أمانة الكاذبين في عيون العقلاء
عندما يصل الإنسان إلى مرحلة متقدمة من الكذب على الآخرين في أحاديثه ومواقفه يصبح مشهوراً بهذه الصفة بينهم، ولذلك من يمتلك منهم ذرة من عقل ودين لا يمكن له أن يستأمن مثل هذه الشخصية المريضة، لأنه لا أمان لخائن عند العقلاء، وهل هناك خيانة أعظم من الكذب والافتراء وتغيير الحقائق؟!
إن عقلاء أي مجتمع يتحذرون من مثل هذه الشخصيات ومن تأمينهم والوثوق بهم على كلمة أو سر أو شيء ذي قيمة، سواءً كان في مسألة شخصية أو أسرية أو اجتماعية أو غيرها، لأن ذلك مدعاة للكثير من المشكلات والإحراجات والمظنة الكبيرة لإشاعة الأسرار، وتوقع الإنكار منه على فعله هذا؛ أو تبريره بالكذب ليتوارى به من سوء ما اقترف، فهو لا يتخذ أساليب الإصلاح فيما أفسد والاعتذار عما جناه على الآخرين، وإنما يزدد تزويراً وتعاظماً في الكذب.
إن من أعظم الخيانات التي يمكن أن يرتكبها الإنسان تجاه مجتمعه في قلبه وإخفاءه للحقائق البينة، وفي تعديه على حقوق الآخرين، وفي سوء التصرف فيما ائتمن عليه.
وهل هناك أعظم من أمانة الدين والعرض والمال؟!
نعم الإيمان والطاعة لله في رعاية خلقه ومراعاتهم في عرف الدين من أعظم الأمانات، يقول تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [1] ، فمن يضيع هذه الأمانة فهل له إيمان وأمان في عرف الدين والعقل؟
وقد جاء في الرواية عن أمير المؤمنين: (من لا إيمان له لا أمان له) [2] ، بل من أسباب ذهاب الإيمان هو الكذب كما جاء عن الإمام أبي جعفر: (إن الكذب هو خراب الإيمان) [3] .
فهل يصح بعد ذلك إن يتبع المؤمن من خرَّب إيمانه بكذبه؟! وهل يصح أن يودع عاقل بضاعته أو يؤمن حاجاته لمن لا يؤتمن عليها وعلى سرها؟ ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [4] .