حديث واحد يكفي
ابتلي مذهب أهل البيت بالإقصاء من الساحة منذ زمن بعيد، فقد تم حصر المذاهب الإسلامية في أربعة بقرار رسمي من الخليفة العباسي القادر بالله. وتسبب ذلك في جعل أتباع هذا المذهب ينشغلون كثيرا في محاولة إقناع الآخرين بشرعية مذهبهم، وقد نتج عن هذا الانشغال تراثا كلاميا وجدليا ضخما تناول مختلف المسائل محل الخلاف من اعتقادية وفقهية وتاريخية وغيرها.
وللأسف فإن تلك السجالات لم تؤتِ ثمارها كما ينبغي، حيث ظل المذهب الإمامي أو الجعفري بتعبير آخر غير معترف به إلا في دوائر ضيقة، ولم يجرؤ أحد من علماء المذاهب الأخرى على الخروج عن السياق وإعلان رأي فتوائي بشرعية مذهب أهل البيت سوى ما خرج عن العالم الأزهري الشجاع الشيخ محمود شلتوت ( 1893-1963م ) والذي نصت فتواه على جواز التعبد بمذهب أهل البيت 
والتي مثلت وثيقة تاريخية لا زال أتباع مذهب أهل البيت يعتزون بها ويذكرونها في كل مناسبة.
- والسؤال: لماذا بقي هذا المذهب مبعدا بفكره وفقهه وتراثه وإنتاجه عن كتب المدارس وأروقة الجامعات وعن قاعات المحاكم وعن وسائل الإعلام وعن..، وعن...؟
- الجواب: إنه كما كان قرار الإقصاء سياسيا، فإن الاستمرار في هذه الحالة مرتبط بالقرار السياسي، وفي حالة غياب الإرادة السياسية سيبقى الوضع على ما هو عليه دون أن يُسمح للمتضرر باللجوء للقضاء.
هذا أولا، وثانيا فقد تكرست مع مرور الوقت قناعات أخذت في الترسخ شيئا فشيئا حتى أصبحت جزءا من البنية الفكرية السائدة، وأصبح الخروج عليها والانسلاخ منها خروجا عن النسق، وهو أمر لا يستطيعه كل أحد، بل لا يقدم عليه إلا من وطن نفسه على الإذعان للحق، وقليل ما هم.
ألم يشكل هذا السلوك الجمعي أكبر العقبات في طريق قبول الرسالات السماوية:
﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ﴾ (22) سورة الزخرف
أقول: لقد كان حريا بكل مسلم أن يقف عند الحديث الذي سنذكره بعد قليل وقفة متأمل ومتسائل: أين أنا من هذا الحديث؟! هل عملت به أم لم أعمل؟! وإذا لم أعمل به فماذا سيكون مصيري؟!
إن المسألة في غاية الجد لأنها مرتبطة بمستقبل الإنسان الأخروي حيث لا ينفعه هناك سوى القلب السليم الذي سلم من العناد والمكابرة، وأسلم وجهه لله ممتثلا ما أراده مبتغيا مرضاته.
وكما أشار القرآن الكريم إلى أهمية التفكير المنفرد أو الثنائي بعيدا عن ضغوط العقل الجمعي في الوصول إلى الحقيقة حيث قال:
﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ (46) سورة سبأ
فإنني أطلب من كل واحد أن يفكر بينه وبين نفسه في هذا الحديث ليرى موقعه من الإعراب.
الحديث الذي أعنيه هو المعروف بحديث الثقلين، ونأتي هنا بنموذجين من صيغ هذا الحديث حيث ورد بألفاظ متقاربة في كثير من الروايات:
- النموذج الأول:
ما أخرجه مسلم بإسناده عن زيد بن أرقم قال :
« قام رسول الله ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ يوماً فينا خطيباً بماءٍ يدعى خماً بين مكّة والمدينة ، فمحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثم قال : أما بعد ألا يا أيّها الناس فإنما أنا بشر يوشك أنْ يأتي رسول ربي فاُجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين ، أوّلهما كتاب الله فيه الهُدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ... »
- النموذج الثاني:
ما أخرجه أحمد بإسناده عن زيد بن ثابت قال :
« قال رسول الله ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السّماء والأرض ، أو ما بين السماء الى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض »
وقد صحح هذا الحديث جمع من أعلام أهل السنة ، منهم الحاكم النيسابوري في المستدرك ، والذهبي في التلخيص ، والسيوطي في الجامع الصغير ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وصحيح الجامع الصغير ، وحسنه الترمذي في سننه ، وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة ، وابن كثير في البداية والنهاية وتفسير القرآن العظيم.
قال ابن حجر في الصواعق المحرقة : ومن ثم صح أنه صلى الله عليه وسلم قال : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي .
قد ندخل الآن – كمسلمين – في جدال لا ينتهي حول مدلول هذا الحديث، ولكن ليسأل كل عاقل نفسه: أين روايات أهل البيت وعلومهم في كتب الصحاح؟ أين فقه أهل البيت في كتب الفقه المدرسية وغير المدرسية عند أتباع المذاهب الأربعة؟ لماذا لا يروي الإمام البخاري رواية واحدة عن الإمام الحسن 
أو الإمام جعفر الصادق ؟ أين التمسك بالكتاب والعترة التي لا تفارق القرآن أبدا حسب نص الحديث الشريف؟
أسئلة كثيرة ربما تراوغ الإجابات عنها يمينا وشمالا، ولكن هذا لن ينفع أبدا إذا وقع الإنسان في الضلال لأنه لم يتمسك بما يعصمه من الضلال: الكتاب والعترة.
ليسأل الإنسان نفسه: كيف سأجيب ربي غدا إذا سألني: هل تمسكت بأهل البيت أم لا؟
