النجاح ليس في قائمة المقهى
كيف يمكننا أن ننجح في الحياة ونقوم بالإنجازات المختلفة في مجال تعليمنا وأعمالنا وتفكيرنا؟؟
أسئلة حائرة تؤرّق الواقع الشبابي و تدور في خلده بشكل مستمر ، ونحن في هذا المقال لن يكون دورنا بأن نقدّم إجابة لهذه التساؤولات ، لأن الإجابة عليها يحتاج إلى مزيد من المساحة ، ولكننا سنتحدث عن السبيل للوصول للنجاح بشكل عام بما يتناسب وهذا المختصر ، أي كيف ندخل ونفكر في مسيرة النجاح وإلإنجاز؟ ، لكي يكون مدخلنا صحيحاً وسليماً.
ولعل أهمية طرح هذا الموضوع يكمن في الظاهرة المتنامية للدورات التي تبشر بتنمية بشرية وإعطاء كفاءة جددة للأفراد ، و وعود بالنجاح والإنجاز ، في مجتمعنا ، وتزايد إقبال الناس عليها ، ولا شك أن هذه الرؤى ليست تنفيراً ، ولا هي حالة دعائية لتلك المراكز والدورات ، بل لكي ندخل أي مضمار من مضامير هذه الدورات بصورة متوازنة ، لكي تؤثر أثراً إيجابياً لا سلبياً ..
- النجاح لا يقدّم على طبق من ذهب
هنالك فرق بين النجاح الحقيقي وبين الشعور بالنجاح ، فيمكن لأي إنسان أن يشتري شعوراً بالنجاح في أي قائمة هنا أو هناك ، و لعل البعض يعتقد أنه يحصل عليه في قائمة المقهى أو مطاعم الوجبات السريعة ، إلا أن النجاح الحقيقي شيء آخر ، فهو يحتاج إلى بذل جهد وتراكم في العمل والخبرة و المعرفة.
إن النجاح متاح لكافة الناس ولا شك أن أي واحد منّا يمكنه أن ينجح ويقدّم إنجازات عظيمة ، إلا أن النجاح لا يقدّم إلى أحد على طبق من ذهب ، وإن حصل أحد منّا على نجاح ما في مكان ما بسهولة ، فهو هبة وعطية، وليس نجاحاً وانجازاً يحسب لشخصيته، هذه حقيقة مهمة ينبغي أن نتعرّف عليها، لكي نكون على استعداد لبدء طريق النجاح الحقيقي.
- لا تنس مصدر النجاح
معرفة مصدر النجاح الحقيقي يجعل الإنسان متصلاً بذلك المصدر ليستمد منه القوّة ويستعين به في مسيرة النجاح ، فأنت من يقوم بالتغيير وأنت من يحقق الإنجاز ،كل هذا صحيح، إلا أنك لست مصدر ذلك النجاح والإنجاز ، و واهم من يقول عكس ذلك ، فإن النجاح من الله تعالى، فهو الذي يغيّر واقع الإنسان وبفضله تهطل البركات ، وما نقوم به نحن إنما هو تهيئة القابلية والعمل بالأسباب لكي نستوعب تلك القوّة الربانية عبر التوفيق في أعمالنا ، كما يقول الإمام الجواد : (المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله ، و واعظ من نفسه ، وقبولٍ ممن ينصحه).
أهمية معرفة هذه الحقيقة هي لكي لا ننس فضل الله علينا ولكي نتصل به بالدعاء والتوكل والإستعانة بشكل دائم ، ولكي لا نضخّم ذواتنا إلى حد العبادة ، فبعض الفرق والمناهج بالغت في الأنا حتى أصبحت تؤلّه الذات ، حتى يشعر الإنسان كأنه هو المتصرّف الأول وألأخير في نفسه وفي الكون من حوله ، ليأخذ شعوراً وهمياً بالإنجاز وما هو بإنجاز ، وما هذا إلا انحراف عن النهج القويم.
يقول الإمام زين العابدين في دعائه: (ومن توجّه بحاجته إلى أحدٍ من خلقِك أو جعله سببَ نُجحِها دونَك ، فقد تعرّض للحرمان واستحق من عندِك فوتَ الإحسان).
- التفت إلى مصنع المفاهيم
مسيرة النجاح بطبيعتها تحتاج إلى الإيمان بمجموعة من القواعد ومن ثم إنزالها إلى الواقع التطبيقي والإستمرار عليها ، وكل طالب للنجاح أو لإنجاز تغيير ما في واقع ما ، يحتاج إلى تلك القواعد التي تشكل مفاهيمه ، وهذه الخطوة الهامة تحتاج إلى معرفة وإطلاع على المفاهيم الدينية التي نؤمن بها ، لكي لا تدخل بعض المفاهيم المغايرة والمناقضة لمقاصد الدين في المكون العقلي للإنسان فتصبغ تفكيره وتوجه مساره ، كما هو الحاصل في كثير من المناهج والدورات المهتمة بشأن النجاح وصياغة الإنسان وما شابه ذلك ، فقد يعتقد الإنسان بمفهوم مخالف للحق ، بينما الحق هو الميزان وليس الواقع ، فقد يكون الواقع سقيم حتى لو كان له تأثيراً على مستوى من المستويات، وهذا قد يجعل الإنسان ينحرف في تفكيره وفي فهمه للنصوص الدينية ، بحيث يفهمها من خلال تلك القاعدة وذلك المفهوم الذي تعلّمه ، وهذا من مصاديق التفسير بالرأي والتأويل الخاطئ.
سئل الإمام الصادق عن قوله تعالى: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ) ، فقال: (علمه الذي يأخذه عمّن يأخذه).
- الأثر يدل على الوجود لا على الصحة
لعل البعض ينبهر كثيراً بما يراه من أثر لبعض التقنيات ، إلا أن هذا الأثر ليس بالضرورة يكون معبّراً عن صحة العمل ، فإن الأثر الخارجي يدل على وجود الشيء فقط ، ولا يدل على صحته ، فالصحة لها مقايسها المختلفة ، وهي المطابقة مع القيم أو عدم التناقض معها ، فلو أخذنا السحر مثالاً ، فإننا قد نجد له أثراً خرجياً ، سواء يراه الإنسان بعينه أو يلمسه بأي حاسة أخرى ، ولكن ذلك لا يبرر لنا الإقبال عليه ، لأن الشريعة المقدّسة حرمته ودعت الإنسان للإبتعاد عنه.
- يسألونك عن النجاح
هل أن كل ما يحقّقه الانسان يمكننا أن نسميه نجاحاً؟ ، بالطبع ليس الناجح هو كل من ينجز شيئاً بغض النظر عن ماهية ذلك الشيء ، وإلا كان السارق المحترف ناجحاً ، فالبعض ينبهر بما ينجز أو بالأشخاص ذوي الشهرة الإجتماعية أو السياسية أو العلمية ، ويقيس بعد ذلك أعمال كل الناس من خلال منجزاتهم ، بينما ينبغي أن نحقق في مفهوم النجاح الحقيقي و المطلوب ، كأن ينجح الإنسان في الخير وأن ينجز شيئاً بالوسائل السليمة ومن دون التخلّي عن القيم الربانية التي يؤمن بها ، فلذلك أنت عندما تحاول أن تنجز ويكون العائق لبلوغك لذلك الإنجاز هو عدم تخليك عن القيم ، فأنت هنا قد حققت نجاحاً ، حتى لو لم يعتبره الناس كذلك ، لأنك حافظت على قيمك ، وهذا يكفي في زمن يراد لك أن تسلب كل قيمة إلهية.
- النجاح الأكبر
قد تؤسس شركة ضخمة أو تمتلك عشر شهادات عليا ، إلا أنك لم تربِ نفسك تربية صحيحة ، فأنت سيد الفاشلين ، لأن الإنسان وتربيته هو المحور وهو الأساس فما الذي ستربحه إذا خسرت نفسك ، فالنجاح لا يقاس بالمقاييس المادية وحسب ، وإنما النجاح الأكبر أن يصيغ الإنسان شخصيته ويربي نفسه ويكون إشعاعاً للخير والفضيلة ، ولن يكون ذلك إلا من خلال مصدر الفضيلة ومصدر الخير وهو الله تعالى من خلال بصائر القرآن الكريم ، وهدي الرسول وأهل بيته الطاهرين.
بعد معرفة هذه الأساسيات المهمة يمكنك أن تنطلق في مشروعك وتشق طريق النجاح.