دعوة للاستغفار
منذ أن خلق الله الخليقة، والرسل لم تتوقف في ابتعاثها، فلا تجد أمة بلا رسول، وكلهم جاؤوا مبشرين ومنذرين، والقرآن الكريم يحوي عددا من قصص الأنبياء عليهم السلام بين طياته، فنجد آيات بشرى على لسان أحد أولي العزم، يقيناً أنها جاءت هذه البشرى على ألسن جميع الرسل، ولكن القرآن ذكرها على لسان هذا النبي الكريم نوح عليه وعلى نبينا وآله أزكى السلام، يقول الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه نوح مخاطبا لقومه: ( وقلت استغفروا ربكم إنه كان غفار يرسل السماء عليكم مدرار ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا)
نحن بحاجة في هذا الزمن للتأمل أكثر وأكثر في طيات كتاب الله الكريم الذي اتخذه بعضنا وراء ظهره، ففي هذه الآية خاصة وعدا صريحا لمحصلة الاستغفار، وهي الخير الكثير، وهل يوجد خير أعم من همول المطر الذي فيه البركة مما ينبت الأرض؟ وهل يوجد خير أعم من الرزق؟ سواء كان رزق المال أو الأولاد.
عشنا جميعا في السنة الماضية سنة شح في الأمطار على المنطقة كلها، وهذا النقص الشديد في الأمطار سبب في عدم ثبات التربة، مما زاد معدل الرياح الترابية بل والعواصف الرملية، مما سبب الضرر الكثير، وعلى رأسهم مرضى الربو-عافاهم الله-، فقد عجت المستشفيات منهم، وهذه الأتربة حملت الكثير من الجراثيم البكتيرية والفيروسية، مما سببت أمراض عديدة صعب علاجها، بل إن بعض أنواع هذه البكتيريا التي تعالج بمضاد حيوي بسيط، لا يستغرق مدة العلاج أسبوع واحد، كانت هذه البكتيريا أقوى وأقوى مما صعب على ذاك المضاد الحيوي قتلها، مما وضع المستشفيات في حيرة لولا فضل الله ورحمته –ومستشفى الجبر للأذن والأنف والحنجرة خير شاهد ودليل- لأهالي الأحساء وقراها.
ولم تقف النتيجة عند هذا الحد، بل امتد الضرر للمزروعات، والكل يعلم أن المزروعات تعتمد على منابع المياه الغزيرة، وتلك المنابع تعتمد على هطول الأمطار لتكون في جوف الأرض بكميات كبيرة، مما يكون مخزون سنة كاملة، ولكن بسبب شح الأمطار قل منسوب المياه مما ألحق الضرر البليغ بالزراعة.
أحبتي... الحل بين أيدينا، والوعد الصادق جاء على لسان نبي الله نوح عليه السلام، ألا وهو الاستغفار..
و أنا لست هنا بصدد أن أدعو كل شخص أن يمسك مسبحة ويكرر في كل يوم ألف مرة أستغفر الله ربي وأتوب إليه –وإن كان هذا لشيء حسن-، ولكنني كل ما أدعو إليه، هو عند وقوفك أخي الكريم في انتظار الإشارة المرورية، أو في انتظار صديق لك، أو في انتظاركِ أختي لمأتم حسيني ليبدأ، أو انتظاركِ لحصتك المدرسية لتبدأ، أو .. أو..، في تلك اللحظات وما شابهها أريدكم أن تقولوا أستغفر الله أو أستغفر الله ربي وأتوب إليه، أو أن تلهج ألسنتكم بالصلاة على محمد وآل محمد، فكلها تمحو الذنوب، ليس لعدد معين، بل حتى تنسى الذكر، سواء كان ذلك بعد عشر مرات أو خمس أو حتى ثلاث، وفي كل مرة تذكر الاستغفار، قل لفظ بالاستغفار، لا أريد أكثر من ذلك.
وإن كان الاستغفار الحقيقي يذكره أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بشروط صارمة، جاء في رواية سمعتها من الشيخ حبيب الكاظمي وهي مذكورة في نهج البلاغة أن رجلاً قال في حضرة الإمام علي -عليه السلام-: أستغفر الله، فقال له الإمام عليه –عليه السلام-: ثكلتك أمك! أتدري ما الاستغفار؟؟ الاستغفار درجة العليين، وهم اسم واقع على ست معاني، أولها الندم على ما مضى، والثاني العزم على ترك العود إليه أبدا، والثالث أن تؤدي للمخلوقين حقوقهم حتى تلقى أملس ليس عليك تبعة، و الرابع أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها، و الخامس أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى يلتصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد، و السادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول أستغفر الله.
تلك الشروط طبعا هي شروط التوبة النصوح، وأحببت طرحها لعلها تكون عظة لنفسي أولا ثم لكم، ولكن هذا لا يتنافى مع تلك اللقلقة باللسان، فلعل عند تكرار ذلك اللفظ يكون له تأثير على العقل الباطن، بأن تكون هنالك نقطة استغفار تجعلك تفكر ألف مرة ومرة قبل أي معصية، وسوف ننال ما جاء به نبي الله نوح عليها من الوعد بالخير الكثير في الدنيا قبل الآخرة.