شهوة إبليس

التكبر هو حالة من الإعجاب بالنفس والتعاظم على الغير بالقول أو بالفعل وهو من أخطر الأمراض الخُلقية, وأشدها فتكا بالإنسان وادعاها إلى مقت الناس له ونفرتهم منه, فقد أشار له تعالى بالقول:﴿ ولا تصغر خدك للناس * ولا تمش في الأرض مرحا * إن الله لا يحب كل مختال فخور (1). وهو أول ذنب عصي به الله تعالى في السماء قبل الأرض يوم أمر الله الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا إلا إبليس, قال تعالى ﴿فسجد الملائكة كلهم أجمعون* إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين(2).

وهذا الداء خطير على حياة الفرد والمجتمع , فأما على حياة الفرد أنه متى استبد أو تمكن التكبر من الإنسان وأحاط نفسه بهالة من الزهو والخيلاء وجن بحب الأنانية والظهور يكون مصيره التدهور النفسي والتحجر العقلي والقلبي, وأما على حياة المجتمع أنه متى أنتشر في المجتمع كانت العداوة والبغضاء هم الجميع وعكر صفو العلاقات الاجتماعية, فهو داء يشقى من يبتلي به ويجعله منفردا يعاني مرارة العزلة والوحشة ويشقى كذلك المرتبطين به, قال الإمام الصادق :" ما من رجل تكبر إلا لذلة وجدها في نفسه" (3).

  • أسبابه ودرجاته:

للتكبر أسباب عديدة منها مغالاة الإنسان في تقييم نفسه والإفراط في الإعجاب والزهو بها , فلا يتكبر إلا إذا حدث نفسه أنه صاحب علم وفير أو جاه عريض أو منصب رفيع أو غير ذلك من مثيرات الأنانية والتكبر، وقد ينشأ من بواعث الحسد والحقد والعداء أو المباهاة مما يجعل المتصف به يبخس حقوق الناس ويطأ كرامتهم ويتطاول عليهم بقول أو فعل، وتتفاوت درجات التكبر بتفاوت أغراضه شدة وضعفا:

الدرجة الأولى: هي التي كمن التكبر في صاحبها , فعالجه بالتواضع ولم يظهر عليه.
الدرجة الثانية: هي التي نما التكبر فيها وتجلت أعراضه بالاستعلاء على الناس والتقدم عليهم في كل شيء والتبختر أمامهم .
الدرجة الثالثة: هي التي طغى التكبر فيها وتعاظمت مضاعفاته , فجن صاحبها بجنون العظمة والغطرسة وأفرط في حب الجاه والظهور, وهذه من أسوأ درجات التكبر وأشدها, قال الإمام الصادق: " إن في جهنم لواديا للمتكبرين يقال له سقر؛ شكى إلى الله -عز وجل - شدة حره , وسأله أن يأذن له أن يتنفس, فتنفس فأحرق جهنم" (4).

  • أنواعه وطريقة العلاج:

       أما أنواعه فهي ثلاثة أنواع:

النوع الأول: التكبر على الله تعالى: وذلك بالامتناع عن الإيمان به , والاستكبار على طاعته وعبادته, وهو أفحش أنواع الكفر وأبشع أنواع التكبر كما كان عليه فرعون ونمرود وإضرابهما ومن قبلهما أستاذهما إبليس اللعين.

النوع الثاني: التكبر على الأنبياء والمرسلين والأئمة عليهم السلام: وذلك بعدم تصديقهم والإذعان لهم , وهو دون الأول وقريب منه.

النوع الثالث: التكبر على الناس : وذلك بازدرائهم والتعالي عليهم بالقول والفعل, ويدخل ضمن هذا النوع العلماء المخلصين ,بالترفع عن مسائلتهم والانتفاع بعلومهم وإرشاداتهم , مما يفضي بالمستكبر إلى الخسران والجهل لحقائق دينه ودنياه، ومادمنا تعرضنا لهذه الظاهرة فلابد لها من علاج, كالتالي :


أولاً: أن يراقب المتكبر الله سبحانه وتعالى في سره وعلانيته,ويعرف واقعة وما يتصف به من ضعف وعجز, فأوله نطفة قذرة وآخره جيفة منتنة, يرهقه الجوع والعطش ويعتريه السقم والمرض  ويدركه الموت والبلى وهو لا يقوى على جلب منفعة ودفع مضرة عنه, قال تعالى:﴿ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين(5).

ثانياً: أن يتذكر مآثر التواضع ومحاسنه ومساوئ التكبر وآثامه وعواقبه, روي عن الإمام زين العابدين أنه قال:"من قال استغفر الله وأتوب إليه فليس بمتكبر ولا جبار.." (6). 
ثالثاً: أن يروض نفسه على التواضع والتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام,قال تعالى : ﴿ وإنك لعلى خلق عظيم (7).
رابعاً: أن يتفادى المتكبر العناد والمكابرة في الجدال والنقاش إذا كان الآخر على صواب قال تعالى:﴿إن الله لا يحب المستكبرين (8).
خامساً: أن يخالط الفقراء والبؤساء والمساكين, بالأكل معهم وبإجابة دعوتهم ,قال رسول الله : "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر" (9).

ولا يسعني إلا أن أقول في ختام حديثي عن الموضوع وبكلمات مختصرة.. : رحم الله امرأ عرف قدر نفسه.

(1)سورة لقمان:18
(2)سورة ص: 74
(3)الكافي، ج3: ص150
(4)الكافي، ج2: ص234
(5)سورة القصص :83
(6)البحار ج93 ص277.
(7)سورة القلم: 4
(8)سورة النحل: 23
(9)جامع السعادات ج1 ص346