الحرية أولاً
الأمن أم الحرية ؟ ! (4)
تتوقف مغازلاتي للحرية عند قراءة وصف العلامة الصفار لها في كتابه"ضد الاستبداد" حيث يصف الحرية قائلا: ليس الحرية من ضرورات الحياة فقط بل هي فطرة شكلت حقيقة وجودنا الإنساني وجوهره... فلا بديل للإنسان عن الحرية ولا غنى عنها..
فهو يحتاجها كما يحتاج إلى الخبز والماء.. ويتعطش إليها كما تتعطش الوردة الضاحكة في فم الرابية إلى الماء والتراب..
ويحوم حولها كما يحوم الفراش المذهب حول المزاهر...ويتلهف إليها كما تتلهف الروابي للمطر.. ويشتاق إليها كما يشتاق العصفور إلى الزهور الباسمة في الربيع، فالإنسان والحرية ولدا معاً ولا يمكن أن تسلب احدهما عن الآخر إذ لو سلبت من الإنسان حريته فقد ذوى ومات كما تذوي الأغصان اللاعبة عندما تحرمها هبات النسيم وعذوبة الماء.
وقد كانت واحدة من الأهداف الكبرى السامية التي بذل من اجلها القمة الخامسة من قمم الكمال البشري الإمام أبو عبدالله الحسين كل ما لديه أن يبذله ويقدمه من أجلها... فكم غالية هي الحرية... وكم هي عزيزة..لكي يفديها فلذة كبد الرسول محمد"صلى الله عليه و آله" محرر الإنسانية بمهجته وأطفاله وعياله....
إن الله خلق الإنسان على قاعدة حرية الاختيار، الناتج بطبيعة الحال عن حرية الرأي والنظر في هذا الاتجاه أو ذاك..
والتنازل عن هذا الجانب يعني أن ينزل الإنسان من المستوى العالي الذي وضعه الله فيه، وأكرمه به إلى درجة يتساوى فيها مع سائر المخلوقات التي لم تخلق حرة.
و إذ يرتب هرم ماسلو الأمن قبل الحرية، فالسيد المدرسي له ترتيب مختلف عن ذلك في كتابه (الوجيز في الفقه الإسلامي: فقه الدستور وأحكام الدولة الإسلامية) إذ يضع الحرية في مقدمة احتياجات الإنسان، و يقول المدرسي "ليس من الصحيح جعل الأمن الهدف الأساسي للدستور إذ أن اعتزاز الإنسان بكرامته يفوق حاجته إلى الأمن، وهو يضحي بأمنه من أجل كرامته. وأما العدالة فهي لا تتحقق إلاّ بالحرية" .
و عن الحاجة للأمن يقول السيد المدرسي"حينما يتحرر البشر من عقدة الخوف من غير الله سبحانه، وحينما يتعالى على أسباب الفشل، وحينما يتسلح بالشجاعة من أجل تحقيق كرامته، وحينما لا تكون ذاته أكبر همومه، وحينما يستعد لدفع فاتورة الاستقرار، هنالك يستحق الأمن".
و يعتبر كذلك المدرسي أن الأمن "مسؤولية مشتركة بين الأمة والدولة، وهو يتصل بقيمتي الحرية والعدل، فلا أمن لمن لا حرية له، ولا أمن لمن لا يشمله العدل"، و للحفاظ على الأمن يقول المدرسي"لابد من إحداث منظومة كبيرة من القوى الحافظة للأمن".
ولم يخفي المدرسي من خشيته من أن يأخذ هاجس الأمن و قيام تلك "المنظومة الأمنية الكبيرة" وغياب الحرية إلى قيام دولة المخابرات البوليسية حيث يقول " أن المشكلة تبدأ من احتمال تحول هذه القوى إلى خطر على الحرية، وإلى تسرب الفساد إليها من خلال تعاملها مع عوامل الفساد"، و يرى الحل في وضع قوى الأمن دائماً وأبداً تحت سلطة القضاء العادل.