الجهاد هل يعني العنف المجرد؟
تطلّبَ الامر اغتيال عماد مغنية، الذي اعتُبر واحدا من اكثر رجال المليشيات قوة ومراوغة، حتى تمكن العالم اخيرا من معرفة شيء عن ماضي هذا الرجل الذي جمع بين قوة الاسطورة وسطوة الواقع وخفة الشبح.
لقد عاش مغنية كل حياته في ظل عنف الشرق الاوسط المستعر بلا هوادة، يسافر بجوازات سفر دبلوماسية لدول اقليمية في رحلات غير محددة، ولم يكن يرحِب ابدا بإجراء اية لقاءات صحافية أو الادلاء بأية تصريحات او بيانات مسجلة فيديويا.
كما اختلفت ردود الافعال الدولية، الرسمية والشعبية، التي انطلقت بعد هذه الحادثة بين قائل، ان العالم افضل بعد اغتيال مغنية الذي كان لا يتردد عن استعمال كافة انواع العنف من القتل الجماعي والتفجير والإختطاف للمدنيين والعسكريين على السواء في سبيل تحقيق اهداف معينة، واخرون اعلنوا الحِداد واعتبروه شهيدا وبطلا للإسلام عجزت اكبر مؤسسات الاستخبارات في العالم عن اصطياده طيلة عقدين.
ونحن اذ نتطرق لواقع الحادثة التي سيظل صداها يضرب في المنطقة المتأزمة اصلا وقد يفتح صندوق الشرور في العديد من الدول، لا نريد ان نخوض في تفاصيلها المثيرة للجدل وندخل في نظريات عديدة أُثيرت حول من له مصلحة اكثر في اغتيال الرجل، امريكا ام اسرائيل اللتان خصصتا مبلغ خمسة ملايين دولار لمن يقتله بعد ان قضت عقود في مطاردته دون نتيجة، ام اجهزة الاستخبارات الإقليمية ممن تسير في ركب الغرب، ام انه ذهبَ كهدية في جزء من صفقة دولية سرية متعددة الاطراف!!؟؟.
لا نريد هنا سوى القاء بقعة ضوء على ظاهرة استعمال بعض المسلمين لمصطلح الجهاد كمسوغ لإرتكاب الفضائع والغدر والقتل الجماعي للمدنيين والعسكر والإختطاف والترويع من اجل تحقيق اهداف ذات عناوين اسلامية، بينما تنبثق رسالة الاسلام من اهمية تحقيق الكرامة الانسانية واحترام حقوق الانسان وعدم قتل الابرياء والتمييز بين المدنيين والعسكر في حالة الحرب.
ان العنف الذي يربطه البعض محوريا بالجهاد يحتم علينا ان نرى هذه الحادثة بعين الموضوعية المجردة وان نتجاوز الشخوص والمسميات لنرى، هل ان الاسلام رسالة عنف مجرد وقوة مفرطة لا تستند الى مقومات اقناع وهداية وحوار وتسامح؟
وهل ان اهداف المسلمين لا يتم تحقيقها الا عن طريق القتل العشوائي والترويع والترهيب؟
وهل ان انتهاج مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، مفيد في استحصال حقوق المسلمين والترويج للإسلام بغية نشره كرسالة سماوية سمحاء؟
كان الجهاد بكافة عوامله، وليس العنف المجرد، من اهم العوامل التي مكّنَت الإسلام من ولوج اطراف الارض في شرقها وغربها ابان فورته التي شهدتها الجزيرة العربية وامتداده الى افريقيا واسيا وجنوب اوربا تحت راية النبي محمد .
إلا ان باب الجهاد بقي من أشد الأبواب حساسية واكثرها جدلاً لتأثيره الفعال والمباشر على الممتلكات والنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، ودخلت مسألة تقدير وإقرار هذا الحق منطقة ضبابية جراء ابتعاد بعض المسلمين عن منطق "السلم والهداية" وهو الجزء الأهم في رسالة الإسلام، واعتمادهم على مبدأ العنف المجرد دون اللجوء الى مختلف أساليب الإقناع والضغط والاحتواء قبل الشروع بالعمل العسكري.
ان العنف المجرد واستعمال مبدأ الغاية تبرر الوسيلة من قبل بعض المجموعات قد اضفى طابع القسوة وأوجد رهاباً من الإسلام لدى الاخرين من اقوام الامم الاخرى التي بطبيعة الحال اصبح التعامل معها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا مطلبا متزايدا، ليس من باب التعاون فقط وانما من باب السعي نحو التبشير بالإسلام ونشره.
ان الدعوة المحمدية السمحاء ما كان لها ان تمتد نحو مختلف اقوام الارض وتحتويهم لولا شعار اللاعنف ومبدأ الإقناع وسياسة الهداية والتنوير التي انتهجها رسول الانسانية محمد وال بيته واصحابه النجباء.
كما ان من ابرز صفات الرسول الأعظم انه كان لا عنفاً الى ابعد حد، وقد دعا القران الكريم المسلمين قاطبة ان يدخلوا تحت ظل هذا القانون فقال تعالى:(ادخلوا في السلم كافة)، ولا يخفى ان السلم اقوى واكثر دلالة من اللاعنف.
ففي الكافي، عن الإمام الصادق قال: كان رسول الله اذا اراد ان يبعث سرية، دعاهم فأجلسهم بين يديه، ثم يقول: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله... لا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخا فانيا، ولا صبيا، ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرة، إلا ان تضطروا اليها، وأيما رجل من ادنى المسلمين او افضلهم نظر الى رجل من المشركين، فهو جار حتى يسمع كلام الله، فان تبعكم فاخوكم في الدين، وان أبى فأبلغوه مأمنه، واستعينوا بالله عليه.
فالعنف والحرب واشتباك النار وسقوط القتلى من المدنيين والاطفال والنساء وارتكاب الفضائع المخالفة للدين والمسيئة لصورته، ليست فضيلة، سواء كان قتلا للعدو ام قتل العدو للمؤمن.
اما الرذائل والغلو والغدر، فلن تكون فضيلة ابدا مهما حققت من نتائج على الارض وتبقى نقطة سوداء في صحيفة المسلم حتى يوم الحساب.
وهذا هو منطق الإسلام وسياسته الإنسانية حتى في حالة الحرب... فالغاية لا تبرر الوسيلة مهما كان الهدف مهما.