هي .. ونصفها الآخر

كما تتجمع الخلايا لتُكون الأنسجة  فالأجهزة فالجسد المادي كذلك تتجمع الأفراد فالأسر فالمجتمعات .

والأسرة هي أهم لبنة في بناء المجتمع وأعظم خلية تحدد مصيره ومستواه فإذا صلُحت هذه الأسر تحقق حلمٌ جميل على أرض الواقع ألا وهو المدينة الفاضلة التي تقوم على أسره فاضلة .

وعند الحديث عن جانب مهم من المواضيع المتعلقة بالأسرة وهو العلاقة الزوجية يجب أن لا نغفل الحديث عن مرحلة الحمل الأسري(1) التي هي من أهم المراحل التي تحدد مسار الأسرة ويتوقف على نجاح هذه المرحلة ومرورها بسلام مستقبل الأسرة بأكمله ويقصد بهذه الفترة مرحلة ما قبل الزواج وبالأحرى مرحله الاختيار لكلا الزوجين فالأسرة تُولد كما يولد الطفل وماهي إلا ذلك الجنين المرتقب لذلك الاختيار .. وكما يصاب الجنين بالأمراض كذلك قد تتعرض الأسرة بكونها الجنين هنا إلى الإجهاض قبل أن تتم الولادة أوقد يخرج الجنين سقيما مشوها .. ونحن نرى كيف جاءت الروايات مؤكدة على أهمية الاختيار وبناء الأسرة الصالحة لأنه بمثابة المخاض الذي يتمخض منه مصير ومستقبل الأسرة ..يقول الرسول الكريم محمد    ( ما بني في الإسلام بناء أحب إلى الله من التزويج ) (2)

بعد مرحلة الإختيار يتم الزواج وتبدأ هذه العلاقة المقدسة التي قد نعجز عن الإلمام بجميع أبعادها ..العلاقة الزوجية حينما تصل لمرحله التكامل والنضج تصبح أقوى من كل علاقة  حتى من علاقة الأم بولدها أو الأب بولده لان الولد إنما هو روح خرجت من روحك أم العلاقة الزوجية فهي روح إنخرطت داخل روحك وامتزجت بكيانك وتشربتها شرايين دمائك وهذا مانشعره حقاً عندما تصل هذه العلاقة إلى مرحلة التكامل مع الآخر ..رجل تقابله امرأة ..روح تنضح قوة ورجولة ..ونفس تتلهب حباُ وتعطشاُ للحنان ..ويدٌ تمتلك زمام القيادة ومسؤلية القوامة ..تقابلها روح تمتلئ رأفة ورحمة ونفس تضم أكواماُ من الحب واطناناُ من الحنان  ويد لاتمتلك إلا حباُ للتضحية والعطاء اللامتناهي ..وهنا يحدث التكامل فالله عز شانه حكمة كبيرة في هذه الفروقات الجسدية والنفسية للذكر والأنثى ...وهذه الاختلافات هي سبب حاجة كل منهما للآخر فلا ترى الأقطاب المغناطيسية تنجذب إلى أشباهها بل تنفر منها لتنجذب إلى أضدادها بكل قوه .

فهذا الرجل القوي يحتاج لتلك المرأة الحنون ..يده الخشنة تحتاج ليدها الناعمة تمسح عنه عناء الشقاء والتعب طبيعته الصلبة تحتاج لمن يسكب عليها ماءً زلالاً من الحب والرحمة قال تعالى ﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون  (3)
 
هذه الآية الكريمة توضح الهدف الأكبر والغاية الأساسية من الزواج إنه السكن والإطمئنان الجسدي والنفسي  فهناك دافع غريزي يتعلق بالشهوة والحاجة إلى بقاء الجنس .
وهناك دافع معنوي لملئ الفراغ العاطفي والاضطراب النفسي ثم تأتي الآية بمؤيدات لهذه السكينة تحيط بها وتشد من  أزرها ( وجعل بينكم مودة ورحمه )(4) وهذه المودة والرحمة تنمو وتزداد بالمعاشرة الحسنة والصحبة الحلوة وفي الحقيقة إنها عماد البيت الزوجي الذي يحافظ على سكينته وكم لها من الثواب العظيم عند الله ففي الحديث الشريف   (أن الرجل إذا نظر إلى امرأته ونظرت إليه نظر الله إليهما نظر الرحمة ..فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما )

وهذه المودة وتلك الرحمة هما السبيل للوصول لمرحلة الإمتزاج بين الزوجين والذي يعبر عنه القران الكريم  ﴿ هن لباس لكم وانتم لباس لهن (5)
تمثل الآية  صلة الزوجين ببعضهما بصلة والتماس الثوب بالجسد وكيف أن الثوب وسيلة لتزيين وتجميل هذا الجسد وستره وإخفاء معايبه قبل كل شي
وعندما نكون هنا في عرض الحديث عما تريده المرأة من زوجها لابد أولاً من طرح سؤال مهم لكلا الطرفين ..

  • لماذا تزوجت ؟ وما هو هدفك من الزواج ؟

فهناك من يتزوج استجابة لداعي الأعراف والعادات وهناك من يتزوج لينجُب ويُكون ذرية وهناك من يتزوج ليفرغ شهوته ويريح جسده وهناك من يتزوج ليبدأ مشوار حياته ويكمل نصفه المفقود فيصل لتكامله  النفسي والجسدي ..

ومع كل صنف منهم يكون حوار خاص وبشكل عام إن البيت الذي أسس على الغرائز تهدمه الغرائز والبيت الذي بُني على الأحلام تغرقه الأوهام والمنزل الذي بُني في مجرى السيل يهدمه الماء أما المنزل الذي يُقام لتبدأ الحياة وتتكامل النفس فانه يُبنى على جذور سليمة لا تُقلعها الرياح مهما كانت قويه .

  • وعودا على بدء لماذا تتزوج المرأة وماذا تريد من زوجها ؟

قد تكون المرأة فيما مضى تنظر للزواج على أنه نهاية لابد منها لكل فتاة ، فهي تنتظر ذلك للرجل الذي يعيلها ويتكفل بشأن حياتها ويتيح لها أن تكون أُماً ، أما المرأة اليوم فهي تنتظر الفارس ، ولا تنتظر الرجل تنتظره فارساً بلا جواد فارساً بدينه وخلقه فارساً بشهامته وسجاياه فهي تنظر للزواج على أنه بداية المشوار وأول الطريق فكلما زاد وعي المرأة ازدادت تعطشاً للتكامل الروحي والنفسي مع نصفها الأخر فلم يعد الزوج بالنسبة لها هو ذلك الرجل الذي يعيل وينفق فحسب بل إنها تطلب منه أكثر من ذلك بكثير وتجدر الإشارة هنا إلى أن العلاقة الزوجية ليست علاقة معاملاتيه تجاريه كرئيس  ومرؤوس لاتضع في اعتبارها إلا الحق والواجب إنما هي علاقة روحية قائمة على المودة  نابعة من العطاء أللامحدود تتجاوز مرحلة الحق والواجب إلى التفضل والاحسان والعطاء المتبادل .

وإذا جاز لنا تقييم احتياجات المرأة  من زوجها على سبيل المثال لا الحصر دينيه ، نفسيه ، اجتماعيه وهذا هو بحثنا في الحلقة الثانية إنشاء الله 

 

1 - الحمل الأسري : مرحلة ما قبل الزواج
2 - بجار الأنوار للمجلسي
3- الإسراء الآية رقم ( 70 )
4 - البحار مرجع سابق
5 - القران الكريم البقرة ( 187 )