الموكب الشيرازي وحقيقة سامراء
يتحرك الرأي العام بتحريك من الوسائل الدعائية والإعلامية وكل صدىً خطابياً كان أم كتابياً يسعى لإثارة قضية إيجاباً أو تعتيمها ببث كل ما هو مناهض للحقيقة أو السكوت عنها حتى تُقبر في وجدان كل من تمثل له شيئاً على مستواه الشخصي أو الأممي، وما نشاهده اليوم من بانوراما الأحداث حول العالم يمر كله عبره القنوات الإعلامية المسموعة والمرئية والمكتوبة. فالسياسات الدولية والمطالبات الحقوقية تُنشر عبر تسخير المنظومة الإعلامية لتعزيز منطلقاتها ومتبنياتها الفكرية والسياسية، بل تعدى الإعلام رؤوس السلطة ليقدم وجبة إعلامية يمتلكها العامة من الناس من خارج مواقع القرار لإيصال رسالة إعلامية يؤمَن بأحقيتها وجدوائيتها لتقوم الأقليات وأصحاب الحقوق بالمطالبة بحقوقها ونشرها عبر أثير الفضاء للإفصاح للرأي العام عن حق من حقوقها.
لم تكن القنوات الشيعية بعيدة عن ذلك الهدف الإعلامي في نشر الرسائل الموجهة لمن يعيشون حالة من الانفصال عن الواقع الشيعي، فقد طالعتنا قناة الأنوار الفضائية بتقرير مصور عن الزيارة التي قام بها أكثر من مائة وخمسين زائر من مدينة كربلاء والشطرة عبر ممثلية آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي بكربلاء المقدسة وبإيعاز مباشر من سماحته منتصف شهر مارس الماضي في ذكرى شهادة الإمام الحسن العسكري إلى الروضة العسكرية المطهرة بسامراء للوقوف على حقيقة اعمار المرقدين، إلا أن التصوير يظهر عدم وجود جدية في أعمال البناء حيث الأنقاض كما هي والأضرار لم يُعمل على ترميمها، وقد كنت متابع في الفترة الماضية لأخبار الوفد بشكل مكثف والتحركات السياسية والإعلامية التي قام بها بدءَ من مخاطبة رئيس جمهورية العراق ورئيس وزراءه ورئيس وأعضاء مجلس النواب وقوفاً على أخبار الاعتصام الذي أقيم في ساحة مابين الحرمين والذي دعت له حوزة كربلاء المقدسة وشاركهم الحدث مظاهرة خرجت من جامعة أهل البيت في كربلاء.
- الحقيقة في سامراء
العديد من الصور والتقارير التي أصدرتها اللجنة المسئولة عن اعمار مرقدي العسكريين بسامراء لا تدل بتاتاً على وجود نية حقيقة جادة لإعادة بناء المرقدين في الفترة التي تبجحوا بها وهي فترة أقل من عام واحد مضى منها 3 أشهر على أقل تقدير، حيث تظهر الصور أقل من خمسة عشر عاملاً تركياً وبأدوات بدائية جداً يظهرون بها لكنس باحة الحرم بخجل مصطنع أمام عدسة الكاميرا جائت بهم منظمة اليونيسكو المخولة بعملية الاعمار بعد أن فشلت الحكومة في حلحلة النزاع بين الوقفين الشيعي والسني حول أي الوقفين أحق بإدارة المرقدين الذين دخلا العام الثالث ولما يعمروا ، إلا أن التقرير المصور الذي بثته قناة الأنوار بعد أشهر من عمليات الفرز والتنظيف أظهر زيف كل التقارير والصور والإدعاءات القائلة بأن عملية البناء تسير بالشكل الصحيح، ويُظهر أنها تطمينات خاوية المصداقية لا يهدف منها سوى الإثارة الإعلامية وذر الرماد في العيون.
وبقراءة سريعة للتقرير نجد مدى حالة العزلة التي أصابت سامراء ومدى ترقب السكان لزيارة المدينة المنكوبة لإعادة الحياة لها كما يظهر من ترحيب نائب محافظ صلاح الدين، إضافة لشلل الحركة في المدينة وعدم استقرارها أمنياً حيث يرافق حافلات الموكب الشيرازي عدد لا بأس به من القوات الأمنية من الجيش والشرطة لا يدل إلا على مدى الخطر الأمني في طريق سامراء، حيث لا يسمح بالزيارة ودخول سامراء إلا من خلال تصريح من رئاسة الوزراء، مضافاً إلى ضنك العيش الذي حل بالمدينة، حيث تشير التحليلات السياسية والاقتصادية إلى التدهور الاقتصادي الذي حلّ نتيجة تردي الوضع الأمني وانصراف أنظار العراقيين والزائرين جبراً عن سامراء في المناسبات الدينية على عكس الحال في كربلاء والنجف والكاظمية.
وهنا أتساءل: هل يصعب على رئاسة الوزراء العراقية تأمين المدينة والبدء الجدي في أعمال الاعمار أم يراد أن تبقى سامراء بقيعاً ثانية إلا من بعض البناء المتهدم والصخور المتناثرة؟ إذا كان الأمر كذلك فاليفسح المجال للجان الأهلية وعامة الجمهور للتصرف بالكيفية التي يرون من أجل إعادة البناء والتوسعة إلى الزيارة في مثل هذه الظروف، فلم تحد إزالة قباب البقيع من زيارة الناس للأئمة وقصدهم، الأمر ذاته مع أعمال القتل والتفجيرات في العراق التي لم تثني الزائرين من تعني المقصد.
- دورنا في القضية
في الوقت الذي أشيد فيه بالتحرك الإعلامي من قبل مرجعية السيد الشيرازي "دام ظله" في القضية وبالزيارة السباقة مع بدء ما يسمى بأعمال الاعمار و تخصيص أسبوع سامراء على القنوات الشيعية إلى مخاطبة المسئولين في العراق وطباعة البوسترات الإعلامية والتوجيهات السديدة والخطب التي تحرك الجمهور أشيد أيضاً بمبادرة آية الله العظمى السيد السيستاني حفظه الله الأسبوع الماضي والتي من خلالها "زار وفد يمثل المرجعيةَ الدينيةَ في النجفِ الأشرف الروضةَ المطهرةَ للإمامين العسكريين عليهما السلام للاطلاع على سير عمليِة اعمار الروضة المقدسة. الوفد الذي ضم في عضويته كلاً من الدكتور محمد علي الشهرستاني والسيد نائل الموسوي انتقد البطء الذي تسير فيه عملية الاعمار على الرغم من تحسنِ الوضع الأمني في مدينة سامراء" (1). كما كان لمرجعية آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي حفظه الله زعيم حزب الفضيلة الإسلامي بالعراق مبادرة مماثلة نتمنى أن تصب جميعها للضغط على المسئولين لتسريع وتيرة الاعمار وتأمين طريق سامراء للزوار.
ولم تكن المرجعيات وحدها هي المطالبة بالتحرك وإنقاذ ما تبقى وما يمكن انقاذه وإعادة الوضع كما كان بل بأفضل مما كان عليه، بل يلزم على جميع الكتاب والصحفيين والإعلاميين والخطباء والرواديد والشعراء والمهتمين بالأدب والمتنفذين في السلطات والوجهاء والأعيان بالتحرك كلٌ والموقع الذي يحتله فليس المال وحده المطلب الأساس لدعم القضية، وإنما حتى إثارة الشارع العالمي وتحريكه ليكون شريكاً معنا في الضغط والمطالبة، فيقوم الكتاب والإعلاميون في سيل مقالاتهم وتقاريرهم بالحديث عن القضية وإثارتها من زوايا مختلفة مع المحاولة الجادة لإيصال صوت الحدث إلى الإعلام العربي والعالمي، وكذا الدور ذاته مناط بالخطباء والشعراء والرواديد في إيقاض ضمائر الناس في ما يتوافق من مناسبات دينية من المنبر إلى مواكب العزاء.
بل وأكثر من ذلك، يجب علينا إيصال الصوت عالياً إلى مراكز اتخاذ القرار في العالم كالأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية العالمية والحديث للإعلام الغربي بمختلف اللغات وترجمة بعض المقالات والخطابات لنشرها ضمن الصحافة الغربية.
إذاً كلنا يتحمل مسؤولية عظمى في قضية سامراء وبقاء المرقدين مهدومين مادمنا نمتلك من الامكانيات ما يجعلنا نحرك الرأي العام ونكون عناصر مؤثرة في مخاض الضغط على جميع المسؤولين داخل وخارج العراق ما يجعلهم في موقف مخجل قد يفقدهم – وبالذات الحكومة العراقية- المصداقية أمام العالم مالم يتحركوا سريعاً.