ثقافة الغرب محيرة
بمجرد أن يزور أحدنا الدول الغربية يتردد في ذهنه كلمات كنا نسمعها ممن زار الغرب ملخصها: أن مجتمع الغرب يتبنى سلوك الإسلام وهو غير مسلم،والمجتمع الإسلامي هو بعيد بسلوكه عن الإسلام وأن أطلق عليه مسلم،في هذه العبارة لا يمكن أخذها على إطلاقها بالنسبة لغير المسلمين فضلاً عن المسلمين،وأعتقد أن هدف القائل كان مقارنة السلوك العملي بين المجتمع الإسلامي والغربي بحسب التشخيص الظاهري كاحترام النظام وحسن التعامل مع الآخرين وعدم التدخل في الخصوصيات ومشاريع بناء الإنسان والتركيز على الإنتاج وغير ذلك،والملفت للنظر لدى البعض منا عندما يريد يحلل المجتمعات الأخرى يركز على إيجابياتهم من باب التذكير والاستفادة والتمني والطموح في أننا أولى بذلك ولكنه يتغافل أو لا يعطي اعتباراً لكافة التصرفات السلبية التي تصدر أمام مرأى العين تحت عنوان الحرية أي ما كانت مسماها،من جهة ثانية تنصب قراءتنا لمجتمعاتنا بتركيزنا على السلبيات كأننا نضع أمام أعيننا ضبابية أو قائمة من النظرة السودوية وكأن الإشارة حمراء لا يمكن تجاوزها أو التكيف معها في حين أننا أمرنا بالتفاؤل وحسن الظن والمصداقية وذكر محاسن إخواننا في الله والتعامل الطيب معهم وهو الذي يولد لدينا ثقل كبير للجوانب الايجابية بالنسبة لمن نتعامل معهم حيث يحسن ذلك من زرع الألفة والمحبة والتعايش والسلم،ويوجد في بيئتنا نخبة تتوفر فيهم صفات العطاء والتضحية لدينهم ووطنهم ومجتمعهم بل للإنسانية كاملة،نعم الذي يشوه واجهة المسلمين هم أصحاب الفكر الضيق الذين لا يشعرون بالسعادة إلا مع إقصاء الآخر وتهميشه ونبذه وإن أفكارهم تعامل كقرآن منزل لا تقبل النقاش ثم يصدرون ذلك للحاشية المتربية على مفاهيم العنف والتطرف مما يفرخ لنا بعد التأهيل القيم غير الإنسانية كالوحشية والعدوانية والعشوائية والتخبطات والاعتداء على ممتلكات الآخرين وأنفسهم و….
والناحية الثانية التي تشد انتباهك أثناء تجولك بأوربا الذهول بمستوى التقدم الذي تحقق على مختلف المستويات مما ذكرني بعبارة سمعتها في السابق على لسان أحد العلماء رحمه الله نصها ( أن مجتمع الغرب أخذ علومنا وترك لغتنا ونحن أخذنا لغة الغرب وتركنا علومهم) ففي الزيارة التي تجولت فيها في مدن ألمانيا وهولندا وبلجيكا وفرنسا لاحظت البنية التحتية المتكاملة بمختلف الخدمات البيئة والجمالية والترفيهية والإدارية وكل شيء له نظام من ذلك مستوى الإتقان في استخدام القطارات أو الباصات أو حتى المسارات المتاحة للدرجات وقد رأيتها بكثرة في هولندا وعندما سألنا عن أسباب كثرة استخدامها كانت الإجابة لأن استعمالها يساعد في اختصار الوقت وتقليل التكلفة ورفع سقف اللياقة الرياضية.
الشيء الآخر الذي يشدك هو الاهتمام بالإنسان أياً كان بدون النظر إلى لونه أو جنسيته أو حتى ديانته والمساهمة في بنائه وتحفيزه وإعطاء معيار الكفاءة أهمية في مختلف القرارات مما تجعل الشعب واعياً ومنظما منتجاً إلى أكبر درجة ممكنة في وصول القطار، في تعدي الإشارة للمشاة،في طوابير الانتظار،في قاعة الدرس ،في الالتزام بالمواعيد في عدم التدخل في الخصوصيات ،في الجدية في الإنتاج،في احترام نظام العمل،بل حتى في قرار الإضراب عن العمل كاحتجاج لحين الاستجابة لطلباتهم،كما أن نظام المعيشة في دول أرويا تعطي راتباً مالياً شهرياً لمن لم يحصل على عمل هو وأفراد أسرته وتقوم بسداد إيجار المنزل وتتحمل دفع فواتير الخدمات إذا زادت عن المعيار المحدد وإن ذلك لا يقتصر على المواطن بل يستفيد من تلك الخدمات المقيم أيضاً،كما أنك مصدق فيما تقوله من ذلك عندما أردنا تسليم غرفة في أحد فنادق بروكسل في بلجيكا كان السؤال الموجه إلينا من موظفة الاستقبال هل استخدمتم السلع المتاحة في الثلاجة فقلنا لا فتسلمت مفتاح الغرفة بدون أن تشيك على صحة ذلك فعرض لي في الأثناء وقفة أن تصرفاتهم المحمودة ليست من منطلق ديني، فلماذا نحن المسلمون نصنف كعالم متخلف ثالث أو تهّذب عند رقي مؤشرات التنمية في بعض بلادنا على أنها نامية،فيجعل الإنسان يسترجع الشريط المخّزن في الذاكرة وكيف أن الإسلام دين متكامل،وصاحب رسالتنا أفضل شخصية في الوجود وهو حبيب قلوبنا ونبينا محمد وأن شريعتنا لم تترك صغيرة ولا كبيرة في الحياة إلا وتعرضت لها،والكثير منا يعرف الأحكام الدينية وبالأخص العبادية منها أصبح طالب العلم الديني والمثقف والسياسي والأديب والوجيه الكل يسوق للقيم الإسلامية ولكننا نصطدم بها في واقعنا العملي حيث يتشدد البعض منا في القول بحرمة الكذب والظلم وهو الصحيح لأنه لا مجاملة في الدين،ولكن مشكلة البعض منا في العلاج فقد ننقد الآخرين وبأسلوب ليس في الإسلام صلة فيه تحت عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،والطامة الكبرى إذا تعارضت القيمة الحقيقة للإسلام مع المصالح ترى العجب العجيب فقد يشخص فرد على أنه سلوك الملائكة وفي أقل من لحظة يتحول إلى رتبة إبليس الرجيم لا لشيء إلا لأن هذه البوابة هي التي تحقق لنا الربحية المناسبة ،كما أنك قد ترى المتشدد في مخزونه النظري ولكنه في الجانب العملي تغيب عنه الإنسانية والرحمة والعطف والشفقة والأفق الواسع وقول الحق و....
نحتاج في مجتمعنا لكي نرتقي لابد لنا من تطبيق حكم الله ومؤشر ذلك سلوكنا العملي والذي بسببه كما هو معروف لدينا دخل الدين الإسلامي بأخلاق الرسول الذي بعث رحمة للعالمين أكثر مما أعتنقه بالسيف،فالخلق والمحبة الصادقة وحسن الظن وخدمة الغير والانشغال بتعظيم قيم الإنتاج واستغلال الوقت وتصحيح الأخطاء بأسلوب حضاري والوقوف مع المظلومين ومساندتهم،والشعور بالآخرين والتعامل الصادق وترك ما لا يعيننا وتطبيق النظام الإسلامي الشامل في واقعنا العملي هو الذي يجعلنا نرتقي إلى المرتبة الإلهية حقاً مما يبرزنا كأمة منتجة عملياً.
سلمان الحجي
26/6/1428هـ
ألمانيا