النجاح في مواجهة الصعاب.. من دروس عاشوراء
غير متناهية تلك الدروس التي نستخلصها من ملحمة سيد الشهداء الإمام الحسين، فلا تزال العقول تنبهر كلما تدبرت في تلك الأنوار التي بان شعاعها من ثورة الحسين الخالدة، فلا تملك سوى أن تنحني أمام عظمة هذه الواقعة وتسبح بحمد ربها الذي أبدعها وأحكمها.
عندما نتأمل نصوص الطف وأحداث عاشوراء نلحظ أن هنالك كمًّا هائلاً من الإشارات العظيمة حول تحدي الصعاب ومواجتها بما يفوق ما تقدمه لنا كل تلك الكتب الإرشادية والتشجيعية نحو النجاح وتطوير القدرات والمهارات –مع أنه لا بأس بقراءة هذه الكتب-. فكيف تنجح في مواجهة الصعاب على ضوء عاشوراء؟
1. صلب إرادتك وقو عزيمتك (المواجهة النفسية):
عندما تعترضك المصاعب، فلا تتركها تعيق تقدمك نحو الهدف، بل أقدم على المواجهة ولا تستسلم من البداية. مهما كانت مهمتك صعبة ومعقدة، اعقد العزيمة وامض قدمًا. تفكر في الحسين وهو يهاجر بأسرته متخفيًا تحت جنح الظلام حين اطلَّع على الأمر بقتله إن لم ينحني ويبايع، تذكره في هجرته الثانية عن بيت الله الحرام عندما أبيح دمه فيه. انظر إلى مسلم ابن عقيل وهو يحث الخطى لينوب عن الحسين ويكون غريبًا ووحيدًا في قوم عهدهم وعرف غدرهم وخذلانهم منذ سنين. أنصت إلى علي الأكبر وهو يخاطب والده: "أوَ لسنا على الحق؟ قال: بلى، فقال: لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا". إذا عرفت هدفك وأيقنت به، فحث السير نحوه بغض النظر عن الثمن الذي يتطلبه.
2. اعرف نقاط الضعف والقوة:
عندما تصبح مستعدًا من الناحية النفسية للمواجهة، فأول شيء تفعله هو أن تعرف نقاط القوة والضعف لديك. اعمل على تقوية الأولى وسد الثغرات التي قد تجعلك أضعف أمام الهزاهز. هذا ما فعله الإمام الحسين مع أصحابه حيث عمل وعلى طول الطريق -بل حتى في ليلة العاشر نفسها- على تقوية إخلاص أصحابه الأوفياء والتخلص ممن تبعه طمعًا في المال والجاه. كان يصر ويكرر أن مصيره ومصير أتباعه هو الموت المحتوم وأنه قد أحلهم من بيعته إن أرادوا التراجع ، فكان الجمع يتقلص ويتقلص حتى بقيت تلك الصفوة الطيبة -روحي فداها- التي لم تزدها تلك الكلمات إلا عزمًا وإصرارًا حتى صاح رجالها: "والله لو علمت أني أقتل ثم أحيى ثم أحرق ثم أحيى ثم أحرق ثم أذرى يفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك".
3. تجاوز العوامل السلبية:
عندما لا يمكن التخلص من عامل سلبي معين، ابحث عن أفضل الطرق لتجاوز هذا العامل أو التقليل من أثره قدر الإمكان، ولا تجعله يحول بينك وبين هدفك أو يؤثر على أدائك كمًا أو كيفًا بشكل كبير. حوصر الإمام وصحبه في الصحراء، فمنع من مواصلة السير نحو الكوفة. تفاوض الإمام ليسير في طريق لا يوصله إلى الكوفة ولا إلى الشام، فنزل بكربلاء. كان معسكره مكشوفًا للأعداء من كل الجهات، فعمل على التخييم في موقع استراتيجي وحفر الخندق وإضرامه بالنار بحيث يواجه العدو من جهة واحدة فقط. وبالفعل نجحت هذه الخطة وصمد معسكر الإمام بشكل غير متوقع حتى بانت كثرة القتل في صفوف الأعداء. وهكذا هي نهضة عاشوراء مليئة بالصعوبات في كل ركن من أركانها، ولكن كان الحسينوصحبه يتحملونها في سبيل حفظ دين الله ويتجاوزونها، ومن هذه الصعوبات:
• عامل السن: لم تكن هنالك خلافات أو سوء فهم ناتجة عن الفارق في السن بينهم، فتوحد تحت راية الحسين الشيخ الطاعن في السن، والكهل، والشاب، والطفل الصغير. كذلك فإن كبر سن الكثير منهم لم يمنعهم من تقديم أفضل ما لديهم، فلقد وعظ بلسان بليغ وقاتل بسيف شديد بين يدي الحسين حبيب بن مظاهر الذي كان عمره 75 عاماً تقريبا، ومسلم بن عوسجة وكان شيخا كبير السن كذلك وغيرهما. وسيدتنا زينب أيضًا التي يخال من يسمع عن صبرها العظيم وجهادها الكبير وسعيها الحثيث في الميدان وما قبله وما بعده إلى أن وسدت لحدها أنها كانت في أوج شبابها وكامل قوتها البدنية، ولكنها قدمت ما قدمت وكان عمرها الشريف قرابة الـ 55 عامًا!! وعلى الجانب الآخر، كان القاسم بن الحسن شابًا حدثًا عندما صال في العسكر، وكانت السيدة فاطمة بنت الإمام الحسين شابة يافعة عندما خطبت في جموع أهالي الكوفة فأبكتهم وحركت ضميرهم الميت.
• العناد وعدم الإنصات: أكثر الإمام وصحبه المواعظ والخطب في القوم لعلهم يعقلون ولكنهم أصروا على القتال وصاروا لا ينصتون لكلامه ، بل وصاروا يثيرون الضجة والفوضى لقطع كلامه والتشويش عليه. تجاوز الحسين هذه العقبة عندما قربت منية طفله الرضيع، فحمل طفله إلى القوم. أدهش القوم هذا المشهد، وزلزلتهم كلمات سبط رسول الله، فأصغوا حتى رقَّ بعضهم عليه وظهر الخلاف بين صفوفهم.
• التطورات السلبية والسريعة: أحيانًا تتطور المشاكل بسرعة تكاد تخرج معها الأمور عن السيطرة، نحتاج عندئذ أن نتصرف بسرعة وحكمة ونبقي أنفسنا مركزين على الهدف رغم هذه التطورات. حينما قطعت يمين العباس لم يتوقف عن المجاهدة بل حمل السيف بشماله، وعندما قطعت شماله لم يقف موقف العاجز رغم صعوبة الموقف وشدة الألم، فضم الراية إلى صدره، وحمل القربة بفمه، ولكن الأعداء لم يمهلوه حتى يصل إلى المخيم. وعندما استشهد مسلم ابن عقيل وهاني بن عروة بالكوفة وفرض عليها الحصار بشكل مفاجئ، تمكن حبيب بن مظاهر الأسدي من انتظار الإمام واللحاق به في كربلاء رغم كل القوات التي أحكمت الطوق على الكوفة وملأت الطرق والبراري المؤدية لكربلاء. لم يتراجع حبيب رغم الحصار والسجن والقتل لشيعة الحسين، بل نقل أنه حرض بني أسد فخرجوا معه ودارت معركة مع المحاصرين وقع فيها قتلى وجرحى فعاد بعضهم ولحق بعضهم بالحسين.
• المرض والسبي"الإهانة": لقد تجاوز الإمام زين العابدين المرض الشديد عندما بقيت سيدتنا زينب لا تجد من يركبها على الناقة بعد أن أركبت الجميع، فأركبها على ركبتيه إذ لم يكن يتمكن من القيام. كما أدى الإمام دوره الجهادي رغم حاله العصيب في الكوفة حتى اشتاط ابن زياد غيظًا وسل السيف لقتله، وفي الشام كذلك حين أرغم يزيد على فك أسرهم خوفًا من ثورة أهلها مع الإمام.
ورغم السبي والتنكيل والحصار الإعلامي الشديد، ابتكر الإمام والسيدة زينب الطرق لإيصال صوت كربلاء إلى جماهير الأمة وشعوبها المختلفة، فهنالك هدف لابد من تحقيقه رغم كل الظروف السلبية.
4. فلتكن العلاقة طردية بين مستوى الصعوبات وبين العزيمة:
على العكس مما يفعله الكثير من الناس، فلتشتد عزيمتك كلما اشتدت المحنة وضاقت عليك السبل. فهذا أحد الرواة يصف الحسين: "والله ما رأيت مكثورًا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشًا منه، وإن الرجال كانت لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى".
نعم، فقد كان الإمام رغم مصائبه وصواباته ووحدته وظمئه شديدًا في وجه الأعداء حتى قال ابن سعد –لعنه الله-: " الويل لكم ، أتدرون من تبارزون؟ هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتال العرب"، بل وقيل أنه كلما زاد البلاء كان وجه الحسين يزداد تهللاً ونورًا .
كلما اشتدت عليك المصاعب، وتكالبت عليك الظروف، فتذكر وجه الحسين وتذكر عزيمة الحسين.
5. انظر لما بعد المحنة:
بعد أن تستفرغ جهدك في التخطيط والعمل، تفاءل وانظر للمستقبل، وإن كنت لم تتجاوز المحنة بعد فإن في ذلك دفعاً معنويًا كبيرًا نحو النجاح الفعلي.
كانت كلمات الحسين الوداعية والأخيرة للنساء والأطفال "استعدوا للبلاء واعلموا أن الله حاميكم وحافظكم، وسينجيكم من شر الأعداء، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير، ويعذب أعاديكم بأنواع العذاب، ويعوّضكم عن هذه البليّة بأنواع النعم والكرامة".
وكانت كلمات سيدتنا زينب لإمامنا السجاد عند الخروج من كربلاء" لا يجزعنك ما ترى فو الله.. أنهم يجمعون هذه الاعضاء المتفرقة فيوارونها و هذه الجسوم المضرجة و ينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره و لا يعفو رسمه على كرور الليالي و الأيام و ليجتهدن أئمة الكفر و أشياع الضلالة في محوه و تطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا و أمره إلا علوا".
وكانت كلماتها ليزيد " فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك الا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد".
كانت هذه رحلة قصيرة في أجواء الطف، استقرأنا نصوصها وتأملنا في أحداثها، لنستلهم من حماسها وإصرارها ما يكفينا لتحدي أشد الصعاب التي تحيط بحياتنا اليوم وتعيق تقدمنا وتجعلنا أمة وأفرادا يائسين ومحبطين، فطريق عاشوراء هو طريق تغيير الواقع ومواجهة الصعاب لتحقيق النجاح في الحياة الدنيا وفي الآخرة.