قراءة في صلح الامام الحسن عليه السلام

شبكة مزن الثقافية
العلامة السيد جعفر النمر الصائغ


أعوذ بالله  من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله الدائمة على أعدائهم الي قيام  يوم الدين. 
 نعزي مولانا صاحب العصر والزمان (عج) بمناسبة استشهاد إمامنا وسيدنا الحسن ابن علي عليهما السلام رابع أصحاب الكساء وابن رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين.


استنادا الي ما ورد في تراث أهل البيت يمكن أن نشبه أمير المؤمنين و ا بناءه الطاهرين  بدءً بالإمام الحسن وانتهاءً بالحجة (عج) بالكتاب المجمل والكتاب المفصل ، فقد وردت روايات عنهم تقول : "نحن في الفضل والشجاعة سواء ولرسول الله   ولأمير المؤمنين فضلهما".

 ومعنى هذه الروايات انه لا يمكن أن نميز بين واحد من الأئمة وغيره فيما يتعلق بنا وما يرجع إلينا من الفضل والطاعة والشجاعة والعلم . فهم بالنسبة إلينا كلهم أئمة واجبوا الطاعة ، مفرضوا الطاعة ، علمهم مأخوذا من الله سبحانه وتعالى ، مسددون محدثون مفهمون ، وان كان رسول الله وأمير المؤمنين أفضل من غيرهما من الأئمة. أريد أن استفيد من هذه النقطة لأتكلم عن الإمام الحسن اكبر أولاد أمير المؤمنين   ، وسر أبيه   الذي يكشف عن جانب كبير من جوانب شخصية أمير المؤمنين . فان أمير المؤمنين لم يبتلى مثله في أمته كما ابتلي .

  لا نجد في التاريخ كله قائدا وحاكما تقر رعيته وشعبه بأهليته وكفاءته وجودة رأيه  ، ثم تختلف عليه كما نجد في أمير المؤمنين ورعيته . حتى أصبح كلامه ملأ  الخافقين بما يفيد انه قد ملهم وملوه : " اللهم إني قد مللتهم وملوني " . وحتى انه ود أن يصرفهم بأهل الشام صرف الدينار بالدرهم . لاجتماع أهل الشام على باطلهم وتفرق هؤلاء عن حقهم . هذه البلية استمرت مع الإمام الحسن وأصبح الإمام الحسن هو المتكفل بمعالجة هذه الظاهرة في زمنه . وذلك بالموقف المعروف الذي ثار اللغط الكثير بين المسلمين وهو صلح الإمام الحسن مع خصمه معاوية .

 وطبيعي أن يقف الشيعة المعتقدون بعصمة الإمام الحسن موقفا صلبا داعما لهذا الصلح.  استنادا على ما تكشفه العصمة من فوائد ومنافع ومصالح للأمة ،  في عصر الإمام الحسن ، وما بعد عصر الإمام الحسن .  ولذلك نجد الشيعة يتكلمون كلهم كلاما واحد في إن ما فعله الإمام الحسن عين الصواب والحكمة. 

  •   أهمية تحليل دوافع صلح الإمام الحسن :

ولكننا لا نفقد بين الفترة والفترة من يريد أن يدرس شخصية  الإمام الحسن بمعزل عن كفاءته الذاتية وعن جوانبه الشخصية وأهليته الغيبية ليحلل تحليلا ناقصا  صلح الإمام الحسن مع معاوية .   وليبحث عن أسباب الصلح من خلال ما نقرأه في التاريخ من أن الإمام الحسن كان اقرب الي السلم والموادعة والمصالحة من أبيه  . ومن أن الإمام الحسن كان يكثر على أبيه   من النصح في ترك القتال ، وترك الناس وشأنهم . وان الإمام الحسن صاحب جفنة  وخوان كما في التاريخ.  بمعنى أن الإمام الحسن رجل كرم وجود وسخاء ،  ولا رأي له في الحرب ولا هم له في الحرب ، ولا الشجاعة ولا غير ذلك.

  يحاول البعض أن يبحث عن أسباب الصلح من خلال التركيز على الشخصية الكاريكاتورية التي رسمها بعض أهل التاريخ لدوافع معروفة للإمام الحسن . وذلك للفصل بين الإمام الحسن من جهة وبين ملامح شخصية أهل البيت التي دأبت على ملاحظة نفورهم من الباطل وأهله.  واتخاذهم موقفا متزامنا إزاء الحق ومعاونيه  . ليقول أن الإمام الحسن هو الذي يصح أن يجسد سنة رسول الله .  وذلك تكريسا للظلم وحدود الظلم ،  وهذا يندرج تحت عنوان استفادة السياسة الظالمة من الشرعية الصحيحة لتكريس واقع الظلم والجور في الأمة.  نحن نريد أن ندرس الإمام الحسن دراسة تنسجم مع ما ورثناه من رسول الله عندما كان يتحدث عن الإمام الحسن وأخيه الإمام الحسين وهنا اطرح نقطتين :

  •  النقطة الأولى : العصمة موافقة الصواب :

الإمام الحسن إذا أردنا أن ندرس الحقبة التاريخية التي عاشها الإمام الحسن وتعامل مع معطياتها ،  يجب أن ندرسها وفق قانون وضابطة تؤسس على براهين علمية صحيحة. البعض يرى أن الجواب الصحيح إزاء الشبهات المثارة فيما يرتبط بصلح الإمام الحسن هو الإعلان عن الاعتقاد بالعصمة المطلقة. و أن ما  يفعله الإمام المعصوم صحيح وصواب ، مهما كان ذلك الفعل ومهما كانت صفته . وهذا الكلام بالطبع يوافق معتقدنا وهو الذي نذهب إليه ، ونسأل الله عز وجل أن يثبتنا عليه. إلا أن هذا لا ينبغي أبدا أن يكون منشأ لفكرة خاطئة. وهو أن الخطأ يصح أن يصدر من الإمام بمقتضى أن الإمام معصوم. ولذلك ما يفعله الإمام صحيح حتى لو كان خطأ .

 هذه الفكرة تتضمن شيئا من التناقض يصطدم مع العقيدة الأولى. وهذا شبيه بما كان يطرح في العصور الأولى ولعل البعض يستمر عليه الي الآن.  وهو إن ما يفعله الله عز وجل هو الصحيح حتى لو كان خطأ . وهذا ما نجده عند بعض المشركين الذين كان يقال لهم لماذا تعبدون الحجارة قالوا إن الله أمرنا بها " قل إن الله لا يأمر بالفحشاء" (الأعراف ، آية 28). الله عز وجل لا يأمر بالخطأ ، لا يفعل الخطأ ، ما يفعله الله عز وجل هو عين الصواب. بمعنى أن فعل الله سبحانه وتعالى موافق للصواب دائما . هذا بعينه ينطبق  على الإمام المعصوم بمعنى أن عصمة الإمام لا تمنع أبدا من أن يكون فعله موافق للحق الذي ينظم خصوصية هذا العالم.  بمعنى انه لو كشف لنا عن الغطاء لوجدنا أن كل عاقل سيتخذ نفس ما اتخذه الإمام المعصوم ،  بغض النظر من العصمة.

 وما العصمة إلا موافقة الصواب دائما. فإذا كان يستبطن الصواب وكان عين الحكمة في نفس الأمر والواقع وليس معنى العصمة أن الإمام الحسن لا ينبغي أن يسأل عن ما يفعل . بمعنى أن نعتقد أن خطأ الإمام الحسن كان صوابا وهذا خاطئ ، وهذه الفكرة ليست صحيحة . نعم الإمام الحسن لم يكن يجد افهام الناس متساوية ،  بل كان يكلم كل شخص حسب معرفته وعلمه . فمن الناس من لا يستطيع أن يفقه وجه الصواب في فعل الإمام الحسن .  فكان يقال له أن الإمام معصوم ويجب أن تطيعه . وهذا حد فهم وعلم السائل و إلا فان الصحيح أن  الإمام الحسن فعل الصواب عينه . إذا معنى العصمة لا يتنافى ابدا أن يكون الفعل في نفسه صحيحا بغض النظر عن من فعله و جهة صدوره . نريد أن نؤكد على أمرين يندرجان تحت هذه النقطة:

  •  الأمر الأول : تكليف المعصوم عين تكليف الناس:

إن الإمام المعصوم وان كانت له خصوصية بحيث لا يمكن أن يسوى به من هذه الأمة احد. والناس كلهم صنائع لاهل البيت .  إلا أن الإمام المعصوم مكلف مثل الناس ، وتكليفه عين تكليف الناس.  فنحن لا نجد أمير المؤمنين يختلف في التكاليف الموجهة اليه عن معاوية. الفرق بين أمير المؤمنين وبين معاوية أن أمير المؤمنين كان عبدا صالحا . و أما غيره فلم يكن كذلك. فالفرق بينهما لا في التكليف ، بل في الطاعة ،  والطاعة تختلف عن التكليف .

 الخطاب الذي كان يصدر من الله سبحانه وتعالى الي الناس كافة كان موجها الي الناس على حد سواء . فالإمام الحسن كذلك كان التكليف الموجه اليه هو التكليف الموجه الي قيس ابن سعد ابن عبادة ،  والي الإمام الحسين ، والي ابن عباس  ، والي معاوية والي غيرهم. فلم يكن للإمام الحسن حكم خاص بالصلح لا ينطبق على الإمام الحسين . بل التكليف المتعلق بالصلح الموجه الي الإمام الحسن هو التكليف المتعلق بالصلح الموجه الي الإمام الحسين . إن كان الصلح واجبا على الإمام الحسن   ، فهو واجب على الإمام الحسين . وان كان الصلح حراما على الحسين فهو حرام على الحسن كذلك.  فالتكليف واحد لا فرق بين الأمة فيه .

  •  خصوصية للرسول :

ورد لرسول الله بعض الخصائص منها تجويز نكاح اكثر من أربع نساء وهذا الحكم خاص برسول الله . أما من عدا رسول الله فهو في الأحكام مثل غيره لا يجاز له أن يرتكب مخالفة لحكم شرعي يستند فيه التبليغ الي رسول الله . خلاصة  النقطة الأولى مشابهة المعصوم لغيره في التكليف غير النبي .

  •  الأمر الثاني  : شروط التكليف :

إن التكليف للمعصوم وغيره مشروط بالشرائط العامة المعروفة كالعقل والبلوغ والاختيار والقدرة.  هذه الشروط شروط  للتكليف بالنسبة الي كل مكلف ،  والقدرة تشتمل على أحكام متعددة. منها أن الإنسان لا يجب أن يطبق التكليف في صورة مزاحمة هذا التكليف في شئ اكثر أهمية منه.  فإذا دار الأمر بين أن ننقذ إنسان غريقا وبين أن نطهر المسجد من النجاسة ، وهذا واجب عيني. فان تكليف الإنسان يتجه نحو إنقاذ النفس المحترمة. وذلك لان إنقاذ النفس المحترمة أهم عند الله سبحانه من إزالة النجاسة من المسجد.

  فالتزاحم قانون من قوانين التكليف مفاده انه كل ما دار التكليف بين أمرين أحدهما أهم من الآخر ،  وجب تقديم الأهم وتأخير الآخر. هذا يعنى أننا عندما نحلل  فعلا صدر من الإمام ينبغي أن نحلله في إطار بشرية الإمام ، لا في إطار الجانب الغيبي لحياة الإمام.  بمعنى أن الإمام المعصوم لم يكن مكلفا من الله أن يتعامل مع المعطيات الموضوعية الواقعية على أساس علمه الغيبي . لم يكن يرضى الله سبحانه من الإمام الحسين أن يستفيد من قدرته التكوينية لهزيمة معسكر وجيش يزيد عليهم لعنة الله .

  بل الإمام الحسين كان شعاره " رضى الله رضانا أهل البيت ". وكان تكليف الإمام الحسين أن لك درجات لن تنالها إلا بالشهادة.  بمعنى أن الله عز وجل وضع الحسين في هذا الامتحان الصعب ليستكشف وليرى هل يقدم الحسين إرادته -  ولو كان الله عز وجل راضيا عن إرادته - على إرادة ربه . ولم يكن الحسين يرضى إلا  بتقديم إرادة  ربه ،  حتى لو كان الله سبحانه وتعالى يرى أن إرادة الإمام الحسين عين الصواب والحكمة.

 وردت روايات كثيرة أن الله سبحانه وتعالى خير رسول الله بين أن يكون ملكا رسولا ، وبين أن يكون عبدا رسولا ،  من دون أن ينقص من ثوابه شئ . وكان جواب الرسول : بل أكون عبدا شكورا . ولم يكن احب الي رسول الله من أن يبيت خائفا خاشعا لله سبحانه ، من دون أن ينقص ثواب رسول الله لو اختار الطرف الآخر ،  لكن سينقض ثواب الرسول ( ص) من جهة نقصان معرفته.

 " أنا إمام من أطاعني" :

هل يكون العبد العارف بالله إلا الخاشع لله ،  إلا المؤثر لهوى الله على هواه!.  حتى لو كان الله سبحانه وتعالى قد أعطاك القدرة وفوض إليك الأمر ،  لكن هذا التفويض يندرج تحت الابتلاء ،  ليرى هل تقدم هوى الله على هواك أو تعكس الأمر. الإمام الحسن كان بإمكانه أن يدعو الله على الأمة كلها ،  فيصلح الله عز وجل أمر هذه الأمة بشكل غيبي لا يتنافى مع ما سنذكره بعد قليل إنشاء الله تعالى. لكن الإمام الحسن لم يلجأ الي هذه الطريقة لا نه غير مأذون من الله تعالى أن يلجأ الي هذه الطريقة . لان الإمام المعصوم ليس من تكليفه أن يحمل الناس على الصلاح رغما عنهم . بل تكليف الإمام  المعصوم أن يهدي الراغبين في الصلاح الي الصلاح والهداية. لذلك يقول الإمام الباقر أو الإمام الصادق عليهما السلام : " أنا إمام من أطاعني" .

  الإمام وان كان مفروض الطاعة على الخلق أجمعين إلا انه ليس لإمام أن يفيد أحدا ، إلا من كان مرتبطا بذلك الإمام. الله عز وجل خلق الناس بحيث يعض عليهم امتحانات متعددة . لا يترتب الأثر عليها إلا على اختيارهم : إذا اختاروا الصلاح صلحوا ، وإذا اختاروا  الفساد فسدوا. و أما المعصوم فليس من شأنه ابدا أن يجبر الناس أو يكرههم على الطاعة " افانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" (يونس ، آية 99).

 الله عز وجل ما اسل الرسول مسيطرا على الناس ،  وهذا الأمر يرتبط بجانب الهداية . إذا المعصوم وان كان موجودا ألهيا بمعنى أن في شخصيته جوانب إلهية غيبية ،  لا يستطيع احد أن يكتهنها ولا أن يعرف شيئا منها من دون لطف الله سبحانه وتعالى.  لان  المعصوم في تعامله مع الواقع والظروف الموضوعية يتعامل مع هذه الأمور بحسب جانبه  البشرى وفقا لأحكام إلهية وتكاليفه التي خاطبه بها. نعم هو مسدد مؤيد موفق لمعرفة العلم والحكمة ، لكن هذه الحكمة لا تخرجه ابدا عن التعامل مع الظروف الموضوعية المحيطة به عن الجانب البشري في شخصيته صلوات الله وسلامه عليه.

  •  النقطة الثانية : تعدد الأدوار ووحدة الهدف : 

السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس الله نفسه الزكية عنده بحث هام عنوانه الأئمة تعدد أدوار ووحدة هدف وقد درس حياة الأئمة واستكشف رضوان الله عليه . من خلال السبر الموضوعي لحياة الأئمة ،  الاشتراك في المبادئ التي كان ينطلق منها الأئمة في التعامل مع الظروف الموضوعية.  اختصارا نريد أن نقول انه هذا العنوان ينبغي أن يفهم في دائرة ذات قطبين :

  •  القطب الأول: وحدة أهداف المعصومين :

أن الأئمة يشتركون مع رسول الله وفاطمة الزهراء في المبادئ ذاتها والأهداف ذاتها . أدوارهم وان اختلفت إلا أن أهدافهم واحدة  ، والهدف هو المبدأ لاعتبار آخر. فالإمام الحسن كان يقصد هدفا هو الذي قصده الإمام الحسين باستشهاده . وهو الذي قصده الإمام زين العابدين بعكوفه ، وهو الذي قصده الإمام الباقر بافتتاحه هذه الجامعة الضخمة ، وهو الذي قصده الإمام الصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري الي إمامنا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

  •  القطب الثاني : خاصية التبديل :

هو ما يصح أن يسمى بخاصية التبديل – الإبدال – التي يعرفها الدارسون للرياضيات في المراحل الأولى . يقال أن لعملية الضرب خاصية التبديل بمعنى أن 2×4 = 4× 2 ،  فتبديل مواقع الأعداد لا يغير في نتيجة الضرب ،  مع الاحتفاظ بخصوصية هذه الأعداد . تعدد أدوار ووحدة هدف يعنى انك لو رفعت الإمام الحسن ووضعته في زمان الإمام الحسين لكان هو الإمام الحسين عينه . بمعنى انه سيقف نفس موقف الإمام الحسين ، هو الذي يتصدى لمعالجة أمر الأمة في زمان الإمام الحسن .  فبين الأئمة خاصية التبديل ، كلهم ينطلقون من منطلق واحد ويعالجون الظروف والأسباب التي كانت تؤدي هذا الموقف بعينه .

  •  مثال للتدليل :

أنا اضرب لكم مثال من نفس الروايات عن الإمام الحسن والإمام الحسين   ، وان كان هذا المثال يرتبط بشأن خاص جدا. في الرواية أن رجلا دخل على الإمام الحسن في يوم عرفة في الحج – وقد حج الإمام الحسن خمس وعشرين مرة ماشيا  لله سبحانه وتعالى – فوجده مفطرا وقد وضعت أمامه مائدة الطعام ، ودعى الرجل الي مشاركته. خرج هذا الرجل من خيمة الإمام الحسن فذهب الي خيمة الإمام الحسين   فوجده صائما .  وهذا يعني في الظاهر وبالنسبة الي عامة الناس أن الإمام الحسين اشد عزيمة واكثر طلبا للطاعة من الإمام الحسن ، بدليل أن الإمام الحسن يفطر في هذا اليوم الكريم والإمام الحسين يصوم في هذا اليوم الحار. دارت الأيام فدخل الرجل نفسه على الإمام الحسين بعد وفاة واستشهاد الإمام الحسن في يوم عرفة فوجد الحسين مفطرا.  وهذا الرجل من شيعته فاستغرب لان المفروض بالإمام أن يكون في الطاعة اكثر من غيره . يتخلف الإمام الحسين عن عادته الكريمة عندما  لم يكن إماما في زمان إمامته ، المفروض بالإمام أن يصر على الطاعة !. فسأل الرجل الإمام الحسين عن وجه إفطاره وقد كان يصوم في حياة أخيه ؟.  فقال الإمام الحسين : "أنا الآن إمام ولو صمت لا لزمت شيعتي أن يصوموا في هذا اليوم الحار ، فانا تخفيفا للشيعة افطر".

 

  •  "إن ما فعله الإمام الحسن خير للشيعة مما طلعت عليه الشمس":

هذا يعنى أن الإمام الحسن إنما اتخذ ذلك الموقف الذي كان يثير الاستغراب في ذهن ذلك الرجل لجهات تخفى على ذلك الرجل لا يلتفت اليها إلا من كان في رأس الهرم ، من كان يعرف أن فعله سنة وفعله طاعة.  ولذلك نجد أهل البيت كانوا يمجدون الإمام الحسن وهم أبناء الإمام الحسين والمعروف عنهم تمجيدهم لثورة الإمام الحسين كثيرا . كان أبناء الإمام الحسين يمجدون موقف الإمام الحسن "إن ما فعله الإمام الحسن خير للشيعة مما طلعت عليه الشمس" هذا كلام من ؟ كلام الإمام الباقر ابن علي ابن الحسين ،  وكلام الإمام الصادق ابن محمد ابن الحسين ،  وكلام الإمام الكاظم ابن الحسين ، وكلام الرضا ابن الحسين . هذا يعني أن موقف الإمام الحسن يندرج ضمن خطة مدروسة مرسومة رسمها رسول الله   و أمضاها الأئمة كافة .

  لذلك نحن الآن ببركة الائمة نعتقد أن الإمام الحسن هو رابع أهل الكساء ومن افضل أهل البيت وهذا كله ببركة الإمام الصادق الذي كان يريد منا الارتباط بالإمام الحسن . وهذا يعنى انه لا يمكن التفكيك بين الإمامين الحسنين ابدا.

 ولا يتبين أهمية هذا الأمر إلا إذا أعدنا قراءة التشيع لنجد أن كثيرا من أبناء الإمام الحسن لم يوفقوا لهذه الفكرة نتيجة ابتعادهم عن الإمام الصادق والباقر الذين وضحوا هذه الفكرة.  فنجد أن البعض منهم يتوهم انه أولى بالأمر من أولاد الإمام الحسين   ، لان الإمام الحسن اكبر. هؤلاء إنما وقعوا فيما وقعوا فيه لانهم اخطاؤ قراءة الإمام الحسن حسبانا منهم أن موقف الإمام الحسن كان موقفا مزاجيا عاطفيا،  وان الإمام الحسن كان اقرب الي الدعة من الإمام الحسين . ولذلك رأوا أن الأمر في زمانهم يستدعي موقف آخر ،  ولو عرفوا أن الإمام الحسن إمام معصوم وانه لا ينطلق في فعله إلا من الله سبحانه وتعالى لعرفوا انه لا مجال لتكرار التضحيات غير المدروسة . كخروج زيد وخروج أبناء الإمام الحسن وخروج الحسين ابن علي صاحب فخ ، بعد تكرار نهي أهل البيت لهم عن الخروج  لان  الظروف لم تكن  مؤاتية في ذلك الزمان .

  هؤلاء كانوا يصدرون من مواقفهم من منطلقات عاطفية غير مدروسة . نعم اهل البيت اجتهدوا أن يوصلوا الفكرة سليمة بحيث يخرج الثائر وهو يمجد الإمام الحسن . أما إذا خرج الثائر وهو يقول أن الإمام الباقر ليس أشجع الناس ،  والإمام الصادق ليس أشجع الناس ، هذه الثورة سوف تكون ناقصة . يجب  أن يوازي الثورة فكر صحيح صائب مبنى على أسس متينة . يجب أن نؤمن  بأهل البيت كوحدة واحدة حينئذ يكون الفعل صحيحا لانه سدعونا اكثر من مرة الي دراسة الظروف الموضوعية لنستكشف الأسباب والنتائج والأهداف .

 نسأل الله عز وجل أن يزيدنا فقها ومعرفة بحياة اهل البيت وان يرزقنا شفاعتهم في الدنيا والآخرة ، وصلى الله على محمد واله.