الوطن السعودية والسياسة الكويتية تحاوران نزار حيدر
الأميركيون قدموا الذرائع للإرهابيين
ليس من حق أحد أن يجبر العراقيين على إختيار طريقة ما، تحت حد السيف وبالقتل والتدمير ونشر الرعب والخوف
للمسلحين هدف واحد فقط لا غير، ألا وهو عرقلة تقدم العملية السياسية برمتها في العراق الجديد .
إنهم يحاولون الفصل بين الوطن الذي يبنى اليوم من جديد، والمواطن الذي يسعى للمشاركة في بناء هذا الوطن الذي لا زال
ينزف دما منذ قرابة نصف قرن .
المسلحون لا يمتلكون مشروعا للتحرير أو خطة وطنية لمقاومة الاحتلال .
ما زاد في الطين بلة، عندما اكتشف العراقيون بأن من يدعي أنه جاء الى عاصمتهم لتحريرهم من الاستبداد والديكتاتورية، ومن ثم مساعدتهم على بناء نظام ديمقراطي جديد، ينعم فيه المواطن بخيرات بلاده، إن هذا المحرر، سرق قوتهم وفرص العمل ونفطهم والأموال التي قدمها له المانحون .
إن الذرائع التي قدمها الأميركيون على طبق من ذهب، مكنت الارهابيين من توظيف الظروف الملائمة التي صنعتها لهم هذه الذرائع، لتعبئة المغفلين ممن غسل المسلحون أدمغتهم، كما ساعدتهم على تحقيق نجاحات هنا وهناك، ما كان باستطاعتهم أن يحققوا شيئا منها، لو كان الأميركيون قد تعاملوا بعقل وحكمة كبيرين .
لقد اتفق العراقيون على تسمية ما شهده العراق في التاسع من نيسان من العام الماضي، بالاحتلال، فهذا هو الواقع، وهي الحقيقة، إلا أنهم، في نفس الوقت إختلفوا في طريقة التعامل مع الاحتلال، وكيفية إنهائه وتحرير البلاد من ربقته وتداعياته .
بينما رأى بعض العراقيين أن الكفاح السياسي هو الطريق الأسلم والأسلوب الأفضل لانهاء الاحتلال، لازالت هناك فرصة لتبني هذا الخيار، إستعجل آخرون وحملوا السلاح معلنين عن خيارهم المسلح كأسلوب لمقاومة المحتل، وبمرور الزمن إنزلق المستعجلون في طريق العنف الذي إنتهى بهم الى ممارسة الارهاب والقتل العشوائي للمواطنين الأبرياء، والسبب في ذلك برأيي، هو أنهم لم يكونوا سليمين في نواياهم، وأنهم لم يحسبوا الأمور بمقياس وطني صحيح وسليم، وإنما كانت منطلقاتهم ضيقة ومريضة، إما قومية عنصرية أو طائفية مقيتة أو مصلحية أنانية .
أن أي تأجيل لموعد الانتخابات، سيؤلب الشارع العراقي على أميركا، في الوقت الذي تبذل فيه جهدها لتهدئة المناطق الساخنة، وهي تعرف قبل غيرها أن التأجيل يعني، أولا وأخيرا، إنتصار مجموعات العنف والارهاب، التي يهمها جدا أن تتعرقل العملية السياسية برمتها .
إن ما يهم واشنطن في هذه المرحلة على وجه التحديد، هو أن لا تنتج عن الانتخابات العامة القادمة، مفاجآت غير محسوبة تطيح، مثلا، بأصدقائها وتأتي بمن لا ترغب برؤيتهم على المسرح السياسي، ولذلك فهي الآن تبذل جهودها لأنتاج مجلس وطني لا يختلف كثيرا بتركيبته عن تركيبة الحكومة الحالية مثلا، لا من ناحية النوع ولا من ناحية الكيف.
إن مشاركة المواطن العراقي في العملية الانتخابية القادمة، حق طبيعي، يرقى في هذه الظروف إلى الواجب، وإن مكان تواجد المواطن العراقي لا يسقط هذا الحق بأي شكل من الأشكال، فالمشاركة حق له كمواطن، بغض النظر عن محل إقامته، إذ لا يجوز التذرع بمثل هذه الحجج لاسقاط حقه، أو الحيلولة دون ممارسته لهذا الحق .
لقد عاد الكثير من العراقيين إلى وطنهم بعد زوال النظام الشمولي البائد، وهم مشغولون، بحمد الله، في إعادة بناء العراق، كل حسب كفاءته وقدراته وخبراته وقابلياته، فيما عاد الكثير منهم ليعيشوا حياتهم على الأرض التي ولدوا وتربوا وترعرعوا بها وعليها، بعد أن أجبروا على تركها قسرا وبالاكراه .
ليس في العراق طائفية دينية، وإنما هناك طائفية سياسية، توارثتها الأنظمة والحكومات بتعاقب الزمن .
ما يجري اليوم في العراق، هو أن ثلة من الطائفيين والعنصريين، لا يريدون أن يقتنعوا بأن زمن الطائفية السياسية قد ولى وانتهى، ولذلك فهم يحاولون بكل الطرق إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، وهذا أمر مستحيل، لأنه ليس في مصلحة العراقيين، كما أنه لا يخدم أمن واستقرار المنطقة والعالم أبدا .
عن الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في العراق بداية العام القادم، وهدف المسلحين الذين يواصلون أعمالهم الارهابية في عدد من مناطق العراق، والدور الذي يجب أن يضطلع به العراقيون في بلاد الهجرة، في عملية إعادة بناء بلدهم، أجرى الاستاذ محمد عبد الله الاسلمي من العاصمة السعودية الرياض، حوارا صحفيا لجريدتي الوطن السعودية والسياسة الكويتية، مع نــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن .
أدناه، نص الحوار:
السؤال الأول :
برأيك، ماذا يريد المسلحون، بالضبط، بعد زيادة عملياتهم العسكرية ؟ .
الجواب :
للمسلحين هدف واحد فقط لا غير، ألا وهوعرقلة تقدم العملية السياسية برمتها في العراق الجديد .
وإذا أخذنا بنظرالاعتبار، الحقيقة التي تقول بأن ضحاياهم من المواطنين الأبرياء العزل، بمن فيهم النساء والأطفال، لتأكدنا من أنهم يحاولون إرهاب الناس وإرعابهم حتى لا يفكروا بالوقوف، يوما ما، أمام صندوق الاقتراع للمشاركة في بناء العراق الجديد، فهم يحاولون الفصل بين الوطن الذي يبنى اليوم من جديد، والمواطن الذي يسعى للمشاركة في بناء هذا الوطن الذي لا زال ينزف دما منذ قرابة نصف قرن .
إنهم يوحون للمغفلين والسذج من الناس زخرف القول، عندما يعتبرون، مثلا، أن مشاركة المواطن بالانتخابات، هو دعم للاحتلال، أو أن إجبار بعض المناطق على عدم المشاركة في الانتخابات، أو مقاطعتها، يعني التهديد بتقسيم العراق، كما أوحوا من قبل إلى أن تطوع المواطن في صفوف القوات المسلحة الجديدة، من الحرس الوطني أو الشرطة أو حرس الحدود، يساهم في إستمرار الاحتلال .
إن مثل هذا النوع من التفكير، دليل قاطع وواضح على أن المسلحين لا يمتلكون مشروعا للتحرير أو خطة وطنية لمقاومة الاحتلال، وإنهم لا يحملون في رؤوسهم إلا موالا واحدا، ألا وهو بذل كل الجهد لتدمير الحلم العراقي الجديد، فبالقتل يريدون عرقلة تقدم العملية السياسية، وبسياسة زرع الموت و ذبح الأطفال، يريدون إرعاب الناس وإرهابهم، حتى لا يفكروا بالمشاركة في الحياة السياسية وبالتالي، إفشال مهمة الحكومة الانتقالية المؤقتة، التي تشكلت على أساس أنها مسؤولة عن تصريف الأعمال الى جانب سعيها الحثيث لاجراء الانتخابات وتسليم السلطة إلى من سينتخبه العراقيون .
السؤال الثاني :
هل ترى أن القوات الأميركية أكثر جرما منهم ؟.
الجواب :
ليس السؤال عمن هو أكثر إجراما من الآخر، فضحايا كلا الطرفين، وللأسف الشديد، هم العراقيون الأبرياء، وياليتهما تقابلا وتقاتلا وجها لوجه، ليسلم من بينهما المواطن العراقي الأعزل المشغول بنفسه وأهله، باحثا عن الأمن المفقود ولقمة العيش المضمخة بالدم والعمل الضائع في زحمة موجة العنف والارهاب .
يدعي المسلحون بأنهم يقاومون الاحتلال، إلا أن الضحية دائما وأبدا، هو المواطن العراقي، فأية مقاومة هذه التي تعلن مسؤوليتها عن قتل الأطفال والنساء ؟ وأية مقاومة تلك التي تخطئ أهدافها باستمرار فلا تصيب إلا المواطن الأعزل ؟
هذا إذا افترضنا جدلا بأنها لا تستهدف الأبرياء مع سبق الاصرار.
القوات الأميركية من جانبها، تورطت كذلك بدماء الأبرياء، ففي كل مرة تشن فيها هجوما على المسلحين في منطقة من مناطق العراق المضطربة، يكون عدد الضحايا من الأبرياء أضعاف ما يقتل من المسلحين، فأية قوات تحرير هذه التي تصيب بنيرانها الأبرياء والعزل، وهي تستهدف المسلحين كما تقول ؟.
لقد قدم الأميركيون الذرائع للارهابيين والمسلحين، بل، وحتى لمن إختار السلاح كوسيلة لمقاومة الاحتلال .
إنهم قدموا لهم الذرائع عندما شرعنوا الاحتلال في قرار دولي صدر عن مجلس الأمن الدولي بعيد سقوط النظام الشمولي البائد مباشرة، ثم قدموا الذرائع، عندما حلوا الجيش العراقي ورفضوا صرف رواتب المنتسبين اليه وإلى بقية مؤسسات الدولة التي إنهارت .
وقدموا الذرائع، عندما تركوا الحدود مفتوحة أمام تسلل مجموعات العنف والارهاب وعندما تركوا، وأحيانا ساعدوا، اللصوص على سرقة المرافق العامة كالبنوك والمتاحف وغيرها .
وقدموا الذرائع، عندما أخروا وسوفوا في عملية إعادة بناء العراق الذي دمرته سياسات النظام البائد وحرب إزاحته عن السلطة .
وما زاد في الطين بلة، عندما اكتشف العراقيون بأن من يدعي أنه جاء الى عاصمتهم لتحريرهم من الاستبداد والديكتاتورية، ومن ثم مساعدتهم على بناء نظام ديمقراطي جديد، ينعم فيه المواطن بخيرات بلاده، إن هذا المحرر سرق قوتهم وفرص العمل ونفطهم والأموال التي قدمها له المانحون .
وواصل الأميركيون تقديم الذرائع، عندما أميط اللثام عن فضائح سجن أبو غريب، وتجاوزهم واعتداءهم على مقدسات الناس وحرمات بيوتهم وإنتهاك أعراضهم، وعندما فرضوا على العراقيين قانون إدارة الدولة سئ الصيت، وعندما راحوا يخططون لاعادة تأهيل البعثيين في الحياة العامة الجديدة، وعندما إكتشف العراقيون أن ما سمي بنقل السلطة في حزيران الماضي، لم يكن سوى خدعة كبيرة، وكذبة لا تغتفر، تشبه إلى حد بعيد خدعة أسلحة الدمار الشامل التي تذرعت بها الولايات المتحدة لشن الحرب في العراق، فلقد إكتشف العراقيون، أن السفارة الأميركية في بغداد هي الآمر الناهي في العراق، حتى ميزانية الحكومة ووزاراتها وأجهزتها الأمنية، لا تصرف قبل أن تصادق عليها السفارة، وليست وزارة التخطيط أو المالية أو حتى مجلس الوزراء .
إن هذه الذرائع وغيرها الكثير جدا، والتي قدمها الأميركيون على طبق من ذهب، مكنت الارهابيين من توظيف الظروف الملائمة التي صنعتها لهم هذه الذرائع، لتعبئة المغفلين ممن غسل المسلحون أدمغتهم، كما ساعدتهم على تحقيق نجاحات هنا وهناك، ما كان باستطاعتهم أن يحققوا شيئا منها، لو كان الأميركيون قد تعاملوا بعقل وحكمة كبيرين .
ولكن، هل تعطي هذه الذرائع الحق للمسلحين لممارسة لعبة القتل والموت والدمار، فيذبحوا الأبرياء تحت مسمى المقاومة، ويفجروا السيارات المفخخة ويطلقوا الصواريخ والقذائف على الناس الأبرياء وبشكل عشوائي، تحت مسمى الجهاد ؟، بالتأكيد لا، إذ لا يطاع الله من حيث يعصى، كما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله ـ ص ـ لأن الغاية لا تبرر الوسيلة، لا في معيار الاسلام، ولا في المعيار الوطني أبدا .
السؤال الثالث :
كيف ترى تقبل العراقيين، لوجود قوات أميركية على أرضهم ؟.
الجواب :
لا أحد يقبل بالاحتلال لأرضه وبلده أبدا، مهما إختلفت الأسماء والمسميات، ومهما حاول المحتل أن يقدم من مبررات وحجج لاقناع الناس بأنه جاء الى أرضهم كمحرر وليس كمحتل .
لقد اتفق العراقيون على تسمية ما شهده العراق في التاسع من نيسان من العام الماضي، بالاحتلال، فهذا هو الواقع، وهي الحقيقة، إلا أنهم، في نفس الوقت إختلفوا في طريقة التعامل مع الاحتلال، وكيفية إنهائه وتحرير البلاد من ربقته وتداعياته .
فبينما رأى بعضهم أن الكفاح السياسي هو الطريق الأسلم والأسلوب الأفضل لانهاء الاحتلال، لا زالت هناك فرصة لتبني هذا الخيار، إستعجل آخرون وحملوا السلاح معلنين عن خيارهم المسلح كأسلوب لمقاومة المحتل، وبمرور الزمن إنزلق المستعجلون في طريق العنف الذي إنتهى بهم الى ممارسة الارهاب والقتل العشوائي للمواطنين الأبرياء، والسبب في ذلك برأيي، هو أنهم لم يكونوا سليمين في نواياهم، وأنهم لم يحسبوا الأمور بمقياس وطني صحيح وسليم، وإنما كانت منطلقاتهم ضيقة ومريضة، إما قومية عنصرية أو طائفية مقيتة أو مصلحية أنانية، كونهم فقدوا إمتيازاتهم التي كانوا يتمتعون بها زمن النظام الشمولي البائد . الفريق الأول، وهم الأغلبية المطلقة من الشعب العراقي، يعتقد، مثلا، أن المشاركة في العملية السياسية الجديدة، التي بدأت لحظة سقوط النظام الشمولي، تساهم في تقليص عمر الاحتلال، وأن الالتزام بالجدول الزمني المتفق عليه لتقدم العملية السياسية، سيسرع من وتيرة زوال الاحتلال وتساعد على إسقاط الذرائع
التي يتشبث بها للمكوث في العراق أطول مدة ممكنة، وهكذا، إذ في تصور هذا الفريق أن أي نجاح يحققه العراقيون، وأي دليل يسوقونه لاثبات قدرتهم وكفاءتهم وجدارتهم في إدارة البلد على الأسس الصحيحة والسليمة، سيساعد العراقيين على إنهاء الاحتلال ومن ثم رحيل قواته عن أرض العراق الحبيبة والطاهرة، وإن جاءت كل هذه الخطوات العراقية في ظل الاحتلال الذي هو الآن أمر واقع لا مفر منه، فبالعمل السياسي الايجابي يمكن إنهاءه وليس بالمقاطعة أو بالتفرج على ما يجري .
أما الفريق الثاني الذي إستعجل الأمور فتورط في دوامة العنف والارهاب، وهم الأقلية، فعلى العكس من ذلك، إذ يرى بأن أية مشاركة سياسية في ظل الاحتلال تمنحه شرعية إضافية، ولذلك لا يجوز التورط بها، ومن أجل أن يظفوا الشرعية الدينية على قناعاتهم، وظفوا نصوص القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة، لخدمة أهدافهم وقناعاتهم .
ولم يكتفوا بكل ذلك، بل تطرفوا أكثر ليصدروا فتاوى أباحوا فيها دم من يساهم في العملية السياسية، قبل أن يرحل الاحتلال عن أرض العراق، فعندهم، مثلا، أن قتل الشرطي حلال، لأنه يساهم في تمديد أمد الاحتلال، كما أن زرع السيارات المفخخة في الأماكن العامة المزدحمة بالناس، يساهم في رحيل الاحتلال، لأن ذلك يزيد من نقمة الناس عليه، وبالتالي يحرك المشاعر الوطنية ضده، ما يضطره لترك العراق، وهكذا، ومن الواضح جدا فإن مثل هذا المنطق مرفوض دينيا ووطنيا، بل وحتى إنسانيا، جملة وتفصيلا، إذ لا يطلب الحق بالجور، كما يقول الامام علي بن أبي طالب.
من هنا يتضح لنا بأنه لا أحد في العراق يقبل بوجود قوات أجنبية غازية ومحتلة على أرضه وفي بلده، إلا أن نقطة الخلاف تنحصر في طريقة إخراجها ؟ ومتى ؟ وهذا هو السؤال المهم، إذ ليس كل العراقيين يعتقدون بوجوب رحيل القوات الأجنبية عن العراق فورا، ولذلك، فليس من حق أحد أن يجبر العراقيين على إختيار طريقة ما، تحت حد السيف وبالقتل والتدمير ونشر الرعب والخوف .
أما الذين إختاروا طريق المقاومة السياسية السلبية، أي طريق المقاطعة للعملية السياسية التي تجري حاليا في ظل الاحتلال، من دون أن يتورطوا بدماء الأبرياء، فرأيهم محترم وتصورهم للامور يمكن فهمه وإستيعابه، وهو يدخل في إطار الاختلاف والتعدد في وجهات النظر، إذ ليس بإمكان أحد الآن، أن يجزم بصحة أو خطأ أي من الاجتهادات السياسية، لا زالت الأمور لم تتضح، والصورة لم تكتمل بعد .
السؤال الرابع :
هل ترى أن تأخير الانتخابات هو ما تريده أميركا لاستمرار تواجدها في العراق ؟.
الجواب :
لا اعتقد ذلك، لعدة أسباب :
السبب الأول: هو أن من مصلحتها أن تتقدم العملية السياسية الجديدة في العراق، حسب الجدول الزمني المتفق عليه، للتخفيف من الضغوطات السياسية الدولية والاقليمية التي تتعرض لها، والتي تزداد يوما بعد آخر .
السبب الثاني: هو أن الولايات المتحدة الأميركية، لا تريد أن تبدو كاذبة ومراوغة الى هذا الحد، سواء في نظر العراقيين أو غيرهم، فهي عندما لا تلتزم بجدول زمني إتفقت ووقعت عليه، ثم أدرج في قرار دولي صدر عن مجلس الأمن الدولي ، يذكره ويتذكره ويذكر به أركان الادارة الأميركية في كل يوم، فهذا يعني أنها تحفر حفرة لنفسها، ستقع فيها إن عاجلا أم آجلا، ولا اعتقد أنها تفكر بهذه الطريقة السيئة .
لقد بذلت الولايات المتحدة جهدا كبيرا لاقناع العراقيين والعالم، على أنها جادة في مساعدة العراقيين على إقامة نظام ديمقراطي بديل عن النظام الشمولي البائد، وأنها غير طامعة بالبترول العراقي، وهي إنما ذهبت إلى حرب العراق لانقاذ العراقيين من ورطتهم مع الديكتاتورية، وأنها ستترك العراق في أول فرصة تسنح لها بذلك ،وهي لم تبق عسكريا، حتى لحظة واحدة أكثر من اللازم، ولذلك وقعت مع العراقيين على الجدول الزمني لتقدم العملية السياسية، وأصرت على إدراجه في القرار الدولي، من أجل أن تثبت حسن نواياها للعراقيين والعالم، فهل يعقل أن تتخلى عما إتفقت عليه لتذهب كل جهودها هواءا في شبك ؟ إلا أن تكون تلعب بالنار لحاجة في نفس يعقوب يريد قضاها .
السبب الثالث: هو أنها جربت مدى صعوبة التلاعب بمثل هذه الاسس الاستراتيجية لبناء العملية الديمقراطية في العراق الجديد، وكلنا يتذكر كيف أن الولايات المتحدة بذلت جهدا كبيرا جدا من أجل تأجيل الانتخابات العامة الى بداية العام القادم، ولذلك أعتقد أن من الصعب جدا عليها أن تجازف مرة أخرى لتتلاعب بالموعد، خاصة، وهذا هو الأهم، أن أي تأجيل لموعد الانتخابات، سيؤلب الشارع العراقي عليها، في الوقت الذي تبذل فيه جهدها لتهدئة المناطق الساخنة، وهي تعرف قبل غيرها أن التأجيل يعني، أولا وأخيرا، إنتصار مجموعات العنف والارهاب، التي يهمها جدا أن تتعرقل العملية السياسية برمتها .
نعم، إن ما يهم واشنطن في هذه المرحلة على وجه التحديد، هو أن لا تنتج عن الانتخابات العامة القادمة، مفاجآت غير محسوبة تطيح، مثلا، بأصدقائها وتأتي بمن لا ترغب برؤيتهم على المسرح السياسي، ولذلك فهي الآن تبذل جهودها لأنتاج مجلس وطني لا يختلف كثيرا بتركيبته عن تركيبة الحكومة الحالية مثلا، لا من ناحية النوع ولا من ناحية الكيف، وإذا كان هناك في الادارة الأميركية من لا يحبذ الالتزام بموعد الانتخابات، فإنه لا يعبر عن الموقف الرسمي العام الذي أعلن عنه الرئيس بوش مرارا وتكرارا، وهو يستند، في حقيقة الأمر، إلى قراءات خاطئة، لا أعتقد أن أحدا في واشنطن سيأخذ بها .
السؤال الخامس :
هل تؤيد فكرة مشاركة العراقيين بالخارج، في العملية الانتخابية ؟ وكيف ؟.
الجواب :
إن مشاركة المواطن العراقي في العملية الانتخابية القادمة، حق طبيعي، يرقى في هذه الظروف إلى الواجب، وإن مكان تواجد المواطن العراقي لا يسقط هذا الحق بأي شكل من الأشكال، فالمشاركة حق له كمواطن، بغض النظرعن محل إقامته، إذ لا يجوز التذرع بمثل هذه الحجج لاسقاط حقه، أو الحيلولة دون ممارسته لهذا الحق .
وكما نعرف، فإن الاحصاءات تتحدث عن ملايين العراقيين المنتشرين في الاتجاهات الأربعة من الكرة الأرضية، بسبب السياسات التدميرية التي كان ينتهجها النظام الاستبدادي الديكتاتوري الشمولي البائد، وهو عدد كبير جدا يعادل عدد شعوب بلدان بأكملها، فكيف يجوز أن نتغافل عن هذا العدد من العراقيين، في عملية سياسية، هي الأهم في تاريخ العراق الحديث ؟.
يلزم إذن أن تمنح الفرصة لكل عراقي، أينما كان، للمشاركة في الانتخابات العامة القادمة، إلا إذا رفض هو بنفسه، المشاركة فيها، فذلك أمر آخر، إذ لا يحق لأحد أن يجبر مواطنا على الادلاء بصوته، فإن ذلك خلاف أصول الحرية والارادة وقيم الديمقراطية .
وفي زمن العولمة والتكنلوجيا التي حولت العالم إلى قرية صغيرة، فقصرت المسافات وسرعت من وتيرة التنفيذ والانجاز، فإن الطرق الفنية الممكنة التي تتيح للعراقيين في بلاد المهجر، المشاركة في العملية الانتخابية القادمة كثيرة وعديدة، منها الاقتراع عن طريق شبكة الاتصال الدولية ـ الانترنيت ـ بعد أن يمنح كل عراقي رمزا للمرور، لاثبات شخصيته الحقيقية والحقوقية، أو من خلال الحضور الى السفارات والقنصليات العراقية التي فتحت أبوابها في العديد من دول العالم، أو من خلال توكيل من يثق به في داخل العراق، أو أية طريقة ميسورة أخرى .
أعتقد أن مهمة البحث في أفضل وأيسر وأأمن الطرق، تقع على عاتق وزارة التخطيط التي من مهامها الأساسية، هو إحصاء عدد العراقيين في بلاد المهجر، كما أن وزارة المهجرين والمهاجرين هي الأخرى ،عليها أن تتحمل مسؤوليتها بهذا الصدد، على إعتبار أنها إستحدثت لتكون مسؤولة بشكل مباشر عن شؤون العراقيين في بلاد المهجر، وأن توفير الظروف المناسبة والمناخ الملائم لمشاركتهم في الانتخابات العامة القادمة، من أولى هذه الشؤون إذ تقف على رأس قمة الهرم .
السؤال السادس :
لماذا لا يعود أبناء العراق لوطنهم، بعد أن زال النظام السابق الذي هربوا منه ؟ ليساهموا في إعادة بناء بلدهم ؟.
الجواب :
بلا، فلقد عاد الكثير منهم إلى وطنهم بعد زوال النظام الشمولي البائد، وهم مشغولون، بحمد الله، في إعادة بناء العراق، كل حسب كفاءته وقدراته وخبراته وقابلياته، فيما عاد الكثير منهم ليعيشوا حياتهم على الأرض التي ولدوا وتربوا وترعرعوا بها وعليها، بعد أن أجبروا على تركها قسرا وبالاكراه .
أما الذين لا زالوا في خارج العراق، فهناك، حسب علمي، عدة معوقات تحول دون عودتهم، فقسم منهم لا يمتلك الوثيقة الرسمية التي تسمح لهم بالسفر الى العراق ، كما أن قسم منهم يسعى لتصفية إرتباطاته القانونية والاقتصادية والمالية مع البلد المظيف، قبل أن يعود نهائيا إلى بلده .
لقد وعدت وزارة المهجرين والمهاجرين، بالعمل على تهيئة الظروف المناسبة للعراقيين في بلاد المهجر، للعودة إلى بلادهم، خاصة أصحاب الكفاءات ممن ينتظر بفارغ الصبر العودة إلى وطنه لخدمته من خلال وضع كل خبراته وكفاءاته وإمكانياته ، في خدمة البلد وأهله، وفيهم من الكفاءات ما لا يجوز أبدا التفريط بها أو إهمالها .
إن الاستعداد للعودة موجود عندهم، كما أن الحماس والاندفاع للمشاركة في عملية إعادة إعمار العراق، موجود هو الآخر، يبقى أن تبادر الوزارات المعنية لتهيئة الظروف المناسبة لعودة هذه الكفاءات .
طبعا، ينبغي هنا أن لا ننسى الظروف الأمنية المتدهورة، والتي تعرقل عودة الكثير منهم، آملين أن يشهد العراق تحسنا أمنيا ملحوظا ليبدأ العراقيون ببناء بلدهم بشكل أكثر جدية وفاعلية .
أما الظروف السياسية، فهي الأخرى عائقا لعودة بعض العراقيين إلى بلادهم، فعندما تخيم المحاصصة على التعيين والتوظيف والعقود، وعلى كل شئ، يكون من الصعب جدا على العراقي خارج مدارات المحاصصة، أن يجد له مجالا أو طريقا ينفذ منه للوصول إلى النقطة التي يراها مناسبة بالنسبة له، للبدء بمشواره للمشاركة في بناء العراق الجديد .
أخيرا، فإن للفساد الاداري المستشري كالارضة في هيكل الدولة العراقية الجديدة ، دور سلبي يحول دون عودة الكفاءات العراقية، على وجه التحديد، إلى العراق .
السؤال السابع :
الطائفية في العراق، هل تنبئ عن الدخول في دوامة جديدة من العنف ؟ وكيف تتم معالجتها ؟ أو تقريب وجهات النظر بينها ؟.
الجواب :
ليس في العراق طائفية دينية، وإنما هناك طائفية سياسية، توارثتها الأنظمة والحكومات بتعاقب الزمن .
فالعراقيون يفخرون باحتظانهم لكل الأديان السماوية والمذاهب الاسلامية، بل وحتى التنوع في الانتماء القومي، لأن التعددية، من وجهة نظرهم مصدر قوة، وهي إنما خلقت للتعايش وليس للاحتراب، ولذلك، لم يشهد العراق، وفي كل تاريخه القديم والحديث، حروبا قومية أو دينية أو حتى طائفية، إنما الذي شهده العراق، هو سعي الأنظمة المتعاقبة للتعامل على أساسين شوفينيين، طائفي مع الأغلبية الشيعية، وعنصري مع الاقليات القومية كالأكراد والتركمان والآشوريين وغيرهم، من خلال التعامل مع كل هؤلاء كمواطنين من الدرجة الثانية، فأقصوا عن السلطة التي إحتكرتها ثلة صغيرة من الساسة وحرمت على الأغلبية العراقية المطلقة، إما بسبب إنتمائهم المذهبي أو بسبب إنتمائهم القومي .
ما يجري اليوم في العراق، هو أن ثلة من الطائفيين والعنصريين، لا يريدون أن يقتنعوا بأن زمن الطائفية السياسية قد ولى وانتهى، ولذلك فهم يحاولون بكل الطرق إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، وهذا أمر مستحيل، لأنه ليس في مصلحة العراقيين، كما أنه لا يخدم أمن واستقرار المنطقة والعالم أبدا .
لقد حاولت هذه الحفنة أن تجر العراقيين إلى الفتن الطائفية والعنصرية، فلقد قرأنا رسائلهم ورأينا أعمالهم الوحشية، إلا أن العراقيين، بعلمائهم ومؤسساتهم الدينية وقادتهم ورموزهم، أفشلوا خططهم بالوعي والحكمة وسعة الصدر، فعضوا على الجراح، وتحملوا التضحيات، لافشال خطط الارهابيين وعدم الانجرار وراءها وهذا ما كان .
السؤال الثامن :
هل أنت عضو في أي حزب عراقي حاليا ؟ وما هو ؟.
الجواب :
حاليا، لست عضوا في أي حزب عراقي .
في نهاية الحوار، أشكر الاستاذ الاسلمي، لاتاحته لي هذه الفرصة الكريمة، لأتحدث، من
خلاله إلى القراء الكرام، متمنيا للجميع التوفيق والسداد.