إدِّعاء الفقر، يزيد الفقر
قال أمير المؤمنين (الفقر هو الموت الأكبر).
الفقر هو الحاجة للشيء مع عدم وجوده، أو مع وجوده وانعدام القدرة على الوصول إليه. والفقر يأخذ عدة أشكال، ولعل من أهمها وأبرزها الفقر المادي عند بعض الناس أو بعض الأمم. فالفقراء هم الذين يجسدون هذه الظاهرة في المجتمعات، ولكن هناك ظاهرة أخرى يبدو أنها أخطر من الفقر وهي ظاهرة إدعاء الفقر. وهذه الظاهرة يجسدها بعض الناس الذين لا يمرون بضائقات مالية ولكنهم يدعون ذلك ويسألون الناس الأموال، وهذه الطبقة من الناس تسمى بطبقة المتسولين أو ما يسمون بــ (الطرارين) أو (المتسولين) وسأستخدم هذا المصطلح للتعبير عنهم لكونهم يختلفون عن الفقراء في عدة أمور. و هنالك أسباب عديدة تجعل هؤلاء يدعون الفقر، كما أن لديهم طرقاً تدفع الناس لتصديقهم على الرغم من انفضاح أمرهم في بعض الأحيان.
و يعزى سبب ظهور هؤلاء الناس في المجتمع إلى عدة أمور، منها البطالة والفراغ حيث أنهم يقضون معظم وقتهم في التسول ويتخذونها كمصدر دخل رئيسي في بعض الأحيان. ومن هذه الأسباب أيضاً هو الطمع حيث أن معظم الناس يخدعون بهم ويعطونهم الأموال فيزداد طمعهم بالمزيد بازدياد أموالهم، فيحاولون كسب الأموال بشتى الطرق.
وهنالك طرق عديدة يستطيع المتسولون أن يستعملوها في مشاريعهم، ومنها التنكر بهيئة الفقير والتشبه به، سواءً كان ذلك عن طريق المظهر أو ما شابه. ونرى معظم الناس يعطونهم الأموال التي لا أستطيع دائماً أن أسميها بالصدقات لأنها ربما لا تذهب لمستحقيها. فقوله تعالى: (انما الصدقات للفقراء والمساكين...) الآية، يدل على عدم أحقية هؤلاء في هذه الأموال حيث أنه لم يرد ذكرهم في الآية الكريمة. فيعتبر إعطائهم هذه الصدقات مخالفة لأمر الله وظلم للفقراء، إذ أن الظلم عكس العدل الذي هو وضع الشيء في موضعه، فيكون الظلم وضع الشيء في غير موضعه، كما في هذه الحالات نضع الصدقات في غير موضعها.
ومما يدفع الناس لتصديق هؤلاء، هو بساطة الناس وعدم قدرتهم على التمييز بين المتسولين وبين الفقراء، ورغبة الناس في التصدق للأجر والمثوبة، ولقضاء حوائجهم لأنهم ما إن يروا أحداً يرفع يده بالدعاء لهم حتى أخرجوا محفظاتهم وأغدقوا عليه الأموال. ولكن هل فكر الناس أن من أسباب تشريع الصدقات هو حل مشكلة الفقر؟! كيف ستُحل مشكلة الفقر إذا ذهبت أموال الفقراء لغيرهم؟ أليس للصدقات مستحقين يجب أن تصلهم ولا يجب أن تصل لغيرهم؟
المعروف عن الفقير أنه عزيز نفس لا يسأل الناس إلا إذا كانت حاجته ملحة، فخذ على سبيل المثال إشارات المرور: لنفرض أنه في اليوم الواحد تقف ألف سيارة، ولنقل أن نصف السيارات سيمتنعون من إعطاء المتسول الذي عند تلك الإشارة وأن كل واحد من النصف الآخر سيعطيه ريالاً واحدً، إذاً سيكون للمتسوول خمسمائة ريال يومياً أي ما يقارب الخمسة عشر ألف ريال شهرياً، هذا على أقل تقدير. إذا كان هذا فقيراً فهل سنراه يسأل الناس الأموال ثانيةً؟ بالطبع لا، لعزة نفسه كما أسلفنا سابقاً ولكننا نرى هذا المتسول كل يوم وربما كنا نراه منذ سنين وهو يقبع في هذا المكان، فهل نعتبر هذا فقيراً؟
فينبغي لنا ألا ننخدع بهذه المظاهر التي يظهرونها لنا وأن نحكم عقولنا قبل عواطفنا، فنستطيع مثلاً الأخذ بيدهم إلى ذوي الخبرة من الجمعيات الخيرية وما شابه، الذين بدورهم يتحققون وينظرون في أمرهم. ونحن بإمكاننا أن نعطي صدقاتنا لهذه الجمعيات فهي تعرف أين تذهب بها وكيف تصرفها. وإن قيل إن بعض الجمعيات "يتلاعبون" بالصدقات و"يتهاونون" في أمرها، قلت: لو ذهب كل الفقراء إلى الجمعيات وذهبت كل صدقاتنا للجمعيات أيضاً، فلن يكون للجمعيات مجال "للتلاعب" بأي شكل من الأشكال.