لماذا ندعو لتكريم الشهيد السيد حسن الشيرازي؟
في اليوم الثاني من شهر آيار عام 1980 استشهد السيد حسن الشيرازي في مدينة بيروت عندما اطلق عليه النار بغزارة من قبل مجموعة قدمت من بغداد وبأوامر من الطاغية صدام لاغتياله عندما كان سائرا لحضور فاتحة الشهيد السيد محمد باقر الصدر الذي اعدم قبل ايام من حادثة الاغتيال.
واليوم وبعد مضي 28 عاما على استشهاد السيد حسن الشيرازي يتساءل البعض في العراق عن سبب عدم الاهتمام بالعلماء والمثقفين والأدباء رغم انهم يحملون على أكتافهم مسؤولية النهوض بالمستوى الثقافي والفكري لأبناء المجتمع..ففي حياتهم يعيشون مهمشين مبعدين، وبعد مماتهم منسيين. وبالخصوص السيد حسن الشيرازي الذي اطلق اشارة المعارضة الاولى في مواجهة الحزب البعثي الشمولي عام 1963 بشعره المعروف وفضحه لهذا الحزب.
فقد كان الشهيد الشيرازي مفكرا وعالم دين واديبا وأحد خريجي الحوزة العلمية وكانت مهمته الأولى التبليغ الديني ونشر التعاليم الإسلامية بين أبناء المجتمع، متخذاً الرؤية الحضارية السبيل لأداء مهمته، فعكف ومنذ نعومة قلمه على تأليف الكتب والمقالات ضمن مشروع ثقافي نهضوي متجدد رائد قاده شقيقه الأمام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي – طاب ثراه- فكانت البداية في مجلة (الأخلاق والآداب) وهي أول مجلة صدرت في كربلاء أواخر الخمسينات، ثم توالت مؤلفاته في مختلف المجالات مثل (التوجيه الديني) وكتاب (الاقتصاد) وموسوعة الكلمة، وتبدأ من (كلمة الله) ثم (كلمة الإسلام) ثم تضم السلسلة المعصومين الأربعة عشر، علاوة على ذلك كان الشهيد أديبا مبدعا جاد بأطروحة رائدة في الأدب الإنساني الهادف في كتابه (العمل الأدبي) حيث وضع أسس هذا العمل في تجربة الشعور وقيمته وتجربة التعبير وقيمته، للوصول إلى علاقة سليمة بين الشاعر أو القاص وبين القارئ..
وفوق كل ذلك كان ثائراً على الظلم والطغيان والانحراف، غيوراً على الدين والقيم الأخلاقية، وخلال هذه المسيرة الحافلة بالعطاء وأيضا بالتحدي الصارخ للحاكمين لم يطلب مقابلاًَََ، وكان يحتسب ما يلاقيه من تعذيب وحشي في سجون البعث منذ أول اعتقال له عام 1970 عند الله تعالى، بل أن التهميش والإقصاء لاحقه حتى بعد (استشهاده) مماته.
ويذكرنا الشهيد حسن الشيرازي في مواقفه وسيرة حياته بالصحابي الجليل الأكثر قرباً من رسول الله أبى ذر الغفاري (رضوان الله عليه) الذي ثبت مواقف بطولية مضيئة في التاريخ، وفيها مواجهاته الشجاعة أمام سلاطين زمانه في مكة في بداية بزوغ فجر الدعوة الإسلامية وفي الشام والمدينة خلال فترة الخلافة وأينما حلّ وارتحل، وكان لا يتردد في دفع ثمن تصديه للباطل، حيث كان يسبق الجميع في الجهر بالدين الإسلامي أمام مشركي قريش فيوسعوه ضربا حتى يغمى عليه، لكنه لم يطلب مكافأة أو تعويض أو غير ذلك من النبي أو من الإمام علي ، فقلده الرسول الأكرم الوسام الخالد والدرس البليغ للأجيال حين قال في حقه: (ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء عن ذي لهجة اصدق من أبى ذر) و (يا أبا ذر تعيش وحدك وتموت وحدك وتحشر وحدك)..
فهل يا ترى كان أمثال أبو ذر جياعا أو مهمشين أو من الباحثين عن دور في الدروب المظلمة؟ إن سيرتهم في التاريخ تؤكد النفي، فقد عاشوا في كنف العزّ والتكريم وفي ظل احترام وتقدير مجتمعاتهم لأنهم كانوا يشكلون بالحقيقة ضمير الأمة، فيفلحون تارة في إيقاضه وإثارته فتهتز عروش الظالمين، وتارة أخرى يخفقون لأسباب كثيرة فيقعوا ضحايا القمع والتنكيل..
كان بإمكان الشهيد الشيرازي كأحد المثقفين المتدينين أن يطبق مقولة (تحقيق الذات) ويمارس حياته وعمله دون أن يعرض نفسه للمواجهة ومخاطر الموت خلال تحديه للأنظمة الفاسدة، لكنه حمل أمانة الإصلاح والتغير خشبةً على ظهره بانتظار من يشنقه عليها، وقالها بصوت عالٍ أمام الجميع في إحدى قصائده اللاهبة في مهرجان مولد الإمام علي في كربلاء:
وإعمل لتطبيق الكتاب مجاهداً إن العقيدة مصحف وحسامُ
واسحق جباه الملحدين مردداً لا السجن يرهبني ولا الإعدامُ
ذكر لي أحد طلبة الحوزة العلمية في سوريا بان الشهيد الشيرازي كان لا يمتلك حتى ثمن أجرة سيارة للتنقل من العاصمة إلى منطقة السيدة زينب – وهي مقولة نسمعها اليوم من الكثير- لكن نفس الشهيد الشيرازي نراه يؤسس ويشيد حوزة علمية ضخمة في هذه المنطقة باسم (الحوزة الزينبية) وهي أول حوزة علمية للشيعة في سوريا.. اصبحت اليوم منار شامخا للباحثين عن العلم والثقافة ومستقرا آمنا للملايين الباحثين عن السلام والامن.
ان الشهيد الشيرازي عندما كان يخوض الكفاح المرير لإعادة الثقة بالنظام الإسلامي وكشف زيف الأنظمة القمعية فانه كان يطمح لان يصل الإنسان العراقي والإنسان المسلم في كل مكان إلى أرقى مستوى من العيش الكريم حيث لا فئوية ولا طبقية ولا حرمان ولا مصادرة للحريات ، لذا لم يدع الشهيد حقلا في الثقافة والمعرفة إلا وطرقه في مؤلفاته وأيضا تحركاته ونشاطاته داخل وخارج العراق حتى لا يكون منتقدا وحسب، فكتب في الاقتصاد والسياسة والمجتمع وأرسى دعائم التنظيم السياسي القائم على الشرعية الدينية، ليثبت للعراقيين وللعالم بان الإسلام حقاً هو الدين الأفضل والحل الأمثل لكل أزمات ومشكلات الإنسان..
ولعل اقتران ذكرى استشهاده بذكرى أليمة أخرى هي استشهاد المفكر الإسلامي آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر، يكون دليلا على التماثل في تحمل المسؤولية والتضحية لنصرة الدين، فقد أقام الشهيد الشيرازي مجلسا تأبينيا للشهيد في بيروت بمناسبة استشهاده ، هذا التلاقي في الرؤية والموقف تُوج بالشهادة حيث حاصر عدد من المسلحين المأجورين سيارة الأجرة ورشقوا الشهيد بوابل من الرصاص ليقضي صابرا محتسبا إلى الله وشهيدا على الانحراف والظلم والتزييف.
وإذا انتقلنا إلى الواقع الموجود نفاجأ بأننا ما زلنا عند النقطة التي انطلق منها الشهيد الشيرازي قبل أكثر من أربعين عاماً.. وبات من الطبيعي والمستساغ في كربلاء المقدسة وبعد خمس سنوات على سقوط الطاغية وانفتاح العراق على التجارب والأفكار متمتعاً بأقصى درجات الحرية، أن نجد التكريم المناسب لهذا الشهيد العظيم، لكننا نجد ان الشهيد الشيرازي قد ناله التهميش في مماته مثلما ناله التهجير في حياته.
أن أجهزة الدولة الفتية مدعوّة أيضاً وهي تحمل طموحات وآمال الشعب العراقي، إلى إعادة النظر في تعاملها مع العلم والعلماء ومع الثقافة والمثقفين، وعندما نتحدث عن الشهيد الشيرازي فإنما نبغي الثقافة والفكر الأصيل الذي حمله وضحى من أجله، وذلك بتأسيس وإنشاء مراكز أو مؤسسات تعنى برعاية الثقافة والإبداع، فان احترام العلم واحترام الثقافة والفكر هو افضل تكريم نقدمه للشهيد الشيرازي والعلماء والمفكرين والمثقفين.
وقد قال تعالى عزوجل: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ..﴾.