الشيعة وشعورهم السلبي بالإنجازات الوطنية
سأكون واضحا وصريحا في موضوعي، فالمسألة جداً حساسة وفي نفس الوقت مهمة للشيعة والوطن، هناك إنجازات صناعية ومدنية ورياضية وعلمية وغيرها في وطننا ومع ذلك موقف الشيعة بحسب ما أرى وأحس غير آبه وغير حافل بشكل ظاهر وواضح بهذه الإنجازات الوطنية المهمة، مع أن الشيعة لهم في هذه الإنجازات الوطنية قدم السبق واليد الطولى، فشركة أرامكو وهي أهم الإنجازات الصناعية الوطنية وأقدمها في المجال الصناعي على سبيل المثال قامت على أكتاف وسواعد الشيعة من أهل القطيف وأهل الأحساء في المنطقة الشرقية، ومع ذلك إحساسهم بهذه الإنجاز الوطني لا يتعدى كونه مكانا للإرتزاق المادي، ينتهي بالتقاعد أو الإستقالة أو الفصل، فلا يوجد إحساس عند أغلب الشيعة ـ إن لم أبالغ وأقول كلهم ـ بأن هذا الإنجاز الصناعي أو ذالكم الإنجاز الرياضي أو تلك الإنجازات العلمية أو غيرها من الإنجازات هي إنجازات وطنية لها علاقة وارتباط بالوطن بما هو وطن، لا بالوطن بما هو محكوم من دولة معينة.
وما نقوله عن الشيعة في هذا الصدد لا يعني أن غير الشيعة يحفلون بهذه الإنجازات الوطنية بما أنها إنجازات وطنية، إنما يحفلون بها كما أتصور بما أنها إنجازات يديرونها ويتحكمون في سير عملها، أو بتعبير مجازي هم يحفلون بها بمقدار إهتمامهم بالبقرة الحلوب فكلما كان درها للحليب أكبر كان الإهتمام بها أكبر وكلما كان درها للحليب قليلا أو منعدما كان الإهتمام بها ضئيلا أو منعدما.
ونحن في هذا الموضوع نريد إضافة للإشارة إلى الخلل الثقافي في رؤيتنا تجاه المنجزات الوطنية، أن نسلط الضوء على أهم أسباب عدم الإحساس الإيجابي بالمنجزات الوطنية، وأتصور قبل الجواب على هذا السؤال لا بد من الإشارة لأمر أرى من الضروري الكشف عنه لأهميته الثقافية أيضاً، وهو أن طرح الأسئلة الحيوية والأجوبة الحرجة والدقيقة في الواقع تحتاج إلى شجاعة وجرأة ليس من الكاتب فقط بل أيضا من المجتمع والدولة، إذ ليس كل سؤال يطرحه المثقف والمفكر والسياسي يهدف من خلاله إسقاط الدولة وتدمير البنية الإجتماعية، أو يهدف محاربة الدولة ومواجهة المجتمع، أو جلد المجتمع والتشنيع على الدولة، ولا أخال أن الدول والمجتمعات التي تريد معالجة الإشكاليات التي تعاني منها تخشى من الوضوح والشفافية وإن كانت مؤلمة ومزعجة. فالهدف الأسمى الذي يريده العلماء والمثقفون والسياسيون الذين يشعرون بالمسؤولية هو إصلاح الأخطاء الإجتماعية والثقافية والسياسية في الواقع، وأما هروب المثقفين والإعلاميين الوصوليين من الواقع الخاطئ لواقع مثالي مبني على المجاملة في كل كبيرة وصغيرة بسبب الخوف أو لأجل الوصول لغايات مادية فلا يبني إلا مجتمعا خاويا من الأحاسيس والمشاعر الإيجابية تجاه الإنجازات الوطنية، ولا شك أننا نريد مجتمعا يعشق وطنه ومجتمعا يموت في سبيل رفعة وطنه ومجتمعا يضحي من أجل إنجازات وطنه.
والشيعي عندما يفكر ويطرح الأسباب الفعلية للشعور الخاطئ في مجتمعه تجاه الإنجازات الوطنية فهو يروم من خلال ذكرها المعالجة والإرتقاء بأحاسيس المواطنين بشكل عام والشيعي بشكل خاص، بحيث يشعر كل مواطن في وطننا الغالي أن كل إنجاز وطني هو إنجاز وتقدم لذاته، وإن لم يشارك في الإنجاز والتقدم بالفعل، فيكفي بالنسبة له أن يكون الإنجاز إنجازا وطنيا ليفتخر به ويدافع عنه، والوطن لكل المواطنين لا لفئة معينة تنتمي لمذهب معين كبرت هذه الفئة أو صغرت.
- فما هي أسباب عدم الإحساس الإيجابي بالمنجزات الوطنية؟
من أهم الأسباب من وجهة نظري لهذه الأحاسيس السلبية تجاه المنجزات الوطنية أمران هما:
1ـ إحساس الشيعة بالغبن في هذه الإنجازات، فكثير من المنجزات الوطنية المهمة كأرامكو تأسست على أيدي شيعية، أو شارك في تأسيسها والنهوض بها على مستوى الوطن والعالم الشيعة، ومع ذلك لا يرى الشيعي أنه في هذه المؤسسات والإنجازات الوطنية سو أنه مستخدم وموظف في الواقع ونظر الغير لا يترقى في المناصب العليا التي يمكن من خلالها أن يتخذ قرارات إدارية واقتصادية مهمة كغيره من المواطنين الذين لم يؤسسوا أو لم يشاركوا في تأسيس المنجز، ولا شك أن هذا الأمر له دور كبير في عدم الإحساس بهذا الإنجاز الحضاري والصناعي كإنجاز وطني.
فليس من العدل التعامل مع الشيعي في المؤسسات التي قامت على أكتافه تعاملا مساويا مع غيره ممن ليس له يد في تأسيس هذا المنجز، هذا فضلا أن يكون غير المؤسس أو المشارك في عملية التأسيس هو الذي يتقلد المناصب والمؤسس يكون مستخدما تحت يده أو طوع قراره فهذا غبن ما بعده غبن في نظره.
2ـ إحساس الشيعي بالطائفية في التعامل في هذه الإنجازات الوطنية، وسواء أكان هذا الإحساس له واقع في نظر الآخرين أو ليس له واقع، قبله البعض أو رفضه البعض، فالشيعي هذا هو شعوره واحساسه، فهو ويرى بأنه يُعامل في الإنجازات الوطنية بطائفية مذهبية فيمنع من الوظيفة في هذه المنجزات لكونه شيعيا، ويمنع من الترقية في هذه المنجزات لكونه شيعيا، أو يمنع من الجلوس على كرسي هذه التخصصات لكونه شيعيا، أو لا يعطى فرصة كغيره في هذه المنجزات لكونه شيعيا، ولا ريب أن هذا الإحساس والشعور المتنامي يولد في داخله اشمئزازا وعدم مبالاة تجاه كل الإنجازات الوطنية، مما يكون له إنعكاس في السلوك بعدم الحرص على المحافظة على هذه المنجزات، بل قد أقول البعض يرى أن هذا الإنجاز الصناعي أو ذاك الإنجاز العلمي والرياضي يسبب الظلم والحرمان له، فعلى سبيل المثال عندما يرى بأن الإنجاز الرياضي يسبب حرمان النادي الذي ينتمي له أو يديره من الميزانية العامة فإنه لا شك سيرى أن الإنجاز يسبب تعاسته وحاجته في الجانب الرياضي، ومن الطبيعي أن لا يحفل الإنسان بما يسبب له الحرمان أو الظلم مثله مثل بقية الناس الذين لا يحفلون بما يسبب لهم الحاجة والتعاسة، ويحضرني في هذا السياق إنجاز الإهرامات المصرية أو إنجاز السور العظيم في الصين اللذين يعتبران من المنجزات الحضارية العالمية الرائعة في وقتنا الراهن عند المصريين وعند الصينيين بل العالم جميعا، مع أنهما لم يبنيا إلا على جثث العلماء وتضحية الأبرياء في الصين ومصر، ولو قدر وبعث لنا عالما صينيا أو عاملا مصريا لقال أن السور العظيم والإهرامات التي تعدونهما من الإنجازات العمرانية والحضارية والعالمية ليست في نظري إلا محرقة ومقبرة للإنسانية المصرية والصينية في زمننا،لا أنها منجزات حضارية عالمية كما تتصورون وتتوهمون..
وأخيرا وليس آخرا أقول: أن الأحاسيس السلبية التي تتملك شعور الشيعي في الواقع تجاه الإنجازات الوطنية ينبغي علاجها وقلبها لأحاسيس إيجابية تنظر لكل المنجزات بأنها منجزات ذاته ومنجزات وطنه لا منجزات غيره أو منجزات دولته فقط، وللأسف وهذا هو واقع الشيعي كغيره من الناس من غير الشيعة لا هذا يتحقق الشعور الإيجابي في نفسه تجاه المنجزات الوطنية إلا عندما يلمس بأن معاملته في هذه المنجزات على أساس المواطنة والكفاءة لا على أساس المذهب أو المحسوبية، فيوظف لأنه مواطن ويتقلد المناصب لأنه كفوء لا لأنه من هذا المذهب او من هذه القبيلة...