الأدب الظاهري مقدمة للوصول إلى الأدب الباطني

قال الله تعالى في كتابه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (77-79) سورة الواقعة. آمنا بالله صدق العلي العظيم.
لكل شيء مقدمة. فمثلا للصلاة مقدمة وهي الوضوء، ومن خلالها يتهيأ الإنسان للدخول إلى المحطة الأخرى وهي محطة الصلاة بغسل تلك الأعضاء عن الأدران كانت معنوية أو مادية ترى بالعين المجردة أو لا ترى بالعين المجردة؛ لردع بعض محاولات الشيطان بهذه المقدمة البسيطة، التي ما أن يتقدم الإنسان لعمل شيء ما إلا والشياطين تحوم من حوله ومن فوقه ومن تحته فلابد من  رادع يردع تلك الشياطين المتكالبة  المفترسة على فريستها وخصوصا النفس المؤمنة  المتجهة إلى الله في بداية طريقها. لابد من العراقيل التي تصده عن الوصول إلى الطريق ولكن يقينه للوصول وحسن ظنه بالله يقذفه بجنب الله مهما حصل والرجوع إلى الفطرة الكامنة منذ بدء الخليقة ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ (30) سورة الروم.

إذن فكل شيء لابد أن يكون له مفتاح، فالباب له مفتاح خاص به، وهكذا..، فبالمقدمات نصل من الأدب الظاهري إلى الأدب الباطني،.. ربما لا يعتني بها البعض ولكنها تصعد بنا وتعرج إلى جوار الله  عز وجل.

تنطبق هذه الفكرة على تعاملنا مع كتاب الله، حيث أن هناك أداب للتلاوة من شأنها أن توصلنا إلى ماهو أبعد منها:

1- الطهارة. وتندرج الطهارة تحت فروع  الطهارة المعنوية والمادية، الطهارة المعنوية ما يرتبط بالروح بمحاولة التقليل من الذنوب لينعكس الباطن على الظاهر، والطهارة المادية طهارة الملبس والجسد من كل النجاسات والأوساخ لينعكس بالتالي الظاهر على الباطن.

2- التعوذ والبسملة. والتعوذ بمعنى الاستعاذة بالله من شر الشيطان الرجيم، والتسمية أيضا من المقدمات الأساسية للتلاوة.

3- استقبال القبلة. والبعض لا يشترط استقبال القبلة، وذلك على حسب مقدرة الشخص القارئ، وإن كان في استقبال القبلة أقرب إلى النفس، مما يبعث بالطمأنينة والتوجه بكل ما فيك إلى خالقك الواحد الأحد الفرد الصمد.

4- الإخلاص. إخلاص النية لله عز وجل، وارتباط النية مع الدعاء لفهم كتابه الكريم بنية صادقة خالصة راغبا في ذلك حق المعرفة ومعرفة أنه لا يكون ذلك إلا من خلاله والتوسل بأهل البيت -عليهم أفضل الصلاة والسلام-.

5- التطيب. من خلال نظافة الفم وتطييب الملبس ونظافة المجلس، أي المكان الذي يقرأ فيه.

نظافة الفم أدب من الآداب الضرورية المؤثرة على نفسية القارئ المؤمن ستنعكس إيجابا بخروج ذاك الكلم الطاهر من فاه وطريق ومسلك طاهر مما يعطي ويضفي أريحية لا تضاهى مع رائحة الطيب الجميلة المنبعثة تزيدك إقبالا مع نظافة المكان فتثير عبقاً نفاح، والملائكة تكون حاضرة بقربك تحفك في هذا الجو الإيماني المفعم بالجمال والروحانية.

6- التدبر وحضور القلب. وبعد كل هذه المقدمات نعرج إلى أدب مهم من الآداب المعنوية التي نروم إليه للوصول إلى تلاوة نقية توصلنا إلى لب القرآن ولا يغنينا عن التماس القشور ولكن اللباب أهم بكثير، وإن كانت الأدوات آلية مساعدة لفهم المضمون العميق وبمعرفة هذه الآليات والوسائل نستطيع خوض عباب بحر عميق.. بخطوات بسيطة نقطع شوطا كبيراً لا يسبر غوره إلا الله والراسخون في العلم.