متى سنبشر بالإمام المهدي (عليه السلام)؟
الديانات جميعها تبشر بخلاص البشرية بظهور منقذ آخر الزمان؛ وإن كانت تختلف في شخصه وكيفية ظهوره. أما نحن المسلمين فلدينا مساحة اتفاق واسعة من خلال الأحاديث المروية في كتب السنة والشيعة على كثير من الخصائص المتعلقة بهذه الشخصية العظيمة؛ فالجميع يؤمن بظهور إمام مهدي آخر الزمان من ولد فاطمة يواطئ اسمه اسم رسول الله أي أن اسمه محمد؛ وأنه يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
يقول الشيخ عبد المحسن العباد في ملخص محاضرة بعنوان: عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر؛ نشرته مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في عددها الثالث من سنتها الأولى:
إن من بين الأمور المستقبلة التي تجري في آخر الزمان ، عند نزول عيسى بن مريم من السماء ، هو خروج رجل من أهل بيت النبوة من ولد علي بن أبي طالب ، يوافق اسمه اسم الرسولويقال له المهدي ، يتولى إمرة المسلمين ، ويصلي عيسى بن مريم خلفه ، وذلك لدلالة الأحاديث المستفيضة عن رسول اللّه ، التي تلقتها الأمة بالقبول ، واعتقدت موجبها إلاّ من شذ.
ومع كل ذلك الاتفاق، إلا أننا – كالعادة – نبحث عن مساحة الاختلاف والافتراق لا لينظر كل منا في أدلة الآخر فيقرأها بعيون الآخر فيقبل ما يقبل ويرفض ما يرفض ملتمسا لأخيه العذر ما أمكنه ذلك؛ فاختلاف الرأي لا يفسد للود قضية؛ وهذا ما ينبغي أن يحدث عند كل اختلاف؛ إلا أننا نبحث عن كل مساحة اختلافية مهما صغرت لنوسعها ونعمقها حتى تصبح هي الأصل وغيرها استثناء؛ وهذه في الواقع سمة من سمات تخلفنا الحضاري التي ينبغي أن نتخلص منها جميعا حتى نستطيع بث البشارة لكل العالم بظهور المهدي .
لقد خسر العالم كله بانحطاط المسلمين الكثير الكثير، وقد أفرد الشيخ أبو الحسن الندوي كتابا ناقش فيه هذا الموضوع وكشف مجمل أبعاده، وأعتقد أن الخسارة ستستمر بل وتزداد ما دمنا نعيش هذه الأوضاع المتخلفة، ونريد في نفس الوقت من الآخرين أن يفهموا أن الإسلام دين التقدم والرقي والعدالة والرفاه؛ أليس من الصعوبة أن يفصل الآخرون الإسلام عن المسلمين؟!
كيف لنا أن نقنع الآخرين بأن منقذ البشرية جمعاء سيكون منا نحن المسلمين، وأنه سيكون رحمة إلهية مهداة للعالم بأسره، بينما تسود بيننا نحن المسلمين البغضاء والتشاحن والتطاحن، ويشيع بيننا القتل على الهوية وقمع الآخر المختلف؟ هل سيصدق العالم بشارتنا أم أفعالنا؟!!
كيف لنا أن نتحدث للآخر عن العدالة التي ستعم الكون بظهور المهدي بينما يرى الآخر غياب العدالة في واقعنا الإسلامي من خلال غياب تكافؤ الفرص واستقلالية القضاء والتوزيع العادل للثروات والتنمية المستدامة المتوازنة؟!
كيف لنا أن نبشر الإنسان أيا كان بنيل حقوقه كاملة غير منقوصة في ظل دولة الإمام المهدي ، وهو يشهد أن آخر أولوياتنا كمسلمين الاهتمام بحقوق الإنسان، بدليل الانتهاكات الصارخة لهذه الحقوق في بلداننا الإسلامية، ومن أراد المزيد فليراجع تقارير حقوق الإنسان الصادرة عن المنظمات والهيئات الدولية بل والداخلية؟!
إن أفضل تبشير وأبلغ تبليغ يكون من خلال تغيير واقعنا المتردي لتسود بيننا ثقافة احترام الإنسان ومحبة الإنسان، ولنفهم بعمق المعاني الإنسانية السامية التي بشر بها ديننا وحث عليها، فربنا الرحمن يداه مبسوطتان يمد المؤمن والكافر من عطائه غير المحظور، وهذه حقيقة لو استوعبناها جيدا لتغير واقعنا وفهمنا معنى العطاء، والله تعالى يقدر على إكراه الناس جميعا على الإيمان ولكنه لا يفعل، وهذه حقيقة أخرى تحتاج إلى أذن واعية لتعيها فتعي معنى الحرية، وهكذا نستطيع أن نمضي متمعنين لندرك بعض الحقائق التي غابت عن ممارساتنا طويلا، والتي لو طبقناها لأصبح الحال غير الحال.
باختصار أقول إننا لن نستطيع التبشير بالإمام المهدي ما لم نستوعب هذا المقطع من دعاء مكارم الأخلاق للإمام علي بن الحسين زين العابدين حين يدعو ربه قائلا: وأجرِ للناس على يدي الخير ولا تمحقه بالمن. ( لاحظ كلمة للناس ) ، وكذلك ما لم نستوعب الحديث النبوي الشريف الذي يقول: «الْجِيرَانُ ثَلاثَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ ثَلاثَةُ حُقُوقٍ حَقُّ الإِسْلامِ وَحَقُّ الْجِوَارِ وَحَقُّ الْقَرَابَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ حَقَّانِ حَقُّ الإِسْلامِ وَحَقُّ الْجِوَارِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ، الْكَافِرُ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ».