مصيرك بيد الفأرة
الحياة مهما طالت فهي محدودة، والآخرة هي الحياة الحقيقية أو الحيوان بحسب التعبير القرآني ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (64) سورة العنكبوت
والحياة مزرعة الآخرة، هنا نزرع وهناك نحصد، والحياة ممر والآخرة مقر.
هذه الحقائق البسيطة هي مفاتيح لكنوز لا تقدر بقيمة، فالإنسان إذا استطاع استحضار هذه المفاهيم في كل لحظة من لحظات حياته‘ فإن حياته ستختلف تماما عن حياته في حال الغفلة عنها. بل إن الإنسان لا يقع في المعصية إلا حين تغيب هذه المفاهيم عنه ولو للحظة، ومن هنا جاء التأكيد الشديد على المداومة على ذكر الله:
﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (35) سورة الأحزاب
﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ (191) سورة آل عمران
﴿وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا﴾ (34) سورة طـه
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾ (152) سورة البقرة
أسوق هذه المقدمة لأننا في هذا العصر بالذات، الذي يمكن أن نطلق عليه بحق عصر الغفلة، نحن أحوج ما نكون إلى المواظبة على الذكر.
فعندما تمسك بيدك الريموت كنترول ( جهاز التحكم عن بعد ) لتشاهد القنوات الفضائية المتنوعة، فأنت بحاجة إلى أن تذكر نفسك بتلك الحقائق البسيطة التي ذكرناها آنفا، لأن مصيرك قد بيد هذا الجهاز، وذلك عندما يتحكم فيك بدل أن تتحكم فيها، فإذا به ينقلك بين المحطات التافهة والمسلسلات والبرامج التي تبعدك عن ساحة الله عز وجل، وتقربك من ساحة الشيطان حين تلوث سمعك وبصرك وفؤادك بالنظرة الحرام والكلمة أو الموسيقى الحرام والفكرة والخاطرة الحرام.
وعندما تمسك بالفأرة ( الماوس ) لتتصفح مواقع الشبكة العنكبوتية تحتاج أن تتذكر تلك الحقائق أيضا حتى لا تضع مصيرك بيد هذه الفأرة، فتنقلك إلى المواقع التي لا تحترم عقلك، ولا تقيم وزنا لإنسانيتك، المواقع التي تحاول اصطيادك في شباك الإغراء والإغواء، وكم من شاب أو فتاة وقع في هذا الشباك القذر عندما امتطى هواه الفأرة فأخذته إلى الجحور النتنة، ولم يخرج منها أبدا.
- أخي الشاب/ أختي الشابة:
قفوا مع أنفسكم وقفة صادقة، حاسبوها قبل أن تحاسبوا، فكروا في مصيركم، ليسأل كل واحد نفسه سؤالا بسيطا: هل أنا المتحكم في الريموت أو الفأرة أم أنها هي التي تتحكم بمصيري؟
ماذا أشاهد؟ ماذا أتصفح؟
نحن نعلم جميعا أننا مسؤولون عن كل شيء، فهل نعي هذه الحقيقة جيدا؟
﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ (36) سورة الإسراء
- لنبدأ من الآن صفحة جديدة، وذلك وفق الخطوات التالية:
1- ابدأ مشاهدة التلفاز أو تصفح الإنترنت بقول ( بسم الله الرحمن الرحيم )، فهذا الذكر اللفظي له آثاره العظيمة إذا راعينا معانيه العميقة، ونقشناها على صفحة القلب، والتزمنا بمدلولاته التي تفرض علينا أن نبتعد عن ارتكاب المحرمات من نظر أو سمع أو غيرهما، إذ لا يصح أن نقول ( بسم الله ) ثم نفتح قناة تبث الأغاني الماجنة أو المسلسلات والأفلام الخليعة، أو نتصفح مواقع الفجور والتهتك.
2- المراقبة الدائمة لنفسك، والرجوع السريع عند الزلل، فالشيطان لا يتركك أبدا، ولكن كن له بالمرصاد: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾ (201) سورة الأعراف
3- الإرادة والعزيمة هما جوهر الإنسان، ومن هنا عليك معرفة نقاط الضعف لديك التي ينفذ إليك منها الشيطان بوساوسه وأمانيه الكاذبة ووعوده الزائفة، واجتهد في تقويتها لتشعر بإنسانيتك فعلا، فكلما قويت إرادتك وعزيمتك ستشعر حتما أنك أصبحت ملكا على نفسك، وهذا أعظم الملك. يقول أمير المؤمنين : (من أراد عزا بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، وغنى بلا مال، فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته).
4- واظب على ذكر الله دائما من خلال الصلاة والصيام وقراءة القرآن والأدعية الواردة عن أهل البيت .
5- حاسب نفسك في منتصف النهار وقبل النوم، واعرف إلى أين تسير خطواتك.
6- صاحب العلماء والأصدقاء الذين يذكرونك بالله، وابتعد عن أصدقاء السوء ومجالس اللهو.
7- اطلب من الله بإلحاح وإخلاص أن يخلصك من كل واقع فاسد، وأن يعينك على نفسك، وأن يجعلك في الصالحين.