... أموي منا أهل البيت
في زيارة عاشوراء ورد لعن بني أمية قاطبة ( ولعن الله بني أمية قاطبة )، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما المقصود ببني أمية قاطبة؟
هل تعني من كان قبل واقعة الطف وأثناءها وبعدها من بني أمية، أي من ولد ومن سيولد إلى يوم الدين؟
ظاهر العبارة يدل على هذا المعنى، خصوصا مع التوكيد بلفظ ( قاطبة )، وقد ذهب بالفعل البعض إلى هذا الرأي مبررين ذلك بأن الأئمة عليهم السلام يعلمون بتعليم الله أنه لا ينسل من بني أمية إلا من هو عدو للإمام الحسين بسبب تأثير عوامل البيئة والتربية، كما قال نوح عن قومه ﴿إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ (27) سورة نوح
ولكن المتأمل في الآيات القرآنية قد يخرج بفهم مختلف لمعنى هذا العموم، حيث يؤكد القرآن أن الانتماء لأحد ليس بالنسب، بل بالإتباع، بدليل قوله تعالى﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (68) سورة آل عمران. وقد نفى القرآن الكريم أن يكون ابن نوح من أهله لأن عمله لا يؤهله لذلك. ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ (46) سورة هود
كما أن حتمية ضلال كل من ينتمي بالنسب لأسرة ما لا يتناسب والعدل الإلهي، فالبيئة لا تأثير حتميا لها، وقد أكد على ذلك القرآن بمثالي ابن نوح وامرأة فرعون.
بل إن غرر الآيات القرآنية تربط مصير الإنسان بسعيه وعمله:
﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ (38) سورة النجم
﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ (39) سورة النجم
﴿فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (54) سورة يــس
ومن هنا فإن الأموية تنطبق على كل من اعتقدها واتبع ما تدعو إليه وإن لم يكن أمويا بالنسب، أما الأموي بالنسب الذي لا يعتنق الأفكار الأموية فهو ليس أمويا.
﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا﴾ (85) سورة النساء
وعن أمير المؤمنين أنه قال: ((إنما يجمع الناس الرضا والسخط، فمن رضي أمراً فقد دخل فيه، ومن سخطه فقد خرج منه))
وفي تفسير البرهان نقرأ الرواية التالية عن الإمام الصادق والتي تؤكد ذلك:
محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن مروك بن عبيد، عن رجل، عن أبي عبد الله ، قال: «لعن الله القدرية، لعن الله الخوارج، لعن الله المرجئة، لعن الله المرجئة».
قال: قلت: لعنت هؤلاء مرة مرة، و لعنت هؤلاء مرتين؟
قال: «إن هؤلاء يقولون: إن قتلتنا مؤمنون، فدماؤنا متلطخة بثيابهم إلى يوم القيامة، إن الله حكى عن قوم في كتابه: أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- قال-: «كان بين القائلين و القاتلين خمسمائة عام، فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا».
وعن الإمام الصادق عن أبيه عن علي : ((قال رسول الله من شهد أمراً، فكرهه كان كمن غاب عنه، ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده))
فكل هذه الروايات تكشف عن أن ما يجمع الناس ويعطيهم حكما واحدا هو رضاهم أو سخطهم لأمر معين.
ومما يؤيد ما ذكرناه ما نقله الشيخ المفيد بإسناده عن أبي حمزة الثمالي، قال: دخل سعد بن عبد الملك - وكان أبو جعفر يسميه سعد الخير وهو من ولد عبد العزيز بن مروان - على أبي جعفر ، فبينا ينشج كما تنشج النساء، قال: فقال له أبو جعفر : «ما يبكيك يا سعد؟ قال: وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن، فقال له: لست منهم، أنت أموي منا أهل البيت، أما سمعت قول الله عز وجل يحكي عن إبراهيم»: ﴿ فمن تبعني فإنه مني ﴾ ( إبراهيم /36)". (الاختصاص ص85)
وقال الشيخ علي أكبر غفاري في كتابه ( دراسات في علم الدراية ) معلقا على هذه الرواية:
فإنه – أي هذا الحديث – يدل على أن المدار على الإيمان والتقوى، وهو الذي يساعد عليه أصول المذهب وقواعد العدل والأخبار والآيات الكثيرة، حيث ترى نفي الولاية عن ابن نوح وإثبات الجزئية لمن تبع.
نشير أخيرا إلى ترجمة السيد محسن الأمين (قده ) لسعد الخير في موسوعته (أعيان الشيعة ):
سعد الخير الأموي من ولد عبد العزيز بن مروان، من أصحاب الإمام الباقر . يستفاد من الأخبار جلالته وعناية الباقر به...إلى أن يقول: وللباقر إليه رسالتان ذكرهما الكليني في أوائل روضة الكافي.
هذا سعد الخير الذي تحول من الأموية إلى نقيضها، وخرج نفسه من دائرة بني أمية باتباعه لأهل بيت النبوة .