سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي «دام ظله»
الانتماء الى عاشوراء
* كان حبيب بن مظاهر الأسدي وشمر بن ذي الجوشن كلاهما من مدينة واحدة، وعاشا معاً سنوات طويلة، ولكن شتان ما بين عاقبتيهما وما آل إليه أمر كل منهما في يوم عاشوراء. فهذا خُتمت حياته وهو في صف الإمام الحسين «سلام الله عليه» ومعسكره، وذاك انتهى به الأمر لأن يكون في زمرة أعدائه وقاتليه. وكان زهير بن القين رجلاً عثمانيّ الهوى، وكان وهب نصرانياً، في بداية أمرهما، ولكنهما بلغا في عاشوراء منزلة بحيث صارا ضمن من وقف - ويقف - الملايين أمام قبورهم ويخاطبونهم بالقول: "بأبي أنتم وأمي". وفيهم العلماء والمحدّثون والمؤمنون فضلاً عن عامة الناس. هذا في حين لم يحظ بهذا الشرف الرفيع أشخاص كانوا يعدّون من الشيعة مثل عبيد الله بن الحرّ الجعفي، الذي دعاه الإمام الحسين «سلام الله عليه» كما دعا زهيراً، ولكنه لم يلبّ دعوة الإمام ومال عنه، فخسر الدنيا والآخرة، ولا يُعلم الآن ما هو مصيره الأليم، وفي أيّ عذاب يقيم حتى أبد الآبدين؟! وفي كل سنة يحدث ما حدث بالأمس نفسه «أي في عام 61 هـ»، فهناك من خدم وضحى في طريق الإمام الحسين «سلام الله عليه» وبذل الجهد في سبيل إقامة شعائره التي هي من شعائر الله «تعالى»، وهناك من صنع المشاكل ووضع العراقيل في طريق هذه الشعائر، وآذى، واستهزأ بالمقيمين لها، فسقط في الفتنة، ولم يكن من المشمولين بدعاء الإمام الحسين «سلام الله عليه» في قنوته، والذي نقله النائب الخاص الثالث للإمام الحجة «عجل الله تعالى فرجه الشريف»، إذ روي أن سيد الشهداء «سلام الله عليه» كان يقول في قنوته: "وأعذ أولياءك من الافتتان بي". أي: ارحم يا إلهي الشيعة وأولياءك بأن تحفظهم من السقوط في الامتحان الصعب بسببي. وإنني لم أر في أي دعاء من أدعية المعصومين «سلام الله عليهم» مثل هذا المضمون.
* لقد سقط في حادثة عاشوراء ويسقط فيها كثيرون، حتى ممن كانوا يُعدون من أتباع أهل البيت «سلام الله عليهم»، ليس في عامها الأول فحسب، بل في كل عام، وفي هذا العام أيضاً، وفي الأعوام اللاحقة، حتى قيام الساعة. وأول طائفة سقطت في قصة عاشوراء هم أكثر من ألف شخص دخلوا مع سيد الشهداء «سلام الله عليه» إلى كربلاء، وكانوا ممن يصلون خلف الإمام، ويقبلون يديه، ويسألونه عن مسائلهم الشرعية، فكانوا على استقامة في الاعتقاد بالإمام الحسين «سلام الله عليه» إلى ليلة عاشوراء، إلا أنهم سقطوا في تلك الليلة بخذلانهم الإمام الحسين «سلام الله عليه» وتفرقهم عنه، لأنهم لم يعاذوا من هذا الافتتان، فأخذوا ينفرطون من حوله جماعات جماعات. ولكن نجح في هذا الامتحان الصعب القليل من أتباع أهل البيت «سلام الله عليه»، وهم القلة الباقية مع الإمام «سلام الله عليه»، إذ أعاذهم الله من الافتتان به. والاعاذة من هذا الافتتان بحاجة إلى شيئين، الأول: الدعاء، والثاني: العمل. فقد قال الله «تعالى»: "قل ما يعبأ بِكم ربي لولا دعاؤكم". وقال «تعالى»: "وأَن ليس للإنسان إِلا ما سعى". ما يعني أن الأمرين مطلوبان معاً، صحيح أن الإمام الحسين «سلام الله عليه» دعا لنا، ولكن يجب علينا أيضاً أن نهتم بذلك، وأن ندع إثارة المشاكل والأثرات، ذلك أن الشعائر الحسينية شعائر إلهية، والتخصّص في إعطاء الرأي في مفرداتها للمراجع، الذين ينبغي سؤالهم.
* من المؤسف جداً أنْ يسقط في هذا الامتحان «الانتماء الى عاشوراء» بعض من هو في العقيدة من أتباع أهل البيت «سلام الله عليهم». وقد جاءني قبل أيام شخص يعتقد أنه من أتباع أهل البيت «سلام الله عليهم»، وكان يشكك بواحدة من شعائر الإمام الحسين «سلام الله عليه»، فسألته عن سبب تشكيكه، فقال: "لإشكالين، الأول: أن هذه الشعيرة لم تكن موجودة في زمن النبي والأئمة المعصومين «سلام الله عليهم». والثاني: أن بعض من يمارس هذه الشعيرة قد يرتكب بعض المحرّمات أو يتخلّف عن بعض الواجبات". أما عن الإشكال الأول فقلت له: إن هذا من كلمات الوهّابية، فلا ينبغي لكم ترديده. والوهّابية لا يرجعون إلى سند قوي، أما نحن فنستند في عقائدنا وفي فقهنا إلى مدرسة أهل البيت «سلام الله عليهم» الذين لا يقاس بهم من الناس أحد. ثم إنني أسأل من يعترض على هذه الشعائر بدعوى عدم وجودها في زمن النبي : ماذا يقول في قباب الأئمة، والحسينيات، والكتب الحديثية، والمدارس الدينية والمراجع و... فهذه كلها لم تكن في زمان النبي ولا زمان الأئمة «سلام الله عليهم»، مع أن سخف القول ببطلانها من الواضحات. ويجاب عن هذا الإشكال بجوابين فقهيين: الأول: إن هذه الشعائر داخلة تحت العمومات، وهي تشمل الجميع، فكما إنها تشمل قبّة الإمام الحسين «سلام الله عليه» وضريحه ولم تكن في زمن الأئمة «سلام الله عليه»، فكذلك تشمل الشعائر كلها. الثاني: إن هذه الشعائر من مقدّمات وجود الواجب، ومقدّمات وجود الوجوب ـ كما هو معلوم ـ واجبة، عينية كانت أو كفائية، وإنّ علماء الشيعة من الشيخ المفيد وحتى زمننا الحاضر بحثوا هذه المسائل بتحقيق وعمق وبسط. إذن فهذا الإشكال غير وارد، وهو كلام الذين لم يقرؤوا القرآن أو قرؤوه ولم يفهموه، أو لم يقرؤوا الحديث أو قرؤوه ولم يعوه. أما الإشكال الثاني فجوابه: أن الشخص العادي ـ فضلاً عن المتفقّه ـ يدرك أن وقوع الحرام أو التخلّف عن الطاعة في مكان أو مقام لا يعني عدم مشروعية ذلك المكان أو المقام، وإنما تنحصر الحرمة في الفعل نفسه. فلو أن إنساناً بات في مسجد مثلاً من طلوع الفجر حتى طلوع الشمس، وبسبب تساهله فاتته الصلاة، فهل يؤمر بغلق هذا المسجد أم يجب هداية ذلك الإنسان بالحكمة والموعظة الحسنة؟
* إن التشكيك بقضايا الإمام الحسين «سلام الله عليه» وشعائره ليس لعباً في نار الدنيا فقط وإنما هو يفسد آخرة الإنسان أيضاً. ومن جهة أخرى: إن من المستحبات الدعاء للقائمين بالشعائر الحسينية بأن يوفّقهم الله «تعالى»، ويعينهم، ويلهمهم الصبر وزيادة التحمل في هذا الطريق. وهذا المستحب مأخوذ من الرواية المتواترة «على الأقل بالتواتر الإجمالي» والمنقولة عن الإمام الصادق «سلام الله عليه» أنه دعا حال السجود لزوار قبر الإمام الحسين «سلام الله عليه» وأولئك الذين يبذلون جهداً في عزائه فقال: "فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا". ويقول العلماء في أمثال ذلك: "إن المورد ليس مخصصاً، فالعبرة بإطلاق الوارد لا بخصوص المورد".
* لم يبلغنا من قضايا عاشوراء إلا القليل، فلقد أحرق الأعداء كتب الشيعة، فضاع الكثير مما يتعلق بعاشوراء وغيره. ومن المعلوم أن الإمام الحسين «سلام الله عليه» خرج من مكة المكرمة في الثامن من ذي الحجة، ووصل كربلاء في الثاني من محرم، أي استغرقت مسيرته «24» يوماً، وكان يرافقه في هذه المدة ألف ومائة شخص حتى ورد كربلاء. فكم مسألة سألوا الإمام «سلام الله عليه» خلال هذه المدة؟ أين صارت؟ وأين خطبه «سلام الله عليه»؟ ثم إننا نعلم أن قول المعصوم وفعله وتقريره حجّة، فكم من قول وفعل وتقرير صدر عن الإمام «سلام الله عليه» خلال هذه المدّة مقابل أكثر من ألف إنسان؟ إنه لم يبلغنا حتى واحد بالمائة منها. وقالوا: إن السيد المرتضى كان عنده «80» ألف كتاب انتقلت بعد وفاته للشيخ الطوسي «رحمه الله»، وقد أحرقت مكتبة الطوسي في بغداد. فأين ذهبت الروايات الباقية؟!