل إنساني آخر - ، كما أن ذلك يمكن أن يؤثر بشكل كبير على مستوى الجودة و النوعية لتلك الدورات المقدمة في المجتمع.
إننا لا شك سنقف صيف كل عام أمام فرص ممتازة للبناء ، و لدينا برامج جيدة يمكنها أن تطور و تصقل بعض شخصيات أفراد المجتمع و تصلح بعض المعطوب في تلك الشخصيات ، و بما أنه ستتاح لنا الفرصة دائما كي نسهم بطريقة أو بأخرى في تفعيل تلك الدورات و تطويرها و تنويعها لتصبح أفضل حالا مما هي عليه الآن ، لذا فإن الواجب يحتم علينا من أجل ذلك إطلاق بعض الخيال و المعرفة المختزنة في أدمغتنا ، لإطلاق بعض المبادرات التطويرية الهادفة ، التي لن يحدها إلا خيالنا المبدع و مساحات الواقع المتاحة لتطبيق ذلك الخيال.