الفجوة بيننا وبين الغرب

في مطلع القرن العشرين صاغ العالم الأمريكي فردريك تايلر آراءه وأفكاره حول الإدارة في كتابه المشهور "مبادئ الإدارة العلمية" التي أراد بها زيادة عملية التصنيع، وقد شكلت آراؤه انطلاقة علم الإدارة في القرن الماضي، وقد أطلق تايلر على الإدارة آنذاك بأنها إدارة جاهلة وتعتمد على العشوائية والمزاجية والارتجالية والتخمين، وعلق عليها بأنها إدارة البصمة كناية عن الأمي الذي لا يستطيع الإمضاء.

وليس سراً القول بأن المجتمعات المتقدمة (التي قطعت شوطاً كبيراً في الصناعة والتكنولوجيا) واخترقت عالم الفضاء عن طريق ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ما وصلت إلى ما وصلت إليه إلا بعد دراسة وتطبيق أحدث النظريات الإدارية، مما سبق فانه لا جدوى أن نعيش غرباء وأميين وغير مدركين لمفاهيم الإدارة الحديثة، خاصة إذا أدركنا بأن الفجوة التي بينا وبين المجتمعات المتقدمة ليست فجوة مالية فنحن أغنى شعوب الأرض من حيث ثرواتنا ومواردنا الطبيعية واليابان أفقر شعوب الأرض من حيث هذا الاتجاه، فانظر كيف تحولت اليابان الفقيرة بمواردها إلى أعظم دولة اقتصادية في هذا العصر، وليست الفجوة بيننا وبين المجتمعات الغربية المتقدمة تكمن في المواهب والقدرات العقلية، فبلادنا العربية والإسلامية تذخر بالطاقات والمواهب والكوادر والكفاءات، في حين أن أغلب الطاقات والموارد البشرية في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وغيرها ما هي إلا نتاج هجرة العقول والأدمغة منا أو من غيرنا إليهم، بمعنى آخر فان الدول الغربية المتقدمة تستورد طاقاتنا البشرية.

فإذا لم تكن الفجوة بيننا وبينهم فجوة مالية أو عقلية بشرية ، فبضرس قاطع نقول بأن الفجوة إدارية بالمقام الأول، ففي الوقت التي تتمتع فيه جميع المؤسسات الحكومية والمدنية في الدول الغربية والمتقدمة بالاستقلالية والحرية والشفافية ومرونة الاتصال وتطبيق الفيدرالية فإننا في العالم الإسلامي  والعربي نرزح تحت سطوة التبعية والدكتاتورية والغموض والبيروقراطية والمركزية الشديدة.

وفي اعتقادي بأن المساحة بيننا وبين الغرب ستتسع رقعتها، وسنكون أكثر غربة وتبعية وانصياعاً للغرب، خاصة إذا ما أدركنا بأن المتغيرات في هذا العصر أضحت أكثر من الثوابت ، وعقارب الساعة تجرى بأكثر من المعتاد.

فلا بد من البدار في الإصلاح الشامل والتطوير الإداري والسياسي العالي المستوى في جميع مؤسسات الدولة الحكومية وإطلاق ما يسمى بالمجتمع المدني المؤسسي.