أمير الكويت ثَمن الخطايا بثمن بخس
بسم الله الرحمن الرحيم
وجه عدد من الكَّتاب انتقاداً لاذعاً للطائفة الشيعية بعد حصولهم على قرار من الحكومة الكويتية بمنع عرض مسلسل( للخطايا ثمن ) ووصفه البعض بالتعصب الطائفي الممقوت لأنه من وجهة نظرهم -يعالج قضايا اجتماعية ومنها زواج المتعة و يسلط الضوء على سلبياته في إطار نقدي جريء ، ونفى بالمقابل منتج المسلسل أنه تعرض للمذهب الشيعي بالإساءة أو أن المسلسل محاولة لإذكاء الفتنة في المجتمعات الخليجية .
• النقد بالكيفية والطريقة
لعل أولى الجوانب التي أثارت موضوع المسلسل هي الكيفية التي حاول فيها المسلسل عرض زواج المتعة وتصويره بصورة غير أخلاقية ، فإذا كان المقصود من إثارة هذا الموضوع هو النقد البناء والجريء فلماذا لم يأخذ الكاتب والمنتج هذا الموضوع بجوانبه المتعددة ؟
وأولى هذه الجوانب هي جانبي التشريع والتطبيق في زواج المتعة ، فحاول منتج المسلسل إظهار الجانب التطبيقي منه بالكيفية التي رسموها ، كذلك لم يعرض المسلسل صورة زواج المتعة بشقيه الإيجابي والسلبي ولم يتناول زواج المتعة وفق الرؤية المذهبية للفقه الشيعي . فلو أنه المسلسل عرض تلك الجوانب لسلمنا أن هذا انتقاد في محله و لم يخرج من دائرة الانتقاد إل دائرة التشهير بطائفة أو بمعتقد ما .
وبعبارة أدق أن منتجي المسلسل استخدموا أسلوب توظيفي لا نقدي عبر سعيهم لتوظيف زواج المتعة بصورته المشوهة في دراما مثيرة للجدل للدخول لمعتقدات وممارسات المذهب الشيعي و عكس صورة مشوهة تصورهم باستغلال معتقداتهم الدينية لنيل رغباتهم وشهواتهم .
مع علمنا أن بعض المعتقدات والقواعد الدينية والفقهية عند كثير من الطوائف الإسلامية استغلت من قبل البعض ومنها زواج المتعة لأن لكل قاعدة شواذ ، ولايمكننا أن ندين الكل بجريمة البعض ، فالخطأ في التطبيق لا في أصل التشريع التي يعتمد عليه الفقهاء في إجازة مثل هذا النوع من الزيجات وفق المذهب الشيعي .
ولو سلمنا جدلاً بصحة ماقاله منتج المسلسل بأنه يتعرض لظاهرة اجتماعية ويسعى لمعالجتها وتقييمها ، فلماذا لم يتناول إلا زواج المتعة دون غيره ؟ فهناك الزواج العرفي والمسيار والفريند والمسفار والزواج بنية الطلاق وهي زيجات لها تبعاتها السلبية في المجتمعات الإسلامية ، فكان باستطاعة كاتب السيناريو أن يستعرضها في دراما دائرة مترابطة واحدة وبإطار نقدي جريء ، عند ذلك يمكن أن يحكم على أن المسلسل جاء من باب الانتقاد وليس باب الانتقاص والإثارة ، ولكننا وجدنا أن المسلسل سلط ووظف زواج المتعة وأقتطعها من ظواهر مماثلة ليسلط الضوء عليه دون غيره مما أثار حفيظة الكثيرين بأن المسلسل يحمل بصمات ودلالات واضحة لفتح باب الفتنة والإثارة .
هذا من جانب -ومن جانب آخر إن طريقة نقد بعض الممارسات الدينية تحتم علينا اختيار نوع و وسيلة الانتقاد والتقويم بمعنى أن استخدام نقد بعض الممارسات الخاطئة كزواج المتعة وعرضها كمادة إعلامية درامية في مسلسل خليجي كفيلة بخلق صورة مشوهة وقاتمة عن ممارسيها ومريديها و محاولة لضرب المعتقدات الدينية لدى الطائفة الشيعية عن طريقها .
ويجب الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أن منتجي المسلسل سعوا إلى توظيف أحكام وقواعد دينية عبر فبركة درامية وصورة غير أخلاقية وتصويرهم باستغلال معتقداتهم وقواعدهم الفقهية كي ينالوا رغباتهم وشهواتهم ، ومن ثم تنتقل هذه الصورة عبر الفضائيات لعقول متابعي ومشاهدي المسلسل – خاصة إذا ما أخذنا في عين الاعتبار أن مشاهدي المسلسل هم في الاغلب من المجتمعات العربية والإسلامية والأغلب منهم لايمتلك رصيد كافي عن المعتقدات الدينية الشيعية ، بالإضافة أن البعض يحمل معتقدات مغلوطة عن المذهب الشيعي فيكون المسلسل سبباً في ترسيخ الصورة السيئة عن التشيع ويدخلنا مجدداً في مستنقع الشحن الطائفي الذي نعاني منه ويلاته وتبعاته .
• هل مسلسل الخطايا آخر الممنوعات ؟
هناك خلط بين المفاهيم والعناوين فيما يتعلق بهذا الجانب فالبعض قارن بين مسلسل ( الطريق إلى كابل ) و( للخطايا ثمن) وهي مغالطة كبيرة كون المسلسل الأول عرض بعد تشويه صورة الإسلام والمسلمين بعد أحداث سبتمبر ، وكان له تبعاته السياسية والأخلاقية والدينية و الاجتماعية والتي لازلنا نتكبدها حتى يومنا هذا ، كما أن المسلسل تناول فكراً وتياراً خطيراً كان يستشري في الأمة الإسلامية وصورنا لدى الغرب في أبشع صورة تحت مسمى الإرهاب والإرهابيين .
أما مسلسل ( للخطايا ثمن ) فيسلط الضوء على ظاهرة اجتماعية معينة – قد توجد في هذا الجانب أو ذاك ولكن ليس بالمستوى الذي صوره المسلسل عبر فبركة العمل الدرامي وحشو السيناريو بأكاذيب وصور غير حقيقية يقصد فيها إضافة هالة وإثارة قوية وهو أسلوب يتهجه الفنانون وكاتبو السيناريو كي يجتذبوا أكبر عدد من المشاهدين والمتابعين لأعمالهم الفنية لكن على حساب وتشويه معتقدات طائفة برمتها ، ولعل أولى الدلائل على ذلك هو : توظيف عنونة المسلسل وإدراجه ضمن دائرة الخطايا !! .
أما عن جانب المنع والحظر فهو حق مشروع تنتهجه الحكومات والهيئات والمنظمات في مختلف أنحاء العالم والدليل على ذلك ماحدث في الولايات المتحدة التي منعت عرض أفلام عديدة تسيء لأمريكا وحليفتها إسرائيل وهذا ينطبق على مسلسل ( فارس بلا جواد ) وغيره من المسلسلات التي أثيرت حولها ضجة إعلامية كبيرة .
وإذا كان البعض يستشهد بمسلسلات تعالج قضايا قائمة وتمس واقعنا المعاش فهناك أعمال فنية ومسرحية تطرقت لجوانب تاريخية تم منعها مثل : مسرحية ( الحسين شهيداً ) في مصر ، و فلم ( موكب الإباء ) وهي أعمال تستعرض حادثة الإمام الحسين وأهل بيته في كربلاء .
• لماذا الكويت دون غيرها ؟
لعل البعض يتساءل لماذا بدأت الحملة من الكويت ؟ والجواب على هذا السؤال سهل وواضح : فالمجتمع الكويتي مجتمع يتكون من نسيج دمغرافي سني شيعي تحكمه رابطة العيش المشترك المتجانس منذ عقود من الزمن ، ولذلك كان إنتاج مثل هذه الأعمال مثير للقلاقل والنعرات المذهبية بتعرضها لمعتقدات طائفة تمثل شريحة كبرى من المجتمع الكويتي إذا ماأخذنا في عين الاعتبار أن المسلسل جاء بأداء وإنتاج كويتي 100 % .
ولايمكن أن يعبر عن الضجة الإعلامية التي أثيرت حول المسلسل بأنها تشنجاً لمعتقد بقدر عن مايعبر عن حرية في الرأي وفق قناعات شخصية وهذا مافعله أخواننا في الكويت فلجئوا إلى مجلس الأمة ووزير الإعلام كي تقوم لجنة محايدة بإعادة النظر في تقييم المسلسل مرة أخرى -بالرغم من عرضه على هيئة رقابية فنية سابقة التي ولم تستطع أن تفرق بين التدليس والنقد في المادة الفنية المبني على المحايدة الكاملة فانطوت عليهم الحيلة ومرر من تحت بساطها تصريح توزيع المسلسل.
حينها قررت النيابة العامة استدعاء منتجي المسلسل وأمرت بتشكيل لجنة تقييم ودراسة للنصوص الأخلاقية التي تضمنتها مشاهد المسلسل ، ثم وصلت القضية لأعلى سلطة في الدولة وهو أمير الكويت وبناء على توصيات اللجنة التي شكلتها قررت الحكومة الكويتية منع عرض المسلسل لأنها درست القضية من جميع أبعادها ونتائجها المحتملة خاصة على وضعها الداخلي و دول الجوار وأخذت في عين الاعتبار الوضع المتشنج الذي تعيشه الأمة في ظل هذه الصراعات والنعرات الطائفية التي يحاول البعض تأجيجها بين المسلمين خاصة في عراقنا الجريح ، وهي نقطة تضاف لصالح الحكومة الكويتية .
إن قرار أمير الكويت منع عرض المسلسل دلالة على حنكة سياسية ، فأمير الكويت ثَمن الخطايا بثمن بخس ولم يُرد أن يدخله في مراهنة خاسرة لاربح منها .