عوامل القوة في شخصية الإمام الحسين
تكتسب شخصية الإنسان منذ ولادته وحتى ارتحاله سمات ومقومات تجعل منه إنساناً كاريزمياً ينتقل بشخصيته وآثاره من شخصه إلى نفوس الآخرين من خلال عامل الإعجاب والإنبهار بل وحتى التطبيق لكل ما يقوم به.
ويتحدث علم النفس عن العوامل التي تساعد على صياغة شخصية قوية وطرق صقلها واكتشافها في ذات الفرد، فيكون مربياً لذاته ومتعلماً من محيطه الذي يعيش فيه من خلال رفض السلوكيات السالبة وإشاعة الإيجابية منها، فتظهر قدراته الشخصية ومستوى الوعي والتصرف لديه في المواقف المحك التي هي محل الامتحان.
وكثيراً ما تكون قراءة حياة وتجارب العظماء إضاءات للمتعلمين ودروساً لتغيير برمجة الحياة الشخصية والعامة للناس بالاستفادة وتطوير الذات ولو من منطلق نقطة واحدة. من هنا ونحن نحيي تجربة فريدة في السياسة والإصلاح والحرية والإنسانية حق علينا أن نقف على جوانب من سماتها تمهيداً للقارىء للبحث والتحري حول كل نقطة من تلك الملامح والظروف التي لازمتها.
فشخصية الإمام الحسين امتازت بسمات فريدة أعطتها الحياة والبقاء طيلة القرون الماضية وجعلت من قيم الثورة مادة متجددة في الحياة، فامتازت بإدراك مخاطر الواقع بما يحمله من تيار جارف سيله المجون والإنحلال الخُلقي من خلال قراءة تحليلية للمستقبل بما سيولد من اضطهاد وجمود فكري قائم على نسيان الدين والحقوق التي يكفلها.
فعمل الحسين على التغيير والإصلاح وإعادة المفاهيم والقيم إلى موقعها الطبيعي بما يتفق وينسجم مع الفطرة البشرية، إلا أن السلطة السياسية كانت تتوجس من ذلك خيفةً من انتشار الوعي لدى الناس ومطالبتهم بالحقوق والحريات الإسلامية المسلوبة. فكانت العزيمة والإرادة والإقدام من محددات قوة الشخصية لدى الإمام الشهيد في عزمه على الرحيل والهجرة وإرادته الواثقة في الوقوف بوجه التمرد والظلم دون مداهنة السلطة وذلك بالإقدام على المواجهة التي ابتدأوها وبثبات يصعب تحقيقه في واقع حياتنا المليئة بالمواقف والأحداث.
لقد كانت الثقة بالنفس التي هي اليوم محل تركيز البرامج النفسية في علاج الخوف والإقدام على اتخاذ القرارات بشكل مدروس سبباً في تكوين شخصية ناجحة واثقة التصرف، فكان هذا العامل حاضراً في تحركات الإمام الحسين يوم كربلاء في مجابهة الأعداء مع القلة التي معه وحتى مع توحده في ساحة القتال بعد استشهاد الخيرة التي معه وبقاءه ينافح عن الحق بمفرده.
إن تحلي الإنسان بشخصية واثقة تمتاز بالقوة والتأثير قد يدفعه للعجب بنفسه وينسى بعض الحقوق والجوانب الإنسانية الأخرى التي قد يظنها نقاط ضعف تفقده بعضاً من بريقه الإعلامي والوجاهي، إلا أن شخصية الحسين كانت على العكس من ذلك.
فكان يعمل بمبدأ حرية الاختيار مع من يعملون معه ضمن مشروع مشترك هو الدفاع والجهاد لأجل مبادىء الدين مع كل ما يحمله من ثقل ديني كإمام مفترض الطاعة ومع ما يتصف به من صفات شخصية ترمي باحترامها على كل الناس بين عدو وصديق، فموقفه في خطابه لجيشه بإمكانية المغادرة والتسلل في جنح الليل لمن يخشى على نفسه يؤصل لمبدأ حرية الاختيار في العمل قبل الشروع فيه إن لم يكن عن إيمان بأهدافه ونتائجه ضمن حالة خاصة لا تعني خطأ أهداف المشروع.
كل هذه العوامل مع تأثيراتها النفسية تصدى لها الإمام الحسين من خلال عامل ضبط النفس الذي هو ركن أساس في إدارة الأزمات واتخاذ القرارات الحكيمة، وهذا يرجع في الأساس للتنشئة والتربية التي عاشها في بيئة معصومة من الزلل تعودت القيم والمثل الأخلاقية والتي هي اليوم قيماً محط تركيز المختصين في مجالات تربية وتنشئة الطفل لينمو بشخصية واثقة معتمدة على نفسها.
فلنبدأ من الآن بتربية أنفسنا ذاتياً على قيمة من هذه القيم وغيرها من حياة سيد الشهداء الإمام الحسين بما تحمله من صعوبات نفسية وتطبيقية تصل بنتائجها بنا إلى مستوى راقي من العمل والتفكير في التعاطي مع مجريات الأحداث ومختلف المواقف.