ماحدث للآل حمادة ذكرني بالفلم السينمائي ( ألحقونا ) !!
بسم الله الرحمن الرحيم
لازالت المجتمعات العربية تقبع في مستنقع التخلف من خلال تعاطيها مع الفكر والثقافة وحفظ حقوق الباحثين والمفكرين ، فالأفكار خلاصة العقل والبحث المضني الذي دأب عليه المفكرون والباحثون كي يعطوا لبابة فكرهم وثقافتهم لمجتمعاتهم في شكل كتب وبحوث ودراسات .
وتعتبر الحقوق الفكرية من أهم الركائز التي ترتكز عليها الخدمة المعرفية في حياة الشعوب ، لذلك سعت دول عديدة لحمايتها عبر سن قوانين وأُطر تكفل لمالكيها حقوقهم وإنجازاتهم مثل : براءة اختراع وحقوق الطبع والنشر تحفظ أنتاجهم الفكري والعلمي والمهني .
ولم يكن من المفاجئة لي أن أقرأ مقالاً للأستاذ حسن آل حمادة يذكر فيه تعرضه لابتزاز فكري بسرقة دراسته التي إعدادها ونشرها في مجلة الكلمة تحت عنوان ( كيف نصنع مجتمعاً قارئاً ) ، وضمنها في كتابه ( العلاج بالقراءة ) ثم وجدها منشورة في مجلة المعلوماتية باسم الدكتور العريشي .
من جانبه نفى الدكتور العريشي: أنه اقتبس أو نقل من دراسة آل حمادة أي كلمة أو فكرة ، وأضاف في كلمته التي نشرتها جريدة الوطن : إن الجوانب التي كتب فيها متخصصة ، ولايمكن لشخص غير متخصص الاشتغال عليها بطريقة أكاديمية وأكد أن بحثه متخصص ومستند على مصادر متعددة ومن جوانب مختلفة تعتمد على جانب تخصصي .
• آل حمادة جاء بالبينة
ليس من المعقول أن يتهم آل حمادة الدكتور العريشي بسرقة أنتاجه الفكري جزافاً دون أن يوجد مبررات ودلائل فيما نسبه إليه ، فاستشهد بنصوص عديدة ذُكرت بالتفصيل في مقاله الأول في جريدة الوطن ، واكتفى الدكتور العريشي برد عام فيما نُسب إليه بقوله : أن هذه دراسة خاصة له . ويفهم أنه مُعد الدراسة لا حسن آل حمادة .
ولم يكن كلام الدكتور العريشي كافياً لرد الدلائل والبراهين التي استعرضها الأستاذ آل حمادة في إثبات أن الدراسة التي نُشرت باسم الدكتور العريشي هي في الأصل دراسته ، فكان المفترض على الدكتور العريشي أن يأتي ببراهين ودلائل يستعرض فيها دراسته بشكل تفصيلي وتحليلي يبين فيها النهج الذي أنتهجه في سير الدراسة مع ذكر مصادر ها كي يقنع القراء بأنها دراسة من إعداده الشخصي .
• من هو الأكاديمي في نظر الدكتور العريشي .. وهل هو منزه عما يُنسب له ؟
استشهد الدكتور العريشي برده على آل حمادة بقوله : إن هذه الدراسات لايقوم بها إلا أكاديميون !! ويفهم من ذلك أن شخصاً كآل حمادة لايمكن أن يعد هذه الدراسة ، وسأرد على هذا القول بنقطتين :
الأولى : لابد أن نُعرف الأكاديمي؟ فعرفه بعض المختصين بعلم اللغة : الأكاديمي في عُرفنا هو من يعمل في حقل البحوث والدراسات ، ومن كان له درجة علمية أكاديمية ( ماجستير أو دكتوراه ) ويجب أن يكون له أطروحات وبحوث علمية ، وبرأيي أن نيل الشهادة الجامعية لايمكن أن تجعل من الطالب أكاديمياً لأن هناك من يأخذ الشهادة وينشغل بأمور أخرى بعيدة عن البحث العلمي فهذا لايسمى أكاديمياً .
فيما عرفه آخر : الأكاديميون هم أولئك الأشخاص الذين لديهم شهادة من هيئة علمية جامعة أو معهد معترف بها وخضعوا لدروس نظرية ومنهجية وعلمية في مجالات العلوم سواء أكان علماً إنسانياً أم مجرداً ، شهادة من قبلهم تثبت أنهم أنهوا هذه الدروس ، وبشكل عام الخريجين من الجامعات والمعاهد من المفترض أنهم تعلموا الطرق الأكاديمية والأكاديمية لديها شروط معينة منها : أن لايكون منحازاً إلى أي طرف ما ، ويتسم بالموضوعية في آرائه ، وينظر إلى الأشياء من منظار العلم .
ومن هنا اتفق المختصون في تعريفهم للأكاديمي بأنه حاصل على شهادة جامعية ، وأنجز بحوث ودراسات في مجال تخصصه واهتمامه ، ولايمكن حصر الأكاديمي على من يحمل شهادة الدكتوراه أو الماجستير ، فعلى سبيل المثال : بدولة اسكندنافية كالسويد يطلق فيها على الفرد الذي يحمل شهادة جامعية فما فوق اسم أكاديمي .
ونستخلص من التعريفين السابقين أن من درس وعرف أساليب البحث العلمي واستخدم نظرياته وفرضياته وطبقها على بحوث متعددة أظهرها في دراسات مستوفاة على شكل كتب ودراسات فلا ضير أن يقال له باحث في مجال تخصصه واهتمامه بغض النظر عن الشهادة التي يحملها هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإن الباحث إذا كان ممن يحمل شهادة جامعية فليس من الخطأ أن يقال عنه أكاديمي لأنه درس علوم منهجية وحاصل على شهادة جامعية معترف بها دولياً وهذه مميزات نجدها عند الأخ حسن آل حمادة .
أما النقطة الثانية : ( أنها دراسة لايقوم بها إلا الأكاديميون ) فهذا تعبير غير منطقي لامن ناحية أدبية ولا واقعية. فالكتب والموسوعات والبحوث والدراسات بشقيها العلمي والعملي التي تزخر بها المكتبات ومواقع الانترنت ليست مقتصرة على الأكاديميين فحسب بل قام بها فنيون وحرفيون ... وغير ذلك من المهتمين وفق تجاربهم وخبراتهم التي اكتسبوها كل في مجاله وموقعه ، خاصة أنهم استعانوا بدراسات أخرى في نفس المجال وكانت بعض الدراسات والبحوث نقلة نوعية في مجال علمهم واختصاصاتهم ، ومحل استشهاد واقتباس لكثير من أساتذة الجامعات والمعاهد ، بالرغم أن من قام بإعدادها ليسوا بأكاديميين ، والشواهد على هذا الباب كثيرة لا يسع المجال لذكرها.
• نقطتان تستحقان أن نقف عندهما
أشار الدكتور العريشي في رده : أنه أن يستشهد بذكر المراجع التي اقتبس منها دراسته .
وهي نقطة تصب في صالح الأستاذ آل حمادة ، فلو أن العريشي وضع دراسة آل حمادة ضمن المراجع التي رجع إليها لأوقعه ذلك في حرج كبير خاصة أن دراسته التي نشرها في مجلة المعلوماتية تشبه إلى حد كبير دراسة آل حمادة باستثناء بعض الكلمات والعبارات كذلك قِدم دراسة آل حمادة التي نُشرت عام 1419هـ مقارنة بدراسة العريشي التي نُشرت عام 1427هـ ، ولعل المتصفح العادي فضلاً عن المختص يكتشف من أول وهلة أن الدراستان في الأصل دراسة واحدة !! .
وهو ما أوضحه آل حمادة في مقاله الأول في جريدة الوطن ، فاستعرض النصوص والنقاط التي احتوتها الدراسة المنشورة في مجلة المعلوماتية باسم الدكتور العريشي وقارنها بنصوص ونقاط دراسته ، فكانت المفاجئة !! بوجود تشابه كبير بين النصوص والنقاط في كلا الدراستين باستثناء بعض التعديلات الطفيفة ، فهل يعقل أن نجد تشابه بهذه الدقة المتناهية بين دراستين مختلفتين !! وهو مالم يدع مجالاً للشك أن ماستشهد به آل حمادة واقعاً وملموساً .
ثم رد الدكتور العريشي مرة أخرى بقوله : أنه سيصفح عن تجاوزات آل حمادة وعن اقتباساته الحرفية وسيترفع عن تسميتها بمسميات أخرى!! مضيفاً: "صادفتُ أحد مؤلفات الباحث المذكور في هذا الموضوع, وهو كتاب لا يحمل إثبات ملكيته الفكرية له ولم يودعه في المكتبة الوطنية مع أن الطبعة الأولى كانت عام 1424هـ ، ولم أعتمد عليه بتاتاً ولم أقتبس منه، ودراستي أسبق منه وتستند إلى جملة من المراجع بينها موقع "قطيفيات" ، وهنا نلاحظ التنازل التدريجي في كلام العريشي بدءاً من نكرانه أي اقتباس من دراسة آل حمادة ثم قوله : إنها دراسة لايقوم بها إلا أكاديميون ، ثم تنازله بقوله : أن كانت هذه الدراسة ضمن كتاب آل حمادة فإنه لم يودعه في مكتبة الملك فهد الوطنية ، وهذا يدل على عدم ثبوتية الدكتور العريشي على رأي معين بدئاً من التناقض إلى التنازل في تصريحاته التي نشرتها جريدة الوطن تباعاً .
• الاقتباس ليس ممقوتاً ولا ممنوعاً
يعد الاقتباس لطلب الاستشهاد والدراسة والانتقاد البناء أمراً مشروعاً ومتاحاً لجميع المهتمين بالعلوم الحياتية المختلفة كونه يثري باب العلم والمعرفة بشتى أنواعها وتصنيفاتها ، ويعود على المجتمعات والدول بالرقي والتطور خاصة إذا كانت دراسات متخصصة في جانب حياتي مهم كالمعرفة والاقتصاد والسياسة .
لكن لابد أن يُشير الباحث والكاتب وفق أمانته العلمية والعملية إلى مصدر الدراسة والبحث ، كما أننا كمسلمين بحكم الوازع الديني الذي يحتم علينا حفظ الأمانة وهو مصداق لقول الله تعالى : ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ ﴾
• لن يكون آل حمادة الأخير !!
تناول عدد من الكتاب ماتعرض له الأخ آل حمادة في مقالين قرأتهما للأخ المسكين في جريدة الوطن والأستاذ عبدالعزيز السويد في جريدة الحياة تحت عنوان : ( تحقيق أكاديمي ) وآخره مانشرته جريدة الرياض حول نفس الموضوع تحت عنوان : آل حمادة يطالب الجامعة بالتحقيق ويرفع شكوى للوزارة .
وكنت أتذكر في هذا المقام ما قرأته في جريدة الجزيرة وكتاب جنايات مؤسسة البابطين للإبداع الشعري على ديوان ابن المقرب للباحث عبدالخالق الجنبي ، عن تعرضه لسرقة مجهوده بشكل غير مباشر من قبل مندوبي المؤسسة بعد أن تعاون معهما بحسن نية ,وأرشدهما على مصادر مخطوطات ديوان ابن المقرب التي رجعوا إليها ومنها النسخة التي حصلوا عليها من المكتبة الرضوية بمدينة قم الإيرانية ، وكيف أن المؤسسة اختارت الدكتور الأردني الخطيب لتحقيق هذا الديوان مع علمهم بأن الجنبي وزميليه كانوا منهمكين في تحقيق الديوان نفسه ، وإن مثل هذه المواقف تبخس الكتاب والباحثين حقوقهم خاصة إذا أخذها البعض ونسبها لنفسه بعد أن أُعدت على طبق من ذهب .
إن مطالبة الأستاذ آل حمادة بالاعتذار الصريح لما تعرض له لهو حق مشروع في هذا المقام ، كذلك نطالب بتشريع قوانين رادعة لردع من يحاول أن ينسب المعلومة والبحث لنفسه ، وفرض غرامات مالية لمن يثبت في حقه تطاوله على فكر ومبتكرات الآخرين العلمية والعملية ، و إيجاد لجنة مختصة للنظر في الدعاوى المقدمة لها من قبل الباحثين والمؤلفين للتحقيق والبت فيها .
وأنا اكتب هذه الكلمات استشعر قدر المرارة التي يشعر بها الأستاذ حسن آل حمادة من جراء ماحدث له ، وتذكرت في هذه الأثناء فلماً سينمائياً يتناول قضية الاعتداء على حقوق الغير تحت مسمى ( ألحقونا ) وهي دراما تحكي قصة شاب مصري بسيط تعرض للابتزاز بسرقة إحدى كليتيه لتزرع في جسم رجل أعمال ثري مصاب بفشل كلوي ، ويدور السيناريو في أحداث مترابطة يقف الشاب في أحد مشاهده أمام الغني ليقول له : أنك لو طلبت مني كليتي لأعطيتك إياها!! لكني ارفض أن تأخذ ها مني بهذه الطريقة الدنيئة .
ولعل الفلم السينمائي يحكي نفس القصة التي نتحدث عنها ولكن بشكل وبواقع مختلف ، فالشاب سرق منه جزء من جسمه واستفاد منه شخص واحد ، بينما في موقف آل حمادة وأمثاله يسرق منهم أنتاجهم الفكري والثقافي ويقُدم للمجتمع بأسماء غيرهم وهو إجحاف للحقوق في أنتاج المعلومة والفكر .
وفي تصوري إن سرقة الأفكار والمبتكرات لاتقل خسارة وفداحة لدى الباحثين والكتاب من سرقة الأموال والممتلكات فتمنيت أن يضيف الأستاذ حسن آل حمادة لكلامه هذه العبارة ( ألحقوني .... فلقد سرقوني ) لتصبح اسماً لفلم سينمائي جديد تعرضه إحدى قنواتنا الفضائية العربية المحترمة !!
تنويه للقراء : حرصت على نشر هذا المقال على صفحات الجرائد المحلية في وقته وأرسلته لعدة جرائد ولم تتبنى أي منها نشره بالرغم من متابعتي المتواصلة بهم دون جدوى تذكر ، كذلك لم توضح أي جريدة سبب رفضها لنشر المقال .