لغة الحوار.. اللغة المفقودة

الآباء الواعون هم من يستخدمون لغة الحوار والتفاهم بدلا من لغة العنف والتهديد
الآباء الواعون هم من يستخدمون لغة الحوار والتفاهم بدلا من لغة العنف والتهديد

 يعتبر الحوار من الوسائل الناجعة لإثراء عقولنا وقدراتنا لاسيّما إذا كان حواراً هادفاً و مقنناً؛ لأن الحوار عملية تبادل للأفكار وللثقافات بعد تمحيصها، وعملية بلورة لحصيلتنا الثقافية، فحاجتنا لمهارات الحوار غير مقتصرة على سن أو جنس معين ولا على موقف معين، بل الحياة كلها مواقف حوارية تستلزم منّا تعلّم هذه المهارة، ونحن للأسف نفتقر إلى الحوار حتى في أبسط صوره -الحوار الأسري- لذا ننمو ونحن لا نملك هذه المهارة.

 قد نجالس من يسحرنا ببيانه، فندعوه للحوار ويقبل الدعوة، ولكنه ما أن يبدأ بالكلام حتى وكأنه خطيب! وأحياناً نحضر حواراً فنظنه نزاعاً! مما حذا بي أن أكتب هذا المقال، مشيرة فيه إلى بعض مهارات وآداب البيئة الحوارية، واقتراحات لرفع مستوى الأسلوب الحواري.

     ذكرت سابقاً أن الحياة مواقف حوارية، وأضيف أن هذه المواقف مختلفة فالحوار الأسري يختلف عن الحوار المدرسي، والحوار مع الأبوين يختلف عنه مع الأصدقاء فلكل آدابه ومهاراته، ولكن هناك آداب ومهارات عامة يجب توافرها في كل بيئة حوارية:

1- تقسيم الأدوار وأعني بها أن يناط لكل فرد دوره في البيئة الحوارية وما يجب عليه، مثل:

• المخطط: وهو الذي يخطط لموضوع الحوار، ولمحاوره، وللمدة الزمنية التي يحتاجها كل محور لتغطية معظم جوانبه.
• المنظم وهو الذي يمسك زمام أمور الحوار برمتها: يلقي، يثير التساؤلات، يدير الحوار بين الأفراد، يلخص النتائج... وتختلف هذه الوظائف بحسب نوع الحوار.
• المراقب: وهو الذي يراقب الوقت، ويرشد المحاورين إذا تجاوزوا المدة المحددة لهم مسبقاً والمتفق عليها، تماماً كما في الندوات، حتى إن لم تٌستكمل فكرته.
• المقوم: وهو الذي يقيّم الحوار بجميع جوانبه -بعد الانتهاء-، وبعدم خروجه عن الحدود التي رسمت له، ويقوّم أو يعدل ما شذّ عما خطط له، فيدون كل ذلك في تقرير ويحتفظ به.

2- مهارة الإصغاء والتي تمر بـ (6) مراحل وهي:

السماع، التفسير، الاستيعاب، التذكر، التقييم، الاستجابة، ولا حاجة لنا هنا من الإسهاب في ذكر أهميتها في البيئة الحوارية، يكفي قول الإمام علي: (السامع شريك القائل)، وقوله : (من أحسن الاستماع تعجل الانتفاع).

3- حسن المخاطبة فلا نخاطب الناس إلاّ بما يحبون؛ حتى يكون حواراً وديّاً ونجني منه ثماراً يانعةً.

4- تقبّل وجهات النظر المختلفة والبعد عن التحيز الذاتي؛ حتى لا يتحول الحوار إلى نزاع.

5- التحدث بلغة يعرفها الجميع وهذا بالتأكيد يعرفه كل ذي لب.

وأما ما يتعلق بالآداب الخاصة ببعض البيئات الحوارية أذكر منها:

1- الحوار مع طبقة رجال الدين: أعتقد أن الحوار مع رجل الدين يختلف عنه مع الأصدقاء، فعندما أحاور رجل الدين وأقول (ok) أو(any way) مثلاً! أجدها غير لائقة بمقامه أبداً، فأخص هذا الحوار بضرورة مراعاة التحدث باللغة العربية قدر المستطاع، والبعد كل البعد عن الألفاظ غير العربية؛ لأنها توحي للسامع برفع الكلفة وبأخوية العلاقة.

2- الحوار مع طبقة المثقفين: يتطلب هذا الحوار استخدام اللغة العربية، وتفعيل دورها وإبراز وظائفها في إنتاج حوار راقي يليق بمقام المتحاورين، فهل يليق بالمثقف أن يخاطب أخيه المثقف بـ (زرنوق) بدلاً من (زقاق)! ثم ما حاجتهم لذلك وهم جمع من المثقفين.

ولي في هذا الصدد اقتراحات لتنمية الروح الحوارية بدءً بالأسرة -لبنة المجتمع:

 أقترح أن تكون هناك لدى كل أسرة طاولة يطلقون عليها (مائـــدة الحوار) يجتمع حولها أفراد الأسرة لمناقشاتهم وحل قضاياهم، على أن يكون هناك أدوار تناط بكل فرد منهم حتى أصغرهم، ويكون هناك تدوير لهذه الأدوار بحيث ممكن أن يكون الفرد مرة منظم ومرة أخرى مخطط مثلاً؛ للتنوع مهاراتهم وتتشكل شخصياتهم على الثقة بالنفس. ممكن أيضاً وضع صندوق (صندوق الاقتراحات) توضع فيه اقتراحاتهم حول حواراتهم.

 أما بالنسبة للمدرِسة التي تمتلك ما يؤهلها لصقل مواهب طلابها، قادرة على عمل جلسات حوارية منهجية وغير منهجية، يٌكلف فيها الطالب بجمع معلومات من مصادر متفرقة، ويكون هناك تشجيع وتكريم من قبل الإدارة للمشاركين.

 أما دور المجتمع يتمثل في عرض دورات تثقيفية في هذا المجال وبخلق جلسات حوارية.

 والديوانيات التي تعجٌّ بالأصدقاء تستطيع تحويل جلسات السمر إلى جلسات حوارية استثماراً لأوقاتهم، والمسألة سهلة للغاية، فقط يبحثون عن أمور تهمهم، يقرئون عنها أكثر، ثم يعرضون ما قرؤوه على بعضهم ويتناقشون حوله، وهذا لن يعود عليهم بالنفع فقط من الناحية الحوارية، بل سيلحظون تطور فكرهم وميولهم، وسيتعلقون بالقراءة والبحث عن المعرفة.