متى تصبح مدارسنا ديمقراطية ؟

مفيد صالح *

 

ليست الديمقراطية قفزة مــن فـــراغ باتجاه شكـــل سياسي مستنسخ لكنها قبل ذلك وفي جوهر نظريتها وممارستها مسيرة إنسانية , ذات طابع حضاري من أدنى المستويات الاجتماعية حتى قمتها , ومن ثم تأتي تجلياتها السياسية نوعا من التكريم لمجتمعات تحسن الاختيار وتتحمل مسؤولياته , وبغير هذا يصبح القفز السياسي نوعا من المجازفة يصعب تدارك عواقبه السابقة .

أن الديمقراطية اجتهاد بشري رفيع المقام ليتسق مع سمو الإنسان وحقه في حرية الاختيار المبني على حسن ورقي وتقدير , إذ إن ثقافة الديمقراطية على مستوى الأبجدية والأساسيات , تعني التفكير والممارسة في حياتنا اليومية المعيشية , وتعني جوهر الثقافة المنتجة للديمقراطية، والثقافة المعنية في هذا الإطار ليست ثقافة منتجة ذات الطابع الفكري , بل هي ثقافة بمعناها الشامل والمتجذر في الممارسات الإنسانية والسلوك البشري داخل التكوينات المجتمعة المختلفة في البيت أو المدرسة أو مؤسسات العمل المختلفة .
إن التربة التي تحتضن البذور , هي التربية وهي التي تضمن إنباتها وسموها , وتتمثل في العلاقات بين البيت والمدرسة وعلاقة الأب بأبنائه والزوج بزوجته , والمدرس بتلاميذه , وهذه هي المدارس الأولى التي تقدم التربية الديمقراطية نحو شرف الحرية ومسؤولية الاختيار وتنقيتها من الخطاب التسلطي وانساق الاستبداد .

لنبدأ بما يمكن أن يستقطب أجماعا كبيرا الى حد ما , أي المدرسة , خاصة في المراحل الأولى في التعليم , إذ إن الغرب رفعوا شعارا منذ البداية هو (التربية من اجل التفكير ) وحققوا تطورا مذهلا في تعليم الفلسفة للأطفال عن طريق قراءة القصص ومناقشتها جماعيا ,وعلى أساس ذلك تتبلور المفاهيم المراد إيصالها للتلميذ .

وفي جانب أخر جعلوا الثقافة تقصيا وتحريضا للتلميذ على التفكير بحكمة وعقلانية , أما المعلم فانه يفترض أن لا يكون معصوما عن الخطأ , ومستعدا للتسليم بالخطأ وليس أن يمارس الحزم السلطوي فتربية النشء عملية تقص وانطلاق الى الأمام دائما عبر الحوار المنفتح لا المغلق , وهذا يعني بالضرورة عقلنة القوانين والمفاهيم والعلاقات كي يتجه المتعلم نحو الاستقلال الذاتي , بمعنى أن لا يردد التلاميذ كالببغاوات , مايقوله الآخرون أو يفكرون به.

إن غاية العملية التربوية هي إمكان تطوير وتعديل الحياة بطريقة أكثر حكمة , وان يتعلم التلميذ حرفة التفكير وتنظيم المعلومات , واكتساب اللغة من عناصر المنطق والقدرة على أداء العمليات المنطقية التي يفرضها التفكير الإبداعي والنقدي , وهذا يعلم الحصافة والديمقراطية وهو ضروري لمجتمعاتنا للوصول الى مجتمع ديمقراطي .

ونخلص القول إن التربية تسعى الى أعداد الطلبة ليعيشوا كأعضاء متسائلين في مجتمع متسائل , وعليها أن تكون بوصفها تربية مجتمع تقصي وتربية من اجل التقصي كذلك , وهذا يستدعي تحويل كل غرفة صف في المدرسة الى المجتمع تأملي وفضولي , وتطوير المدارس وجعله شريك مجيب لا متسلط وقامع , و توسيع الإطار إلى ساحة من رحابة التأمل والتفكير وحصافة الاختيار.

 إذن الديمقراطية هي انجاز في مدارسنا وبيوتنا وهي بداية بديهية لأي صعود ديمقراطي وهذا لن يأتي إلا بجهد ثقافي تلقيه النخبة المثقفة بكل اتجاهاتها، وثقافة الديمقراطية تحتاج الى تمهيد ثقافي على مستوى السلوكيات النابذة لكل أنواع التسلط والاستبداد, ابتداء من رياض الأطفال وحتى مؤسسة الزواج ومكاتب الأعمال والدراسة الجامعية فمتى تصبح مدارسنا ديمقراطية ؟

  • متى تنشأ اتحادات الطلبة ومجاميع النقابات في الجامعات والمدراس ؟

عموما أنا لست متشاءماً ، لكني لا أظن أن تطبق الديمقراطية في الحقل الدراسي طالما أن مبدأ الطائفية هو الحلقة الأقوى في الموضوع ، ولعل ما حصل مؤخراً من عملية اقصاء المعلمات الشيعيات من تدريس مواد الدين للمرحلة الابتدائية هو أكبر دليل على ضعف العمق التربوي والديموقراطي لدى مؤسسي التعليم . وما خفي كان أعظم .

القطيف - طالب دراسات عليه بجامعة الملك سعود
قسم الكيمياء الحيويه