في العيد .. رسائل تبحث عن عنوان!
نقلت وسائل الاعلام ان ستة ملايين طفل في العالم كتبوا رسائلاً الى (سانتاكلوز) بمناسبة رأس السنة الميلادية الجديدة، يطلب فيها كل واحد منهم تحقيق امنية أو حلم يداعب مخيلته الصغيرة.
جميع الرسائل كانت بلا عنوان وبلا طوابع، لانهم يعتقدون بأن هذا المخلوق الحبيب صاحب الوظيفة المقدسة، الا وهي اسعاد الاطفال بداية كل عام جديد، موجود في كل مكان، يسمع نجواهم ويقرأ افكارهم، ولهذا قامت دوائر البريد في بعض الدول الاوروبية بالاجابة عن تلك الرسائل إذ أرسلت الهدايا التي طلبها الاطفال من سانتاكلوز اليهم وبذلك شاركت في اسعادهم وتحقيق احلامهم.
لا ادري لماذا أبكاني ذلك الخبر، وأنا أتبادل النظرات مع ابنتي التي شاركتني مشاهدة ذلك التقرير الخبري المشفوع بصور الاطفال الضاحكين فرحا بالعيد القادم.
اطفال العراق يعاصرون اعياداً عديدة، فالايام الماضية كان عيد الاضحى المبارك وتلاه عيد ولادة المسيح عليه السلام وبعد أيام اعياد الميلاد... فإلى من سيكتبون؟!
وإن كتبوا، من سيقرأ لهم؟! ومن سيجيب؟!
دعوني أعود الى طفولتي، وأكن طفلة صغيرة يداعب مخيلتها حلم صغير، فاسمحوا لي ان اكتب لكم عن حلمي، وبما ان اوقاتكم عصيبة وثمينة ولا يسعكم ان تقرأوا رسائلاً عديدة فقد جمعت اطفال الجيران وكتبنا معا احلامنا وطلباتنا في رسالة واحدة:
(اريد شارعا نظيفا معبدا حتى لا انقطع عن المدرسة أيام المطر عندما يتحول الى مستنقعات كبيرة!
أريد دمية جميلة أصفف شعرها واحملها معي الى سريري الصدء الذي أكلته السنون!
ويريد حسام اليتيم الذي فقد امه وابوه في الدورة اثر حادث ارهابي، سقفا محكما يمنع عنه وعن اخوته الثلاث المطر والبرد، وان تعذر ذلك فلا بأس بغطاء سميك يختبئون تحته، وان تعذر هذا ايضا فلابأس بمعطف ولو قديم يرتديه واخوه عندما يذهبان الى المدرسة التي تبعد مسافة ساعة عن غرفتهم المتهاوية يقطعانها مشيا، وان تعذر فسيقنعه حذاء سميك يساعد قدميه على تحمل المسير!
وتريد هدى ذات العشر أعوام ان تلتحق بالمدرسة، فوالدها مقعد في البيت وأمها تعمل منذ الصباح الى الليل لتعيلها واخوتها الستة ...
تريد وداد ذات السبعة اعوام عودة ابيها الذي ذهب صباحا الى عمله كبائع متجول في سوق الحلة ولم يعد لان احدهم اراد ان يتغدى ذلك اليوم مع رسول الله!
ويريد عمر ذو الخمس سنين، رشاشة يلعب بها مع أقرانه لعبة (الشرطي والارهابي)، فيما يريد أخوه محمد ذو العاشرة دراجة وان كانت قديمة لتساعده على حمل اكياس الشكولاته التي يبيعها يوميا على مفترق الطريق!
وتريد فاطمة ذات السنوات الثلاث دفتر رسم وألوان، لترسم حديقة كبيرة تلعب بها مع صويحباتها!
أما آمنة ذات الثامنة فقالت لي: اريد ان تشفى اختي من مرضها لتعود الى اللعب معي.
وعندما هممت بانهاء الرسالة، قالت لي سميرة ذات السبعة أعوام وفي عينيها يتلألأ حزنٌ خجول: اكتبي: اريد وطنا لا خوف فيه، لا فقر فيه).
وضعت الرسالة في ظرف أبيض، وتبادلنا جميعا النظرات، الى من سنرسلها؟!
عندها تركت الاطفال، وعدت الى واقعي الكبير، لعلي استطيع ان أجيب تلك النظرات البريئة المستفهمة وأعطيها عنوانا واضحا لترسل اليه رسالتها.
هل من الصعب ان يخصص مكتب رئاسة الجمهورية، مكتباً صغيراً له يستقبل فيه رسائل الاطفال ويجيب عنها ولو بمجرد عبارة (وصلت، سنرد قريبا). ليبقى الامل في نفوس الاطفال حيا ينتظر هذا القريب متى يأتي، المهم ان يبقى الامل!
أليس ممكنا ان يفتح رئيس الوزراء، مكتبا لاستقبال رسائل الاطفال ويعين مستشارا للطفولة، يشارك احلام الاطفال ولو بعبارة (سنفكر فيما قلتموه)!! ليبقى الامل يقظا في أحداقهم!
وقبل ان أنهي مقالتي هذه، تساءلت الطفلة (علياء) في داخلي: هل سيقرأون ما كتبتي؟!
أغمضت عيني ولم أجبها...
كل عام وانتم بخير...
كل عام واطفالنا بخير... أحلامهم، امنياتهم، آهاتهم... كل عام والامل فينا بخير.