لكي نحصل على حقوقنا
قال الله تعالى: "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"
إن الركيزة الأساسية في تطور وتقدم المجتمعات وحصولها على حقوقها هي التوافق والاجتماع والتكاتف بين أفراد المجتمع وعدم التفرق، فلا يمكن لمجتمع من المجتمعات أن يتطور ويتقدم ويحصل على حقوقه إلا إذا كان أفراده مترابطين، والتاريخ لدين اكبر شاهد على هذا الشيء، فأي مجتمع إذا ما زرع فيه الفرقة تخلف وعاش حياة الصراع فيما بينه، وهذه الآية التي توجنا بها حديثنا تتحدث عن هذا الشيء، فهذه الآية تتحدث عن المجتمع في عهد الرسول حيث كانت التفرقة العنصرية والقبلية تفتك بالمجتمع، فجاء الرسول وألغى هذه التفرقة وآخى بين القبائل وجمعهم تحت راية واحدة راية الإسلام فتقدموا وأصبحت لهم الغلبة فيما بعد. فلو فرضنا إنهم ظلوا على ما هم عليه من الفرقة والتناحر، هل كان بإمكانهم أن يتغلبوا على الكفار والمشركين ونشر دين الإسلام؟
الجواب بالتأكيد لا، لأنه لن يكون لديهم الوقت للتفكير في نشر الإسلام لان همهم الوحيد هو التناحر والاقتتال فيما بينهم. لدى فإننا نرى انه إذا أردنا أن نحصل على حقوقنا، فانه علينا أن ننبذ خلافاتنا خلفنا ظهورنا ونبقى مرتبطين ولا نسمح لأحد أياً كان أن يزرع روح الفرقة بيننا.
- ولكن هل عدم الفرقة هكذا تجدي نفعاً؟
إذا ما فكرنا في هذا الموضوع لوجدنا إن الاجتماع وعدم الفرقة لوحده لا يجدي نفعاً، حيث انه على أي أساس سيكون تحركنا وفي أي طريق، فإذن لابد من وجود شيء إضافي على هذا الآمر ليكون للاجتماع معنى وهدف.
دعونا نعود إلى المجتمع في عهد الرسول ، فإذا ما نظرنا فإننا نجد إنهم بالإضافة إلى كونهم مجتمعين كانت لديهم قيادة يرجعون لها ويطيعونها وهذه القيادة كانت متمثلة في الرسول الأعظم . لدى فانه يجب علينا أن نكون مجتمعين حول قيادة ربانية رشيدة نطيعها ونمتثل لأوامرها، وهنا تكمن الصعوبة في إيجاد هذه القيادة الربانية، وأيضاً الصعوبة الأخرى تتمثل في الامتثال والانقياد إلى هذه القيادة وعدم مخالفتها.
- إذا كيف نعرف القيادة الربانية؟
في الحقيقة إذا ما نظرنا إلى واقعنا فإننا نجد انه يوجد الكثير ممن يدعي انه هو القيادة التي يجب علينا أن نجتمع حولها، فهنا قد يقول قائل إن هؤلاء كفونا عناء البحث عن قيادة نتبعها ونطيعها!
في الحقيقة هذا غير صحيح فإننا عندما قلنا قيادة لم نقل قيادة وسكتنا بل شرطنا شرطاً لهذه القيادة وقلنا قيادة ربانية وهنا الصعوبة التي نعنيها كيف نستطيع أن نعرف هل هذه القيادة ربانية أم لا؟ وهنا يحذرنا الله عز وجل من ذلك حيث قال في محكم كتابه الكريم: " وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ "، ففي هذه الآية يبين الله عز وجل إن اغلب الناس لا يتبعون تعاليم الإسلام وإنما يتبعون الظنون والأهواء فمن يتبع احدهم فانه يضل عن سبيل الحق. إذاً فما هو السبيل إلى معرفة القيادة الربانية؟
لمعرفة القيادة الربانية، نذكر بعض المواصفات التي يجب على القيادة أن تتصف بها لتكون قيادة ربانية:
الأمر الأول: عدم تأييدها للطغاة سواء كانوا حكاماً أو وجهاء أو أفراد عاديين. فإذا ما رأيت شخصاً يدعي انه قيادة، انظر هل يكون صداقات مع الطغاة ويترحم عليهم؟ فإذا كان يفعل ذلك فاعرف انه ليس أهلاً أن يكون قيادة، فالقيادة لا تضع يدها بيد الطغاة والجبابرة مهما كان السبب.
الأمر الثاني: سلامة القيم والمبادئ التي تحكم تصرفات هذه القيادة. ونعني بذلك ما هي الدوافع التي تحرك هذه القيادة، هل قيم الإسلام وتعاليم أهل البيت عليهم السلام هي التي تحركها أم الأهواء والشهوات؟ فان القيادة الربانية تتحرك وفق تعاليم أهل البيت عليهم السلام.
الأمر الثالث: ما هي الأشياء التي تسعى إليها هذه القيادة. هل تسعى وراء مصالحها الشخصية أم أنها تسعى وراء مصالح الناس عامة بدون تفريق؟ فإذا ما رأيت شخصاً يسعى وراء مصالحه الشخصية، فانه لا يستحق أن يكون قيادة فضلاً عن أن يكون قيادة ربانية.
هذه بعض الصفات التي يجب على القيادة الربانية أن تتصف بها، فإذا ما وجدنا قيادة تتصف بصفات القيادة الربانية فانه يجب علينا الامتثال لأوامرها وعدم عصيانها، وإلا فان امرنا سيؤول إلى الشتات وهدر لمجهود هذه القيادة، واكبر شاهد على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام: "أفسدتم علي رأيي بالعصيان"، فعندما خالفوا أوامر أمير المؤمنين عليه السلام لم يستطع أن يحقق العدالة ويحق الحق ويبطل الباطل.
نسأل الله العلي العظيم أن يجعلنا ممن يمتثل لأوامر القيادة الربانية انه سميع مجيب الدعاء، وصلي يا ربي على محمد وآله الأطهار