الليلة الثانية من فعاليات برنامج منقذ البشرية الثقافي الثالث لشهر محرم 1431هـ
الشيخ الحمود : قراءة في الثورة الحسينية
بسم الله الرحمن الرحيم
ضمن فعاليات برنامج منقذ البشرية الثقافي الثالث لشهر محرم الحرام لعام 1431هـ كانت محاضرة الليلة الثانية بعنوان ( قراءة في الثورة الحسينية ) لسماحة الشيخ منير آل حمود .
ابتدأ سماحة الشيخ محاضرته بتساؤله عن العلاقة الموجودة بين شهادة الإمام الحسين وبين استنهاض قوة الإسلام وإحياء أصول الدين وفروعه ، وذلك أن مجرد سيل الدم لوحده لا يمكن أن يكون منشأً لمثل هذه الأمور ، فما هي العلاقة إذن بين نهضة الحسين وقيامه وشهادته ؟
وذكر بأن ما جرى في حادثة كربلاء وفي شهر محرم لعام 61هـ يفوق حدّ المأساة ، ويصل إلى أقصى درجات الانحراف وهتك الحرمات ، فشهيد كربلاء ليس إنساناً عادياً ، بل هو الإمام الحسين بن علي عليهما السلام وابن فاطمة الزهراء وحفيد رسول الله .
الإمام الحسين الذي نراه شخصية متمثلة أمامنا حينما نقرأ القرآن ، حيث نجده في آية التطهير والمباهلة ، وآية المودة ، ونجده في السيرة النبوية حينما قال رسول الله (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ) وقال : ( الحسن والحسين ريحانتاي في الجنة ) ، وقال أيضاً : ( حسين مني وأنا من حسين ) وقال أيضا "هذان ولداي إمامان قاما أو قعدا" ، "حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا " .
وتطرق سماحته في موضوعه إلى نقطتين :
- أولاً : قراءة في الظروف المحيطة بالثورة الحسينية :
أشار سماحته إلى أنه عندما يحاول الفرد منا أن يغوص في التحليلات للثورة الحسينية ، يرى بأنه مهما حاول من جهد وبذل من فكر ، يجد أن الكثير من المعطيات تفرض نفسها على الحاضر كما كانت تفرض نفسها على الماضي ، فتنطلق التحليلات لتتخطى حدود الزمن وتعيد الفكر إلى أبعد من ثورة مكانية ، لتصبح عاشوراء حركة الحق ونهضة الإسلام كله في مواجهة الانحراف ، وتصبح القصة هي قصة الإنسان الحر الذي يرفض كل أنواع القهر والحرمان ، فكلما كانت القضية قضية حق في مواجهة الباطل ترى فيضاً كربلائياً عارماً .
ثم تساءل : ما هو الواقع الاجتماعي والسياسي الذي كان يسود الأمة قبل الثورة الحسينية وبالذات في زمن معاوية ؟
أشار سماحته إلى أن الواقع الاجتماعي والسياسي قد فرض حالة من الخوف والقلق على مصير الرسالة النبوية ، وكان لابد في ذلك الوقت من تغيير الواقع ، غير أن المسألة ما كانت لتتم في عهد معاوية ، فلماذا لم يقم الإمام الحسين بثورته في زمن معاوية ، رغم أن الإمام الحسين عاش بعد وفاة أخيه الحسن عشر سنين في عهد معاوية ، وبالرغم من حالة الظلم والطغيان التي كانت في عهد معاوية ؟
وأجاب سماحة الشيخ على هذا السؤال : بأننا وبالرغم من علمنا علم اليقين بأن الإمام الحسين هو الإمام المعصوم ولابد أن يكون أكمل أهل زمانه علماً وفقاهةً ... إلا أن هناك ظروفاً وأسباباً منعت الحسين من القيام بالثورة في زمن معاوية وقد ذكرها سماحته مفصلاً .
- ثانياً : قراء في الثورة الحسينية نفسها :
شدّد سماحة الشيخ على أننا إذا أردنا أن نقرأ أي ثورة وأية حركة أو نهضة لابد من التعرف على مجموعة أبعاد :
1- الأسباب .
2- الأهداف .
3- الشروط أو المبررات الموضوعية لبدء انطلاق الثورة.
4- النتائج .
وذكر سماحة الشيخ قبل بدء عرض الأسباب لنهضة الإمام الحسين بعض الملاحظات والأمور التي ذكرها العلماء في تحقيقهم لثورة الإمام الحسين ، وذلك بسبب تداخل وتشابك الأهداف مع الأسباب في دراسات وتحقيقات العلماء ، وأشار إلى أنه رغم كثرة الدراسات والأبحاث لثورة الإمام الحسين منذ قيامها إلى الآن ، إلا أنه من المبكر جداً الحديث عن الانتهاء المطمئن إلى معالجة وافية وواقعية للدوافع والأسباب التي أحاطت بالإمام وبثورته ، حيث لازلنا بحاجة الى دراسات أكثر مما كتب حول الثورة الحسينية , ولربما هذا سرٌّ غيبي في الثورة المباركة ، فلماذا لم نحصل على دراسة واقعية لثورة الإمام الحسين كما هو الحال مع باقي الثورات ؟
وأجاب سماحته إلى أن كل الثورات يكون القائد فيها إنساناً عادياً ، بينما ثورة عاشوراء فإن القائد فيها هو إمام معصوم محاط بالتأييد الإلهي والعناية الإلهية ، مما جعل من الصعب الجزم بالأسباب الواقعية أو الأهداف لثورته .
لأننا حينما نريد أن نتحدث عن الأهداف التي سعى الإمام الحسين لتحقيقها ، فإنما نتحدث في حدود فهمنا القاصر والمحدود ، وحينما نريد أن نطرح بعض الأهداف فلابد أن تتوفر شروط معينة وقد ذكر سماحته أهم تلك الشروط .
ثم استعرض سماحته أربعة دراسات للثورة والتي ذكرها العلماء والمحققون في دراساتهم لأسباب ثورة الإمام الحسين حيث ذكر كل محقق سبباً وحيداً أو سببين للثورة:
1- السبب الاجتماعي: تحدّد هذه الدراسة ( السبب الاجتماعي ) منطلقًا للثورة الحسينيّة ، ويقصد بالسبب الاجتماعي ( فساد الواقع الاجتماعي ) فالإمام الحسين انطلق في ثورته من أجل مواجهة الواقع الاجتماعي الفاسد .
2- السبب الاقتصادي : وتحدّد هذه الدراسة ( السبب الاقتصادي ) للثورة الحسينيّة .
3- السبب السياسي : وتحدّد هذه الدراسة ( السبب السّياسي ) للثورة الحسينيّة .
4- الفساد الأخلاقي : وتحدّد هذه الدراسة ( السبب الأخلاقي ) للثورة الحسينيّة .
وأشار إلى أن هذه الأسباب غير كافية لأن يكون كل سبب لوحده المحرك الرئيسي والوحيد لحركة وثورة الإمام الحسين ، وأن هذه الأسباب والملاحظات التي ذكروها وقعت في إشكالين :
1- أنها مارست خلطاً بين السبب والهدف والمبرر .
2- اعتماد العامل الواحد في تفسير الثورة ، ( إما الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي أو الأخلاقي ) أي التفسير التجزيئي للثورة .
وتساءل سماحة الشيخ في نهاية محاضرته عن السبب الحقيقي لثورة الإمام الحسين ؟
وأجاب بأن السبب هو التكليف والأمر الإلهي الذي حرّك الحسين ، لينطلق بهذه الثورة المباركة في مجموعة مبررات ومجموعة أهداف وليس هدفاً واحداً .
فالحسين في ثورته التي كلّفته دمه المبارك ودم الصفوة المباركة من أهل بيته وأصحابه وسبي نساءه وعياله ، انطلق من التكليف الإلهي الرباني ( الأمر الإلهي ) وكذلك بقية الأئمة عليهم السلام ، ينطلقون من التكليف الإلهي ، ورغم تعدد أسالبيهم وأهدافهم فهم جميعاً ينطلقون من ذلك التكليف ، وينطلقون أيضا من أجل هدف مركزي واستراتيجي واحد وهو الحفاظ على الإسلام وعلى وحدة الأمة .
نعم لكلّ إمام أهداف مرحلية تفرضها الظروف الموضوعيّة في عصر كلّ إمام.
هذه الظروف الموضوعيّة هي التي تحدّد ( طبيعة الدور ) و( شكل الأسلوب ) .
- ثم ختم كلمته قائلاً :
هذا ما أردت قراءته حول الثورة الحسينية الخالدة مستلهماً ما كتبه العلماء والمحققون حولها ، فأسال الله عز وجل بحق سيدي ومولاي أبي عبدالله الحسين عليه السلام أن يجعلنا في سفينته سفينة النجاة ، وأن يبصّرنا حقائق ثورته وتعاليمه السامية إنه سميع الدعاء .
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ورحمة الله وبركاته