موقف الإسلام من الخرافة



منّ الله تعالى على البشرية كافّة فبعث إليهم نبيه العظيم ، وأرسل رسوله الكريم ليخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم ، وزوّده بمعجزة فاقت معجزات الأنبياء والمرسلين من حيث خلودها ، فلئن كانت معجزات الرسل من قبله وقتيّة ولا يملك المتلقّي غير الإيمان أو العناد ، فهذا القرآن جاء ليدفع العقل نحو التعقّل والفكر نحو التفكّر ، في مئات الآيات ينادي بالعلم والمعرفي، فيبدأ بإقرأ ومروراً بالقلم وما يسطرون .

والسرّ الذي يقف وراء خلود معجزته أمران :

أ‌. النصّ المرن القابل للفهم من جهة ، والتقدّم على كلّ زمان من جهةٍ أخرى .

ب‌. معجزات الأنبياء لا تدع للمتلقّي خياراً ثالثاً ، فهو إمّا أن يؤمن وإمّا أن يجحد ، ففيها تقييد للعقل وأسر له ، بينما تجد في القرآن تحريرًا للعقول وبناءً للأفكار ، ممّا يجعل عجلة العقل في حركة دؤوبةٍ لا هوادة فيها.

لقد عاشت النّاس في أحلك ظلماتها الفكرية والسلوكية ، فجاءهم منقذ البشرية ، وقد عبّرت ابنته الصديقة الزهراء عن ذلك فقالت :"...وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ ، مُذْقَةَ الشّارِبِ، وَنُهْزَةَ الطّامِعِ ، وَقُبْسَةَ الْعَجْلانِ ، وَمَوْطِئَ الأقْدامِ ، تَشْرَبُونَ الطّرْقَ ، وَتَقْتاتُونَ الْوَرَقَ ، أذِلَّةً خاسِئِينَ، ( تَخافُونَ أنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ ) ، فَأنْقَذَكُمُ اللهُ تَبارَكَ وَتَعالى بِمُحَمَّدٍ صَلى الله عليه وآله بَعْدَ اللّتَيّا وَالَّتِي ، وَبَعْدَ أنْ مُنِيَ بِبُهَمِ الرِّجالِ وَذُؤْبانِ الْعَرَبِ وَمَرَدَةِ أهْلِ الْكِتابِ ، ( كُلَّما أوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أطْفَأها اللهُ ) ، أوْ نَجَمَ قَرْنٌ لِلْشَّيْطانِ ، وَفَغَرَتْ فَاغِرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَذَفَ أخاهُ في لَهَواتِها ، فَلا يَنْكَفِئُ حَتَّى يَطَأَ صِماخَها بِأَخْمَصِهِ، وِيُخْمِدَ لَهَبَهَا بِسَيْفِهِ ، مَكْدُوداً في ذاتِ اللّهِ، مُجْتَهِداً في أمْرِ اللهِ ، قَرِيباً مِنْ رِسُولِ اللّهِ سِيِّدَ أوْلياءِ اللّهِ ، مُشْمِّراً ناصِحاً ، مُجِدّاً كادِحاً ، وأَنْتُمْ فِي رَفاهِيَةٍ مِنَ الْعَيْشِ ، وَادِعُونَ فاكِهُونَ آمِنُونَ ، تَتَرَبَّصُونَ بِنا الدَّوائِرَ ، وتَتَوَكَّفُونَ الأَخْبارَ ، وَتَنْكُصُونَ عِنْدَ النِّزالِ، وَتَفِرُّونَ عِنْدَ القِتالِ...".

فكانت الناس في ظلمات من ضلال الفكر والأخلاق والتعامل بالطبقية ، يأكل القوي الضعيف ، ويستعبد بعضهم بعضاً ، ليس للمرأة دور في الحياة ولا للطفل قيمة في الوجود ، فجاء الإسلام ليعطي للمرأة حقّها ، ويحفظ للطفل دوره ، ويزيح الظلم عن كلّ مظلوم ويقتلعه من جذوره.

ومن جملة تلك الانحرافات التي عاشوا في ظلماتها اعتقادهم بالخرافة ، ولا بأس بالحديث عنها:

الخرافة هي في اللُّغة مأخوذة من الخَرَف وهو فساد العقل ، وهي أيضًا الحديث المُسْتَملح من الكذب. ومن أمثال العرب : "حديث خرافة"، قيل : إن "خرافة" رجل من العرب اختطفته الجن ثم رجع إلى قومه فكان يحدِّث بأحاديث مما رأى ، يعجب منها الناس ، فكذبوه ، فجرى حديثه على ألسن الناس ، ويمكن أن تكون هذه خرافة أيضاً.

وظهرت الخرافة كمُعْتقد في كثير من المجتمعات مُعللا بأنّ شيئًا ما ، أو حدثًا مُعيَّنًا يُسبب أو ينبئ بأحداث غير مترابطة ، كما يفعل العرّافون والمشعوذون والكهنة والقافة ، وهذا يذكّرنا بعادات أهل الجاهلية التي أبطلها الإسلام ، كاعتقادهم في السانح والبارح من الحيوانات والطيور، حتى إنّ بعضهم ليترك سفره إذا طار طير عن يساره ، أو يمضي في سفره إذا طار الطير جهة اليمين ، وربما كان بعض الناس يعتقدون أنّه إذا وقعت سكين طعام على الأرض ، فذلك يعني أن ضيوفاً سيحضرون.

ووجدت الخرافة عبر التاريخ طريقها إلى التغلغل في نفسيات معظم المجتمعات البشرية ، ويؤمن بعـض الناس ـ حتى الذيـن تلقّـوا تعليمًا عاليًا ـ بالخرافة ، من وقت لآخر، وترتبط كثير من نشاطات البشر بالخرافات ؛ بما في ذلك الأكل والنوم والعمل واللعب والزواج والولادة والمرض والموت ، كما أنّ أوقات الخطر ولحظات فقدان اليقين جلبت العديد من الخرافات ، وتشمل أيضاً الحيوانات والملبس والبحار، والجبال، والأسماء، والأعداد، والكواكب، والنجوم، والجو، وأجزاء الجسم.

أنواع الخرافات :  تتناول معظم الخرافات أحداثًا مهمة في حياة الإنسان؛ مثل الميلاد، وفترة النضوج، والزواج، ومثل هذه الخرافات تفترض أن يمر الإنسان في حياته بسلام من مرحلة لأخرى، فمثلاً ذلك الشخص المولود يوم وفاة أحد أقربائه سيكون دائمًا تعيس الحظ، أمّا العروسان، فسيكون حظهما سيِّئًا إذا تزوّجا في ليلة كذا وكذا، وينبغي عدم ضمّ اليدين وتشبيك الأيدي حالة جريان عقد النكاح كي لا يصطدم الزوجان، والمرأة الحبلى يجب أن تأكل الطعام الذي تشتهيه وإلاَّ سيولد طفلها بعلامة (وحمة ـ شامة) في جسده غير مرغوب فيها.

وبعض الخرافات تتضمن نوعًا من السِّحر، ومن أنواع ذلك السِّحر، يأتي الاعتقاد بأنّ الأفعال المتشابهة تجلب نتائج متشابهة ، ويعتقد العديد من الناس في بعض المجتمعات أنّ الطفل الوليد يجب أن يُحْمل إلى أعلى الدَرَج (السلالم) قبل حمله أسفل الدرج ، حتى يكون متفوِّقًا وناجحًا في حياته القادمة ، ونفس المبدأ يكون في وضع النقود في المحفظة التي يكون صاحبها قد تلقاها هدية، حيث يتمنى دوام احتوائها على النقود.

وتتضمن العديد من الخرافات أن يفعل شخص فعلاً متعمّدًا ليدفع شيئًا معيّنا للحدوث أو ليمنع شيئًا من الحدوث، ونجد معظم هذه الخرافات الطارئة تتضمن تأكيد الحظِّ السعيد أو تجنّب الحظ السيّئ أو الإتيان بشيء طيب ، فبعض الأشخاص في المجتمعات الغربية لا يبدأون أي رحلة إذا صادفت يوم الجمعة ، خاصّة إذا كانت في اليوم الثالث عشر من الشهر، ونجد أن يوم الجمعة والرقم 13 مرتبطان بالحظ السيئ عندهم ، ومثل هذه الخرافات تختلف من قُطْر إلى آخر في المجتمعات الغربية، وحسب اعتقاد اليابانيين، فإن الرقم 4 رقم غير سعيد، ذلك لأنّ كلمة) شي) وهي الكلمة اليابانية لهذا الرقم تشبه الكلمة اليابانية (الموت)، ونتيجة لذلك ، فإن معظم البنايات (العمارات) في اليابان ليس بها الطابق الرابع، فيقنعون أنفسهم بتدرّج الطوابق من الثالث إلى الخامس مباشرةً، وكذا الحال عند من يتشاءم من العدد 13 ، وحسب خرافة أخرى فإن الضيوف في حفل العرس ينثرون الأرز على العروسين حتى يُنْجبا أطفالاً كثيرين، وهذه الأمور لم يسلم منها حتى مجتمعاتنا المسلمة ، حيث تناقلت الأجيال ما يُعرف بالكوامل الشهرية وهي 7 أيام في الشهر القمري (3و5و13و16و21و24و25) دون كوامل السنة ، ولا أظن أنّ أمّة وصلت إلى هذا الرقم من الأعداد، حيث تبلغ سنوياً أكثر من 70 يوماً!!! وفيها تتعطل عقود الزَّواج والبناء وحركات النقل والانتقال وما إلى ذلك ، وليس لها ارتباط بالشريعة الإسلامية ، بل هي على خلافها، ولا يقبل معتنقيها حتّى التوكّل على الله الكافي أو الصَّدقة أو الدعاء لدفع البلاء الموهوم ، أو المحتمل، قال تعالى:" وَللَّهِ غَيْبُ السَّمَـوَاتِ وَالأرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ "سورة هود: 123.

وبعض الخرافات تتنبّأ بحدث أو فعل دون وعي من الشخص المعني ، وبعضها تتنبّأ بحدوث حظ سيء أو سعيد، وبعضها الآخر قد تتنبأ بوقوع أحداث معيّنة أو ظروف محدّدة، وبعض علاماتها قد تتحوَّل إلى خرافة عاديّة، والخرافة العادية قد تتضمن أفعالاً قُصِد بها جَلْب الحظ السيئ  أو الحسن لبعض الأشخاص ، فالسَّاحرات والمشعوذات عادة  يمارسن مثل هذه الأعمال.

دَوْر الخرافَة: على الرغم من خطأ الخرافة وضلالها وبعدها من العقل، إلاّ أنّ بعض الناس يعتقد بصحة بعضها ، وخاصّةً إذا درج عليها النّاس ، كختم المآتم والتعازي مساء الجمعة ليلة السبت ، حيث يعتقد بعض الناس بأنّه يسبّب عودة للمأتم والتعزية عن قريب، وهذا ما لا يرغب فيه النّاس.

وبعض الخُرافات ذات أصل عملي وقع في ظرفٍ خاصٍّ، مثال ذلك أنّ عديدًا من الناس يعتقدون أن إشعال سيجارة لثلاثة أشخاص من عود ثقاب واحد يجلب الحظ السيئ، وقد تكون هذه الخرافة ظهرت أساسًا بين الجنود الغربيين أثناء الحرب العالمية الأولى (1914م - 1918م)، حيث كان عود الثقاب الذي يظل مشتعلاً ليشعل ثلاث سجائر يمثِّل هدفًا للعدو، وهناك معتقد آخر بأنّ تعليق كيس مليء بالثوم على رقبة الطفل يحميه من الأمراض، ونجد أن كيس الثوم لا توجد به قوة خارقة للطبيعة، ولكن رائحته تبعد الأطفال الآخرين وبينهم المصاب بالأمراض التي قد تنتقل عدواها إلى الطفل صاحب كيس الثوم.

ومن الناس من يعتقد بالتنجيم، ويضع قرارات مهمّة حسب وضع الشمس والقمر والكواكب والنجوم، وهو المعروف بالتنجيم، وكانت بعض الشعوب تعبدها كالبابليون، وقد ورد عن الإمام علي :" المنجّم كالكاهن، والكاهن كالسَّاحر، والسَّاحر كالكافر، والكافر في النّار"نهج البلاغة :خ 79. ونجد الخرافة تؤدّي دورًا في الحياة ما دام الناس يخيفون بعضهم بعضًا وغير واثقين من المستقبل، ولا من أنفسهم، بل ولا لهم ثقة بخالقهم جلّت قدرته.

وقد رفض الإسلام مثل هذه الأشياء التي تنافي الشّرع، والقواعد الإسلامية الراسخة تؤكِّد الوعي، وأهمية أن يقيم المسلم حياته على أسس حقيقية، لا على وهم وجهل، وعلى ضرورة إيمان المسلم بالقدر خيره وشره، وأن الغيب لا يعلمه إلاّ الله علاّم الغيوب، وأنّه تعالى يمحو ما يشاء ويثبت وعنده علم الكتاب ، الذي يعلم الغيب ويعلم ما تخفي الأنفس ويعلم ما في الأرحام ، وأنّ الكهانة بطلت الليلة التي ولد فيها النبي الأعظم وبَطَلَ عِلْمُ الكهنة ، وانتزع سحر السَّحرة ، وأنّه ما آمن به من مشى إلى كاهن أو منجّم أو عرّاف أو قيّاف أو ساحر، وهذه الخرافات إنّما تنتشر في المجتمعات التي تفتقر إلى روابط الدين الحقّ ، وإلى منهجه الذي يوضّح الخير والشر، والإسلام يعدّ الخرافات السابقة نوعًا من الشرك الذي يجبّ سلامة إيمان المسلم منه ، وما الشِّرك سوى خرافة كبرى تتولّد منها بقيّة الخرافات ، وقد علّمنا الإسلام أن نكون واقعيين نعمل ونحصد ، ولا نتعامل بالأوراق والطلاسم ونترك العمل والتوكّل على ربّ العالمين سبحانه وتعالى ، فلو وجدت المرأة جفوة من زوجها لا يحلّ لها أن تمارس تلك الأمور وتطلبها ، بل عليها التحبّب إلى زوجها ؛ إذ قد يكون العيب فيها، وممّا روي في ذلك ما جاء عن الإمام علي قال:"أقبلت امرأة إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله إنّ لي زوجاً وله عليّ غلظة، وإنّي صنعت به شيئاً لأعطفه عليّ، فقال رسول الله أفٍّ لكِ ، كدَّرتِ دينكِ ، لعنتك الملائكة الأخيار (قالها ثلاث مرات) لعنتك ملائكة السماء ، لعنتك ملائكة الأرض" بحار الأنوار:ج79ص214ح13.

  • أسباب ظهور الخرافة:

 أولاً : أسباب دينية ، وهذا هو المسبّب الأكبر لكثير من الخرافات ، وهو الأخطر من بينها لما لها من رواج واسع وطريق سهل العبور, حتى أن أكثر الديانات الأخرى غير الديانات السماوية أساسها خرافات مبتدعة أصبحت ديناً وآمن بها الملايين ، وبناءً على الخرافة الأساسية لبداية الديانة تخرج بعدها خرافات أكثر وأكثر ، ومع أنّ ديننا هو الخاتم والدين الكامل إلاّ أنك تجد من يجتهد في بعض الأمور التي يراها عاديّة بينما هي ضرب من الخرافة ، كربط الخيط في المكان المحترم ، ثمّ ربطه في اليد أو الرجل بقصد التبرّك ، ومنه تعليق الأقفال ، وهي عادة هندية صدّروها للشعوب الأخرى ومنها الفارسية والتركية والعربية والأوروبيّة بقصد الحفاظ على المحبوب أو المعشوق ، ثمّ جاءتنا بمبررات دينيّة مختلفة ، لكنها تبقى خرافة ، ولا مبرّر لها.

ثانياً : أسباب اجتماعية ، وهي تختلف من مجتمع لآخر، وعندنا منها شيء وافر، ككسر البيض حالة الفزع من شيء ، وذبح حيوان في أساس البيت ، وتبخير من يعتقدون أنّه محسود ، أو حمله الملح البحري الخشن ، واللطيف أنّهم لا يجتزؤون بالملح الناعم المكرّر المعلّب .

ثالثاً : جهل وفشل في تفسير الظواهر العلمية ، وهذا واضح جداً, فكلما ظهر شي غريب في مكان معيّن وعند الفشل في تفسيره تبدأ الأساطير والخرافات حول المسبّب للظاهرة؛ لأنّ فطرة الإنسان بحاجة للفهم والمعرفة , فإذا لم عرف السبب الصحيح راح يخترع السبب الخاطئ ويؤمن به، وما زالت النّاس تحتفظ في ذاكرتها بأنّ القمر إذا خُسِف يعني أنّ (الحوتة) أكلته .

رابعاً : القَصص والحكايات والمبالغات ، فجزء كبير من أسباب انتشار الخرافات وظهورها هم القصّاصون قاتلهم الله , فظهر عندنا جحا وأمثاله ، حيث أنّ أكثرهم يقول : بأنها شخصيات موجودة لكنها مبالغ فيها ومضاف إليها ما ليس منها .

ولا نبالغ إذا قلنا أنّ كثيراً من النّاس ما زالت الجاهلية تعيش  في فكره وسلوكه ، فبعد كلّ التحوّلات التي جاء بها الإسلام على يدي النبي الكريم ، وأنّه ما ترك شيئاً قطّ إلاَّ حدّد لنا فيه وظيفةً معيّنة، ما زلنا نبتعد عن سننه ونركب أهواءنا وعاداتنا التي ما أنزل الله بها من سلطان، وكأنّنا ننتظر ديناً غير ديننا الإسلامي ، أو أنّه لم يكن كاملاً شاملاً لجميع نواحي الحياة ، لكنّنا لا نكلّف أنفسنا بالرجوع إلى ينابيع الحكمة فيه، ومع كلّ ما قام به الدِّين من تغيير النظرة الدونية للمرأة، حيث لم يكتف ببيعة أرحامها ، بل أخذ منها البيعة شخصياً فاعتبر لها شخصية مستقلّة كما هي للرجل، لها كيانها المنفرد وكسبها المستقلّ ، ورغم كل ذلك فإنّك لا تزال تسمع عمّن يرفع شعار الإسلام ولكنه يستنكف على المرأة أن يصدر لها هوية تحمل صورتها ! وما زالت المرأة فيها تحتاج إلى (مَحْرَم) ! واللطيف أنّه إذا مات ولي أمرها تبقى في حفيظته وهو ميّت ! وأينما توجّهت تحتاج إلى محرم وإذن بالسفر ، كما هي حالة الخادمة في البيت ، مع أنّ هويتها أصبحت حاجة ضرورية ومسألة ملحّة وقضية عالمية ، لا تستغني عنها الشعوب ، فهل أمرنا الإسلام بهذا ؟ ولماذا ينظرون إليها على أنّها مأوى للأفكار الشيطانية، ووعاء للهوة، ورمز للعار، وأداة للفضيحة ؟ ألم تسطّر المرأة الحرّة أروع المواقف التي عجز عنها فحول الرجال ؟ ألم تقف لتصدّ الظالمين من الجبابرة عن ظلمهم ؟ ألم تربي الأجيال ؟ ألم تغذِّ المفكرين ؟ ألم تحتضن العلماء ؟ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين .

إذن ، الواجب الملقى على عاتقنا هو قراءة نصوص الإسلام قراءةً حرّة غير مقيّدة بالموروثات ، والنظر إلى تعاليمه بوعي كامل ، كي يتسنّى لنا الاستفادة من خاتمة الأديان ومن تعاليم منقذ البشريّة المبعوث رحمةً للعالمين ، قال تعالى:" هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ  * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ "سورة الجمعة:2و3و4.

والحمد لله ربّ العالمين

وصلَّى الله وسلَّم على سيدنا ومحمّد وآله وصحبه وبارك عليهم أجمعين