عشاقك ينتظرون
لا زال الوقت باكرا لبداية النهاية... لكن علينا أن نقرأ ما حصل فقد أذن الوقت لتلاوة الحقيقة..
عشاقك كانوا ينتظرون.. يتجمعون هنا كل عام كعادتهم السنوية.. يحجون إلى مملكتك مشتاقين ليصافحوا مدرستك ويتزودوا من وحيها بما يعرفون..
يعبرون مراحل التاريخ بأزمنة تجتاز الفصول والصفحات..
ثمة همهمات محشورة بين تلك الساعات.. إنها هناك تتوه في مملكة الصمت يحيطهم ضباب هائم حير القلوب..
يصغون بقلوبهم لفلسفتك ويرهفون أسماعهم لقضيتك وكأن الكون كله يكاد أن يتوقف..
بضعة نساء قلقات أطفأتها الحيرة.. وصبية لا تريد اللعب ولا ترغبه فقد أفزعها الخوف وأهابها القلق وأطفال لم يبلغوا الحلم يترقبون نهاية محتومة..
ورجال يمسكون بزمام أسلحتهم بقبضة من قلوب ارتوت من عمقك، يتقاطعون مع بعضهم في النظرات، لا يهيبهم الليل ولا يقلقهم صمته الموحش.. يهبون أنفسهم قرابين على مذبح الشهادة لأنهم يؤمنون بك وحدك.
وأنت حيث أنت، واقف تعرف كل هذا، لكن عرش صبرك لا يهتز أمام فحيحهم..
تنير أشرعة الحقيقة، وتكتب بمدادك ملحمة تراجعها البشرية بتلاوة خاشعة..
نعرفك حيث أنت واقف تماماً.. هكذا منذ نشأتنا تعلقنا بأستار عظمتك ونشأنا ننهل من شيمك، علمتنا معركتك القصيرة كيف نتعمق في الأشياء وكيف تكون نظرتنا لها عميقة...
لشجاعتك ينكسر الليل وتندحر وحشته وبإيمانك تغتسل الناس من قيود العجز والكسل يطوقك الوحي ويغسل الإيمان خطواتك..
عرفنا الشجاعة بك ولعل الخوف يدرك أنه معك مغلوب منهزم، لذا استتر وراء صوت غليظ، ندرك أنه مرتعب رغم ارتفاعه وأنه عاجز رغم تطاوله..
تحيينا ذكراك كلما قرأناك ويصعب علينا أن لا ننهض حين تواتينا ملحمتك، ملحمتك التي يدرك بعضنا أنها ليست آنية ولا تخضع لفلسفة الوقت وموسم البكاء والعويل، فليست شهادتك صفحة توقع فيها محاجرنا إمضاء، مجرد إمضاء وينتهي أمرها.. لكننا نستجمع جل قيمك ونفهمها لنعيد صقل الحقائق ونتمنى بصوت واحد أننا... ليتنا كنا معك...
هؤلاء الذين أحاطوا بك متآمرون.. أشباه بشر وما هم ببشر، يمتطون حقول شرورهم ويعبئون كؤوسهم بالقيح والصديد، يتهادون ويغنون بنهيق مختلف، يظنونه حلم وما يدركون أنه نذير شؤم سيلحقهم بعار لعنة تلاحقهم بها الأجيال ولا تعفيهم من آثامها..
عشاقك يتساءلون..
أكان يجدر بهم أن ينصتوا لصلواتك.. أكنت تدري أنهم يرتعشون وهم يقتربوا ليقتلوك.. لم تخفك أسلحتهم ولا إلتماع عيونهم بمكر الشر، إنهم يرتجعون بهلاوس الخيبة.. خيبة السماء وخيبة الأرض..
أكنت تعرف كل هذا وتعرف أنهم بائسون ومنكسرون ومعدمون وناكصون ولا يدركون فداحة ما يصنعون..
انك تبتسم.. تدرك أنك هزمتهم وأنك المنتصر..
عشاقك ينتظرون.. ويشغلهم الإنتظار عن الوقت
يسمعون ما يحدث هناك.. وتقرأه قلوبهم بذرف عيونهم، تؤكده صلواتهم وابتهالاتهم.. ينتظرون النهاية السافرة لكنهم لا يملكون حيلة في تغييرها
أتغفر لهم أنهم جاءوك متأخرين..
أتغفر لهم أنهم لم يلحقوك بأزمانهم ولم تستطع كل تكنلوجيا عصرهم أن تغير سير الأحداث أو أن تطور هممهم
عشاقك لا زالوا هنا يجتمعون في محفل وأزمنة وتواريخ، يوقعون إمضاءات قلوبهم على شهادتك ويشهدون بختم أحمر قان أنك امتداد لرسالة جدك..
فواصل الأزمنة ترهقهم.. لكنهم يرتهنون بحبك ويصطبغون برايتك، ينيرون دروب لياليهم بضوئك.. ضوئك ذاك الذي لم يفلح الليل في طمسه،، كلماتك كانت سراج.. وإرادتك دافع لوجودهم وصبرك ملهم لهم لعشق يملأهم لهفة للانتظار...