أبو حمدي على منصة التشيع
لا تزال قصيدة ( جمعت همّ سنيني ) مودعة عندي في صندوق الذكريات وقد طُبعت على صفحتين و وزعت في فترة تأليفها. كان مطلع القصيدة و بعض أبياتها يتردد على لساني, مثل (لقد غدونا رفاتاً هل لهيكلنا ترابط؟ لحمنا من حوله قطع ). و قد استبدلت ( حتى غدونا ) بـ ( لقد غدونا ) في ديوانه ( زهرة الفردوس). ويبدو جلياً من هذا البيت و من غيره أن الشاعر متذمر من الحال التي وصل إليها المجتمع الشيعي من التفكك و الانقسام.
كنت أشعر بحرارة الروح في كلماتها. ولم أكن أعرف مناسبة تأليفها, أو ما اعتلج في صدر قائلها , حتى وجدت مقدمة القصيدة في الديوان تكشف بوضوح مناسبة التأليف و ما دار في خَلََََد الشاعر.
إن الشاعر يعبر عن عميق ألمه لما ألم بالمجتمع, ولا يملك إلا البوح و الشكوى . فقوله ( ليس بي جلد على المصائب ) يبرر النتيجة الحتمية لأي شاعر مطبوع لا يحبس دموعه ولا صوته, ( دعني أبعثر أحزاني على ورقي ) , ( لن تحبس الدمع يا غدار في مقلي ) .
و مما يدل على حدة المشكلة في المجتمع, وقوف الشاعر في منصة محايدة لا تجعله طرفاًً في معركة يبدي سخطه عليها, فنراه يخاطب الدهر ( و عن سها م أتت من كل ناحية تصيبني أيها يا دهر أنتزع) و يوجه عتابه ولومه إليه ( أراك تعزف أوتاراً على ألمي ) , و هي محاولة للخروج من الواقع المرير و التشبث بسبب موضوعي عائم أفرز كل هذه المحن.
إن كل الكلمات القاسية ( سهماً به الحقد ) ( سهماً به الخبث ) ( يحدو بها الطمع ) ( أيها الجشع ) ( يا غدار ) , يبثها الشاعر دون وجل أو تردد لأنها مصوبة نحو ساحة مفتوحة مبهمة اسمها الدهر.
بدأت القصيدة تقريرية , ( جمعت ) , ( جئت ) ,( أتيه ) , (أضرب ) , ثم بدأ البث و الشكوى , ولكنه لم ينس الأمل ولم يترك التفاؤل , وقد عول تفاؤله على أمرين
1- المجتمع نفسه , بشرط أن يكون صالح العقل ( الوعي ريحانها) , وصالح القلب ( والحب ذا شمع)
2- المصلح المنتظر , فيستنهضه بالطريقة التقليدية المتبعة , و يشكو إليه أحوال البلاد و العباد.
ثم يعدد ما يستدعينا لاستنهاضه و طلب خروجه ( الشوق ذو حرقة) , ( الفسق منتشر) , ( الناس في ضنك ).
و في الأبيات الأخيرة يندفع الشاعر إلى التعبير عن عميق الولاء لأهل البيت , و هو بهذا لا يختلف عن طبعه و عادته في اختتام قصائده بذكرهم و مدحهم أو التمرغ على بابهم ولكن هنا – في هذه القصيدة خصوصاً – كأنه بذكرهم و مخاطبتهم ينبه الجميع و يذكرهم بالرابط المشترك و السفينة التي تضم كل الشيعة لتنقذهم مما هم فيه من التنافر.
11 / ربيع الآخر / 1429هـ