مسلسل سائح شيعي ( 1 )

مسلسل سائح شيعي ( 1 )

يعمد البشر إلى كسر حاجز الروتين والحياة اليومية عبر فترة نقاهة واستجمام يقصدون فيها السفر إلى إحدى الدول التي يخططون لزيارتها في نهاية كل عام ، وتعتبر السياحة بمختلف أنواعها وتوجهاتها مطلب مهم لدى المجتمعات الخليجية ، لكن تبقى هذه السياحة مرهونة بضوابط دينية واجتماعية واقتصادية ، بالإضافة إلى ظروف أمنية وزمنية تفرض عليهم السفر في أشهر محددة كفترة المواسم العبادية والإجازات الرسمية والصيفية للمدارس والجامعات والتوجه إلى بلدان بعينها دون غيرها .

وتعتبر السياحة الدينية في المجتمعات الشيعية -خصوصاً الخليجية منها من أكثر أنواع السياحة انتشاراً فيما بينهم لكن الملاحظ أن الشريحة الكبرى من هؤلاء المسافرين هم من طبقة متوسطي الدخل -خاصة في دول كالسعودية والبحرين ، لذلك يعمد هؤلاء إلى إدخار جزء من رواتبهم ومدخراتهم المالية كمصروفات لسفرهم وإقامتهم في نهاية كل عام .
 فمعظم المسافرين والزوار من الطائفة الشيعية في الخليج يتوجهون لزيارة العتبات المقدسة في عدد من الدول العربية والإسلامية المجاورة ، لما يمثله ذلك من معتقد ديني يحفزهم على زيارة تلك الأماكن ، وبما يحملونه من اعتقاد فيما يحصل عليه الزائر من الأجر والثواب جراء عمله وزيارته ، لذلك يمر السائح الشيعي وتحديداً -الخليجي في سياحته الدينية بسيناريو لمسلسل درامي يتكرر كل عام يمكن استعراضه في عدة نقاط. 

• انعدام ثقافة السفر والمسافر

يغيب عن كثير من الزائرين والمسافرين ثقافة السفر والمسافر ، فمعظمهم يبني غاية سفره بناء على ميول نفسية أو تحقيقاً لرغبات أفراد أسرته دون مراعاة للمتطلبات الأخرى التي يمكن أن تلعب دوراً هاماً في تحديد آلية وطريقة  سفره ، وهذا مايلحظه المتابعون عند أرباب الأسر المسافرة التي تغلب عليهم صفة البساطة -إن صح التعبير ، فهم أكثر عرضة من غيرهم  للاستغلال والتحايل ويتعرضون معها لكثير من العراقيل والصعاب والقضايا التي لاحصر لها .

من هنا كان لابد على كل سائح ومسافر أن يتعلم شيئاً يسيراً من ثقافة الأسفار التي تبدأ من مرحلة التخطيط قبل السفر بفترة زمنية كافية ، ثم باختيار الدولة التي سيسافر إليها -بعد جمع المعلومات عنها والقوانين السائدة فيها وعن الأماكن والمدن التي سيتوجه إليها ، وتحديد نوعية المواصلات والسكن ومدة الإقامة وما إلى ذلك من جوانب ومتطلبات السفر المختلفة ، ثم يرصد ميزانية مالية لتحديد مصروفات وكلفة سفره ، ويقارنها بمدى ملاءمتها لظروفه المالية والأسرية ، خاصة في وقتنا الراهن المتسم بغلاء وارتفاع الأسعار في معظم دول العالم .  

لذلك على الراغب في السفر أن يضع إستراتيجية واضحة لسفره يراعي فيها ارتفاع نسبة التضخم والظروف المحيطة به ، لكي يستطيع أن يوازن بين تخطيط بعيد الأمد ( التخطيط المالي ) كإنشاء مسكن وأمور حياتية أساسية ،  وبين تخطيط آني يرغب فيه السفر إلى إحدى الدول ، وهذا ماجعل البعض  وللأسف الشديد يسعى لتحقيق رغبته في السفر كل عام دون تخطيط ، حتى لو اضطر معها أن يثقل نفسه بالديون المتراكمة ،  فيكون عرضة لملاحقة الدائنين في كل مكان  !! .

• سوريا وإيران والمدنية المنورة مثالاً 

وحتى ندرك أهمية ثقافة السفر للمسافر سنتحدث عن ثلاثة أمثلة من أرض الواقع ،  الأول : يجهل كثير من المسافرين طبيعة ونوعية المجتمعات التي سيسافر إليها ، فبعض تلك المجتمعات لاتضع احتراماً للمسافر ولا لإنسانيته ،  و لاتعير اهتمام لقدسية الأماكن المقدسة ، ولكي يكون المثال أكثر وضوحاً يكفي أن يلقي المسافر بنظرة قصيرة أمام مرقد السيدة زينب  بدمشق ليشاهد بأم عينه مسلسل الإهانة والانتهاك لحرمة وقدسية ذلك المكان ، فصوت الغناء الذي يرتفع صباحاً ومساء أمام البوابة الرئيسية للمرقد هو الشاهد الحي على مانقوله ، والعجيب لايحلو لهؤلاء بيع أشرطتهم الغنائية إلا أمام المرقد وخصوصاً بعد صلاة الفجر !! .

 بالإضافة إلى أكوام مكومة من القاذورات والقمامات التي تحيط بالمرقد الشريف ، ناهيك عن باقي الأمور والمناظر الأخرى التي يعف اللسان عن ذكرها ، وهي مجتمعات ويا للأسف الشديد -ممن يتسمون بالإسلام ، بينما نجد صورة نقيض لها في بلاد الغرب حيث تضفي مجتمعاتهم صفة الاحترام والقدسية لأماكن العبادة كالكنائس والمعابد والمساجد والرموز الدينية ، لذلك قال الغزالي حينما سئل عن رحلته إلى أوروبا ": رأيت إسلاماً بلا مسلمين هناك ، ورأيت هنا مسلمين بلا إسلام " !! . 

أما المثال الثاني : الذي يدل على ضحالة الثقافة لدى المسافرين أن كثيراً منهم كان – وإلى عهد قريب يحمل صورة ملائكية عن المجتمع الإيراني ، لكنهم يفاجأون بواقع مغاير -بعد سفرهم لما رسموه في مخيلتهم عن تلك المجتمعات ، لأن المجتمع الإيراني مجتمع مثله مثل أي مجتمع آخر فيه من الخير والشر والجيد والرديء.

أما المثال الثالث والأخير هو : عند السفر لزيارة النبي محمد  في المدينة المنورة حيث يغلب عليها الجو الديني السلفي المتشدد الذي لايسمح بممارسات دينية معينة -لأنها من وجهة نظرهم من الأمور الموجبة للشرك والغلو في مكانة النبي  وأهل البيت  ، ولكننا نجد أن بعض الزوار يصر على ممارستها والإتيان بها دون مراعاة للظروف المحيطة به.
 وكم من المواقف التي يستغلها مايعرف برجال الهيئة لكي يضيقوا على زوار المصطفى -وخصوصاً من الطائفة الشيعية ، بسبب ممارسة معتقد ديني يخالف معتقداتهم السلفية ويكون حجة لإيقافهم ومساءلتهم ، لذلك كان من الواجب على الزوار –  قدر إمكانهم أن يؤدوا مراسم عبادتهم وزيارتهم بقدر ماتسمح به الظروف ، وأن لايعطوا لهؤلاء فرصة لمناقشتهم أو الدخول معهم في جدال ديني عقيم لاجدوى منه .

لذلك تبقى ثقافة السائح والمسافر هي المحك والمعضلة الحقيقية التي تواجه أغلب الزائرين والسائحين الخليجيين لكي لا يقعوا فريسة سهلة للمستغلين والمتصيدين.

• استغلال الحملات والمكاتب السياحية  

الفصل الأول من سيناريو هذا المسلسل -كما قلنا إن ثقافة السفر والمسافر غائبة عن أذهان شريحة من المسافرين الخليجيين لدرجة يجهل معها كيفية التهيئة والتخطيط وتوفير أبسط المتطلبات الأساسية لسفره ، خاصة عند سفرهم إلى بلدان تختلف تقاليدها وأعرافها ولغاتها عن ماهو سائد في مجتمعاتنا وبلداننا  .

 ومع كثرة الحملات والمكاتب السياحية التي أطلقت بدورها حملات دعائية تنافسية مزركشة بعروض موسمية تأخذ المسافر في برنامج سياحي خيالي من شقق فخمة ( فايف ستار ) وما إلى ذلك من المواصفات الراقية التي يقرؤها في كثير من الإعلانات ، لذلك التحقت شريحة كبيرة من هؤلاء الزائرين والمسافرين بهذه المكاتب والحملات . 

لكن كثير منهم وقع ضحية جشع واستغلال المكاتب والحملات السياحية -خاصة تلك المكاتب التي أخذت سجلاً سياحياً لتجمع المال وتتاجر باسم الزيارة والسياحة ، ومع ذلك لاننكر وجود مكاتب لديها مصداقية فيما تطرح من عروض سياحية . 

فبعض السائحين والزوار تفاجئوا ببرنامج مغاير عن البرنامج الذي اتفق عليه مسبقاً ، أو بإلغاء برنامج معين من الرحلة ، أو تعطيل في المطارات والجمارك ، أو تغيير لسير الرحلة ........ والبقية تأتي ،  وهذا ليس كلام مصفف ، بل واقع ملموس عاشه كثير من الزائرين والسائحين ،  ولعل آلاف القصص والحوادث التي يتناقلها الناس عن استغلال وتلاعب أصحاب الحملات والمكاتب السياحية لهي أكبر دليل على صحة كلامنا .

ولكي نرسم الابتسامة على وجه قارئنا الكريم ينقل لنا أحد المسافرين ، كيف أن صاحب حملة من الحملات من إحدى الدول الخليجية استغل مسافرين من عدة دول بعد أن أخذ أموالهم قصد الزيارة ، لكنه المسافر الوحيد الذي لم يعطه كامل المبلغ قبل السفر ، ليتفاجأ الجميع بتعطلهم في المطارات لعدة أيام وبسوء المعاملة ورداءة المسكن والمأكل ، وكانت المفاجأة الكبرى تنتظر ذلك المسافر حينما فوجئ بضيف ( فأر ) يدخل عليه غرفته ليوقظه من نومه !! ، عندها قرر الانفصال عن الحملة وإعطاء صاحبها مصاريف مدة إقامته معه ، إلا أن صاحب الحملة أصر على دفع كامل المبلغ دون نقصان - بالرغم من عدم استحقاقه له،  وبعد نقاش واحتدام طويل ، قال المسافر لصاحب الحملة : أتق الله ، فأنت محاسب أمام الله عز وجل ، والإمام الذي استغليت اسمه لكي تجمع المال من هؤلاء الزائرين ، فما كان جواب صاحب الحملة إلا أن قال : ادفع المبلغ كاملاً ، ودع الله يحاسبني ، وأنا والإمام نتفاهم . !! . 

نكمل سيناريو مسلسل سائح شيعي في المقال القادم بمشيئة الله