دجل الكلمة باسم الثقافة والتدريب ( 2 )

بسم الله الرحمن الرحيم

تحدثنا في بداية هذه السلسلة عن البرامج والدورات التي تنظمها البرمجة العصبية المعروفة ( N.L.P)  وعن الصراع القائم بين المختصين وعلماء الدين من جهة ومدربي هذه البرامج من جهة وتناولنا هذه التجاذبات المتناقضة وفق قراءة نقدية لعدة آراء واختلافات ، وفي هذا المقال نكمل هذه السلسلة بتناول جانبين مهمين هما : البعد الإعلامي والمادة المطروحة والمعتمدة في هذه البرامج والدورات .

• البعد الإعلامي لرواج دورات البرمجة العصبية

 في زاوية أخرى غير بعيدة عن النظرة النقدية لهذه البرامج يرى كثير من المتابعين والمختصين أن هذه البرامج والدورات وخصوصاً مايعرف بدورات البرمجة اللغوية العصبية ( N.L.P) أخذت بعداً تجارياً واضحاً ومنظماً من قبل مدربيها لاسيما في المجتمعات الخليجية ، ومما يؤكد ذلك ارتفاع حد المبالغة الإعلامية لهذه البرامج والدورات عند قراءتنا للعبارات المذللة بجانب أسماء المدربين أو المحاضرين وهي عبارات تضفي عليهم هالة إعلامية مبالغ فيها وكأنهم علماء أزمانهم وفلاسفة عصورهم  كعبارات : مدرب معتمد في البرمجة العصبية أو ممارس في العلاج الإيحائي والتنبؤي أو المدرب الفاعل والصاعد أو المستشار الأسري وعبارات أخرى جذابة بعيدة عن الواقع والمنطق ، وقد تفاجئ في أغلب الأوقات بمدربين بعيدين عن هذا التخصص والاهتمام ، وقد لايملكون مؤهلاً أو حصيلة علمية وثقافية تؤهلهم لذلك !! . 

ولم يقتصر فن التسويق لهذه الدورات على عبارات تسبق أسماء المدربين ، بل اعتمدت بشكل أساسي على طريقة إعلاناتها وترويجها ، فالملاحظ على عباراتها الإعلانية بأنها كلمات منتقاة بحرفنة وبكل دقة وعناية، فهي في الغالب كلمات إيحائية وفلسفية ونفسية عميقة تسحر وتجذب القارئ وتأخذه إلى خيال واسع خاصة إذا أوهمتهم أنها تعالج أو تقي من الأمراض النفسية أو العضوية وتملك حلول سريعة وناجعة لحل مشاكلهم ومعاناتهم ، ولعلها في الأصل ألقاب وعبارات لم يفت المسوقون لها التدقيق في اختيارها .

لذلك اعتبرت هذه العبارات بحد ذاتها فناً من فنون التسويق وهو شيء لايمكن إنكاره -خاصة إذا علمنا أن هذا المدرب جاء ليعلمنا إسرار وخفايا حياتية عجزت عن اكتشافها العلوم التطبيقية الإنسانية بأنواعها طيلة هذه الأزمنة والعصور!! .

لذلك لم يكن مفاجئ للمتابعين أن يأتي أحد المدربين تلقى تدريباً لمدة لا تتجاوز عدة أيام لكي يعطي دورة متكاملة يُمنح فيها المدربون دبلوماً في مجالات حياتية وإنسانية حساسة وخطيرة تمس جوانب الحياة البشرية وتجاذباتها!! ، في حين أن هذه المجالات والتخصصات تحتاج لدراسة أكاديمية وتطبيقية تستغرق سنوات لكي يمنح الملتحق بها شهادة معتمدة في تخصصه ومجاله .

 ومما يؤكد أن هذه الدورات والبرامج تعتمد وتركز على الكسب المادي هو أتاحتها لجميع شرائح المجتمع أياً كانت  ثقافته ومستواه العلمي ، في حين أن بعضها برامج تخصصية تصب في مجالات معينة ولفئات بعينها ، لذلك فإن أقصار كثير من هذه البرامج على فئات معينة قد يعيق توجهها الربحي بغض النظر عن ما يمكن أن يكتسبه الملتحق بها من فكر وثقافة  .

•  على ماذا تعتمد هذه البرامج ؟ 

اعتمدت هذه الدورات والبرامج على لغة تسويقية مشوقة ففي الجانب الأول : تعتمد على قراءة الإعداد والحروف والإسرار المتخفية فيها بالإضافة إلى الإشكال الهندسية والأحجار والسر في بعض التماثيل والإزهار ، وتحليل الشخصية ضمن اختبارات مبتكرة ومعدة .

أما الجانب الثاني : تعتمد هذه الدورات والبرامج على فلسفات ومصطلحات مدروسة آخذة بسياسة المستويات المتدرجة المعتمدة بشكل كبير على التدريبات الايجابية والإيحائية بأسماء ومصطلحات يغلب عليها طابع الإثارة والانبهار لكي تستطيع أن توثق قلوب متدربيها بفتنتها السحرية ، خصوصاً الجانب النسائي اللاتي تجتذبهن مصطلحات تشعرهن بالسعادة وتنبئهن بالمستقبل ، آخذة في عين الاعتبار إقبال الناس عليها وحرصها الشديد على عدم التصادم بين معتقداها ونظرياتها بمصطلحات المجتمع وثقافتهم.

أما الجانب الثالث والأخير : تعتمد هذه البرامج على أصول و مهارات مبنية على فهم اللغة والسلوك واستخدامهما كوسيلة فعالة للاتصالات الواضحة والدقيقة مما يجعل المدرب أكثر فعالية وقدرة على الإقناع ، ومما يدلل على ذلك أن منظمي هذه البرامج والدورات يقدمون أبجديات أولية لامعة لبرامجهم لكي يعلق المتدرب بشماعاتها ، ثم تبدأ مرحلة إقناعه للالتحاق بدورات تقدمية لكي يرق من سلم مستوى أدنى إلى مستوى أعلى وهي سياسة من سياسات التسويق الربحي المنظم  .