الإمام المدرسي : علينا تغيير هذا الواقع وازالة المأساة من خلال اعلان الاستنكار بألسنتنا وبايدينا
نص كلمة سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله)
في ذكرى جريمة هدم المرقد المطهر في سامراء
قد تصاب امة بهزيمة نكراء ثم تتحدى هذه الهزيمة بعمل كبير ولكن ان لم تفعل الامة ذلك فان هذه الهزيمة تتحول الى ثقافة ومع الزمن تستعذب الامة تلك الهزيمة وتتحول الهزيمة عندها الى فلسفة في الحياة، ولعل هذا ماقاله الشاعر العربي ابو الطيب المتنبي) من يهن يسهل الهوان عليه، ما بجرح بميت إيلام).. ان الاهانات المتكررة تتحول الى حالة نفسية ومن ثم ثقافة ومن ثم تيار في الامة لايمكن بعدئذ رفعها.
اخشى ان تكون حادثة تفجير مقام الامامين العسكريين الامام الهادي والعسكري (عليهم السلام) من هذا النوع فيما يتصل بأبناء الشعب العراقي الذين جار عليهم الزمان وتواترت عليهم طوارقه، ما ان يخرجوا من فتنة الا وتتصدى لهم فتنه اخرى لعلها الاكبر والاخطر، فلم نعرف اننا كيف تخلصنا من الطاغية حتى داهمنا الارهاب وكانه قدر لهذا الشعب، وبالامس سمعتم ماجرى في بغداد في سوق الغزل وبغداد الجديدة كيف ان امراتين مصابتين بلوثة عقلية استخدمتا لتفجير وقتل الناس، هناك جريمتان في جريمة واحدة: القضاء على حياة إمرأة مختلة عقليا واستخدامها للقضاء على حياة الناس، والارهاب لايزال يطور اساليبه كما نطور نحن الاجهزة والوسائل للقضاء على الارهاب، هم بدورهم يطورون اساليبهم في استمرار الارهاب والحاق اكبر ضرر ممكن بالناس الابرياء، الارهاب نوعا ما تحدد في مناطق معينة واذا بالخلافات الداخلية هي التي تقض مضاجعنا اليوم واذا باحداث الديوانية والسماوة والناصرية وكربلاء ومن ثم البصرة وغيرها من هذه الاحداث تدق اجراس الخطر وتقول لنا: اين انتم لمذا لم تستيقضوا؟ واذا لم يوقضكم ارهاب صدام فلابد ان يوقظكم الارهاب من بعده، هل تقرأ شعر المتنبي (ما لجرح بميت إلام)، فحينما هدم البعض قبور ائمة البقيع (عليهم السلام) هل فقدنا الاحساس والشعور، في اليوم الاول في السنة الاولى كانت هناك ضجة عالمية في العالم الشيعي وقد عطل المسلون الشيعة الدرس وعطلوا الاعمال وجلسوا في عزاء اهل البيت (عليهم السلام) وضلامتهم ان حتى قبورهم لم تسلم من ايدي الطغاة والجبابرة لكن اليوم اذا تسأل شخصا ما عن تاريخ الثامن من شوال وما حصل فيه فانه لايعرف!
نخشى ان تتكرر قصة قبور اهل البيت في المدينة بما حصل في سامراء، هناك تبرير لهذا الواقع، وهذا التبرير هو جزء من مشكلتنا، فنحن قد نتخذ موقفا لكن مع مرور الزمن يصبح لدى المسلم البعيد عن الاجواء والتيارات قناعة بانه لايمكن الاصلاح والتغيير ولايمكن عمل شئ لمواجهة التحديات، إذا يجب ان نحزن، ان نبكي، ان نستمرء المأساة، يعني تصبح الماساة هنيئا مريئا وهذا هو الواقع الخاطئ.. علينا تغيير هذا الواقع وازالة المأساة من خلال اعلان الاستنكار بألسنتنا وبايدينا وبقلوبنا وهو اضعف الايمان، أما ان تبقى قبور أئمتنا في البقيع او في سامراء مهدمة فان مرور كل ساعة على ذلك يعد نوعا من المنكر.
يجب ان يتحمل جميع المسلمين والموالين لاهل البيت المسؤولية، اما ان نستمر لسنين متطاولة فهذا يُعد مشكلة كبرى، فحينما نقرر ان نستنكر المنكر وان نستصلح الامر ونغير ونبدل في مثل تلك اللحظة نكون في الخطوة الاولى على الطريق، بعد ذلك نبحث عن الاسباب والجذور وسبب الضعف الذي دبّ فينا لنصل الى سبب ضعفنا وهو التفرق والحزبية والانانية، وهكذا الى ان نصل الى الجذر ونصلحه بعد الانطلاق بالتوكل على الله..
ولنا في ثورة الامام الحسين (عليه السلام) درسا، ففي تلك الفترة كانت كل اسباب الهزيمة متوفرة في المسلمين، فالنظام كان دكتاتوريا قمعيا، يقتل بطرق شتى مثل مافعله بسر ابن أراطاة في اليمن او مافعله مسلم بن عقبة او (مسرف) في المدينة او مافعله معاوية حين قال: (ان لله جنودا من عسل) بعد اغتياله مالك الاشتر (رضوان الله تعالى عليه) وبعدها اغتياله الامام الحسن (عليه السلام).. الى جانب هذا القمع كان يعمد لشراء الضمائر بالاموال من امثال سمرة ابن جندب، اشتراه معاوية لكي يبتدع له حديثا لم يقوله رسول الله بخمسمائة الف دينار وذلك في حق ابن ملجم قاتل أمير المؤمنين ..
وكانت هناك ثقافة ينشرها النظام الاموي آنذاك بين المسلمين وهي (مالنا والدخول بين السلاطين)، كما فعل باهل الكوفة حينما كانوا على وشك تغيير النظام قبل حصول واقعة الطف، وقد قام اهل الكوفة وغيروا النظام الحاكم، لكن قبل ذلك كانت ثقافة التبرير هي السائدة، فبين القيل والقال والتشكيك قتلوا سفير الامام الحسين (عليه السلام) مسلم بن عقيل (سلام الله عليه).. كما كان التستر بالدين من خلال الاستفادة من وجود شريح القاضي، واليوم يتكرر تجيير الدين.
وعليه فان كل العوامل الموجودة الان كانت موجودة في عهد الامام الحسين (عليه السلام) ولكن الامام حين نهض، لم ينهض ضد يزيد فقط بل ضد يزيد وشريح وطريقة تفكير شريح الخاطئة وطريقة استخدام الدين بالسياسة، في حين نحن ندعو ان تكون السياسة على ابواب الدين لا ان يكون الدين على ابواب السياسة، فالامام الحسين نهض ضد كل هذه الظواهر بخطبه العظيمة وخصوصا خطبته التي يجب ان تكون منهاجا لكل طالب علم، والتي وجهها الى العلماء الذين كانت الامور بايديهم وتركوها، وايضا للناس في المدينة وفي طريقه في كربلاء..
لقد ثار الامام الحسين في كربلاء ضد الافكار التبريرية – التمويهية، بل انه اثار النخوة العربية حتى في الذين كانوا امامه، حيث قال: ارجعوا الى انسابكم اذا كنتم عربا كما تزعمون،بمعنة انكم خالفتم حتى اعرافكم الجاهلية لان كان القتال حراما في ايام محرم عند الجاهلية، فالامام هنا اعطى برنامجا للناس، وحتى لاتباع الجاهلية اعطاهم دروسا جديدة وللمسلمين وللشيعة وللتاريخ ايضا.
إذا نهظة الامام لم تكن موجهة للسياسة فقط وانما لتلك القواعد الفاسدة التي أقامت تلك السياسة الفاسدة.. فيحنما وجه الامام الحسين نداءه وقال: (ألا من ناصر ينصرني)؟ انما وجه كلامه ليس الى تلك الحشود الممسوخة وانما لي ولك، لذا تقول في الزيارة: (لبيك ياابا عبدالله) أي الاستجابة للدفاع عن حرم رسول الله لان هذه الحرم أنتهكت كما ان قبة الامامين العسكريين تفجرت.. ان نفس الطرق والوسائل تتخذ اليوم لابعاد الناس عن القضية الاساسية، فيجب ان نبدأ كما بدأ الامام بتعرية الباطل ووسائله ولانستمرء الهزيمة ونستحسن الامر الواقع، فمنذ ان استلم يزيد السلطة اعلنها الامام الحسين بصوت عال: (مثلي لايبايع مثله)، فهو (عليه السلام) حسم الموقف وانهى القواعد التي كان يقوم عليها النظام الاموي.
يجب ان ننهي الخلافات، لاننا ندفع ثمن هذه الخلافات بالاهانات التي نعيشها.. صحيح ان مكانة الائمة الاطهار رفيعة عند الله تعالى، لكن ان تبقى قبور المسلمين الشيعة مهمدمة فهذه اهانة لهم، والى الان يقولون: (رغم انفكم اهناكم وفجرنا مقدساتكم)، هذا الكلام ينشر اليوم في الانترنت وفي الفضائيات.. أما من يريد ان يتكلم لتغيير الوضع فيتهم بانه (خارج الدين)، أي ان نستخدم الدين هنا لمثل هذه المسائل، ينبغي ان نقف مليا ونفكر تفكيرا جديا ونبحث عن المسؤول، ان الكل مسؤولون، وعلى الكل ان يتحمل المسؤولية، وقد وضع لنا الامام الحسين منهاج متكامل للتطوير، فحينما لانستمرء الهوان ولانقبل في الهزيمة ونتحدى الواقع الفاسد الله يهدينا الى الطريق الصحيح، كما قال ربنا في كتابه المجيد: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" والسبيل هو الطريق الحق، و"الانسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره"، وعلى كل انسان العودة الى نفسه لاستخلاص فكرة خلاص المسلمين من هذا الواقع.
من جهة اخرى هناك مراحل لابد ان نطويها لنصل الى تغيير الواقع، فالاصلاح الفكري والاصلاح الثقافي وكل العملية الاصلاحية يجب ان تتم بشكل متواصل لتغيير المعادلة.
نسال الله ان يوفقنا ويوفق الامة الاسلامية، وان يخلصها من الفساد الفكري التي هي فيه دون ان تشعر، ثم تغير الواقع الخارجي، وهذه القبة هي المعيار فاذا تم بناؤها نعرف اننا تخلصنا من الرواسب والثقافات السلبية، أما اذا بقيت على حالها، نعرف اننا باقون في تلك الرواسب.. نسال الله ان يجعلنا من القدوات الصالحة لتغير الواقع وما افسده الطغاة.