الكويت والعراق .. النوايا والحساسية المفرطة!
نشرت جريدة «الدار» يوم الاثنين الماضي 6/7/2009 صورة لخريطة قديمة لمنطقة الخليج من الأرشيف العثماني، وهذه الخريطة توضح حسب ما هو مرسوم حدود ولاية البصرة في عهد الاحتلال العثماني للمنطقة، بان الكويت وساحل الأحساء كما هو مكتوب (المنطقة الشرقية بالسعودية) والبحرين وقطر جميعها تخضع لولاية البصرة العثمانية.
وحمل عنوان الخبر: «في هذا الوقت وتحت شعار ترسيخ المرجعية الجغرافية ووسط استغراب سياسي خريطة للعراق..تضم الكويت وقطر والبحرين!» وجاء داخل الخبر ان وكالة أنباء عراقية نشرت خريطة قديمة للعراق تعود للأرشيف العثماني عرضتها كوثيقة عراقية لترسيخ المرجعية الجغرافية، مشيرة إلى استغراب الأوساط السياسية من اقدام الوكالة على نشر هذه الخريطة في هذا التوقيت بان الكويت جزء من العراق!. وقد حصل الخبر على اكبر عدد من القراء لموقع الجريدة في ذلك اليوم مما يدل على قوة وتأثر القارئ بمثل هذه الأخبار والعناوين.
هذه الخريطة والخرائط المشابهة تعبر عن مرحلة زمنية معينة كانت المنطقة تحت الاحتلال العثماني، ومن المعروف ان اي قوة احتلال تسيطر على منطقة ما تحاول أن تشكل ولايات وأقاليم حسب مصالحها، وهذا ما كان يقوم به الاحتلال العثماني.
وقبل احتلال الدولة العثمانية للمنطقة، قد خضعت المنطقة بالإجبار لسيطرة دول أخرى قوية، ولكن ذلك الخضوع والسيطرة ورسم الخرائط وتشكيل الولايات حسب مصالح المحتل لا يعني ان تصبح هذه الخرائط والوثائق والولايات مرجعية جغرافية مقدسة، كما ان جميع الدول الحالية كانت تخضع لدول أخرى أو تشكل في مرحلة زمنية معينة جزءا من دول ما،.. فلو آمنا بمرجعية الخرائط القديمة للاحتلال المتسلط على رقاب أهل المنطقة فهذا يعني عدم صحة وجود اي دولة حالية.
فالهند وباكستان وبنجلاديش كانوا تحت الاحتلال البريطاني فهل من حق الهند لأنها الأكبر والأقوى ان تفرض على الدول الصغرى الخضوع لها لأنهما جزء من خريطة القارة الهندية التاريخية، حسب وثائق وخرائط الاحتلال البريطاني. وهل الدول المستغلة من الاتحاد السوفيتي ليست شرعية لانها كانت ضمن خريطة الاتحاد السوفيتي، وهل من حق تركيا المطالبة بالأراضي التي تشكل الخلافة العثمانية؟!
بلا شك ان العراق دولة رائدة في المنطقة لها مكانتها وتاريخها، حيث كانت مهد العديد من الحضارات المؤثرة في التاريخ الإنساني، وكانت تسيطر على العالم الإسلامي لانها تضم عاصمة الخلافة الإسلامية لمئات السنين، وهي ارض عزيزة على أبناء المنطقة، ولكن لا يعني ذلك الاستسلام لذلك الواقع التاريخي الذي تغير وهذه سنة الله في الكون، فنحن أبناء اليوم وعلينا ان نفكر بالغد. ومن الواضح ان هناك حساسية مفرطة ومرض عضال مستفحل في عقلية مرضى يريدون تغيير الواقع والتاريخ وإثارة الفتن، عبر التمسك بخرائط ووثائق أرشيفية لقوة كانت تحتل المنطقة، فالواقع الحالي يقول إن الكويت دولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة لها سيادتها كالعراق والبحرين وقطر وسوريا ولبنان وأي دولة في العالم، وان أثارة أي تشكيك في وجود واستغلال اي دولة اعتمادا على خرائط قديمة من أرشيف قوة كانت تحتل المنطقة سابقا هو بمنزلة لعب بالنار.
كما ينبغي عدم التحسس من طرح اي خريطة من الأرشيف مثل تلك الخريطة التي تعبر عن مرحلة زمنية كانت الكويت والمنطقة تخضع لسيطرة قوة محتلة احتلت العراق والشام والخليج والحجاز واليمن ودولا اخرى لعقود طويلة من الزمن، والذي يعني ان أراضي الدول الحالية في المنطقة كانت متداخلة مع بعضها، وإذا كان الاحتلال العثماني هو الذي جعل منطقة الخليج ومنها الكويت والأحساء والبحرين وقطر جزءا من ولاية البصرة فان خريطة دول المنطقة الحالية والمعترف بها من قبل الجميع هي نتاج اتفاقية سايكس بيكو في عام 1916م. وهذا التقسيم فرض واقع جديد.
على الشعب الكويتي - رغم الم الغزو - عدم الانجراف مع تلك الأبواق المثيرة للفتنة والحروب التي أدت إلى الغزو الغاشم للأراضي الكويتية من قبل صدام، واندلاع حرب تحرير الكويت، وتكبد الشعبان العراقي والكويتي والمنطقة خسائر فادحة، فمن حق شعوب المنطقة وبالخصوص العراقي والكويتي أن يعيشوا بنظرة مستقبلية قائمة على الثقة والنوايا الحسنة، والانشغال ببناء بلادهم كقوة مؤثرة، فلا يوجد قوة في العالم قادرة على اقتلاع اي إنسان من أرضه.
تعبنا يا جماعة؛ من سوالف البعض من اثارة الحدود والأقاليم والضغينة واللعب على عواطف المساكين من الناس، الناس بحاجة أن تعيش محترمة وكريمة في بلدانها، وعلى من يثير هذه المواضيع ان يعمل ويطالب بتحسين معيشة أبناء بلده أولا، فلا تفتحوا الجروح ولا ترموا الآخرين بالحجر، فالبيوت كلها من زجاج، ولنفكر ببناء وتطور دولنا وشعوبنا.