فعلها المصريون
في 16 يناير الجاري 2011 م، صرح وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط أن الحديث عن امتداد ما يجري في تونس إلى دول عربية أخرى كلام فارغ. وفي 25 يناير فعلها المصريون فصار الحديث عن الكلام الفارغ فارغا، حيث استفاق الشارع المصري على مظاهرات صاخبة تحاكي وتستلهم النموذج التونسي. فهل تفاجأ الوزير؟!
وفي نفس اليوم أي 16 يناير الجاري سئل وزير التجارة والصناعة المصري رشيد محمد رشيد حول إمكانية تكرار ما حدث في تونس في مصر بسبب ارتفاع الأسعار ، فأجاب بأن هذا لا يمكن أن يحدث في مصر لأن مصر لديها منظومة تتضمن 64 مليون بطاقة تموينية تغطي الغالبية العظمى من الشعب المصري وتجعله معزولا عن الأسعار العالمية كما أن المواد البترولية مدعومة ولم يحدث تغيير على أسعارها منذ عام 2008.
ثم انفجر الشارع المصري محتجا على الغلاء والبطالة والفساد وانسداد الأفق السياسي وتزوير الانتخابات وغيرها، فهل تفاجأ هذا الوزير أيضا؟!
في عام 2010 م أصدر علاء الأسواني كتابه: لماذا لا يثور المصريون؟ لاقى الكتاب رواجا كبيرا فطبع في نفس السنة ثلاث مرات. في المقالة الأولى من الكتاب يجيب على هذا السؤال/ العنوان بقوله: إن ما يمنع المصريين من الاحتجاج خبرتهم الأليمة بالقمع ويأسهم الكامل من الإصلاح، وقد تعود المصريون أن يبتعدوا عن السلطة بقدر الإمكان يتجاهلونها ويتحملون أذاها بين الحين والحين،ويسخرون منها فيما بينهم ثم يصنعون ـ بعيدا عنها ـ عالمهم الصغير الحقيقي، يعملون ويكسبون ويربون الأولاد وينعمون ببعض المتع الصغيرة.
وفي يوم جمعة الغضب 28 يناير أثبت المصريون أن ما قاله الروائي الكبير غير دقيق، فهل تفاجأ الأسواني مع المتفاجئين؟!
يبدو أننا نعيش في عام المفاجآت، فلم يكن أحد يتوقع كل هذه التداعيات لحادثة إحراق الشاب التونسي محمد بو عزيزي نفسه؛ والدليل على ذلك ما شهدناه من ارتباك الدوائر السياسية الغربية - التي توصف بالمحيطة بشؤون المنطقة - في كيفية التعاطي مع مجريات الأحداث، وكأن كل مراكز الأبحاث والدراسات المستقبلية هناك لم تستطع أن تتنبأ بالانفجار العظيم big bang الذي صنعه الجيل الجديد من الشباب. هذا الجيل الذي كان يُظن أنه لا يفقه في السياسة وأنه مفتون بالغرب حتى الثمالة، وإذا به يسبق المعتقين والمخضرمين السياسيين المشغولين بخلافاتهم الحزبية الضيقة، ويقوم بصياغة خطاب حقوقي ناصع البياض يمثل تطلعات الإنسان المشروعة في الحياة الكريمة، ويتمثل في المطالبة بالتغيير والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والشفافية والانتخابات النزيهة والمشاركة الحقيقية في صنع المستقبل، والقضاء على الاستبداد والفساد والبطالة والفقر.
لقد حدد الشباب ما يريدون انطلاقا من الواقع الذي يعايشونه ولم ينطلقوا من أيديولوجيات جاهزة لم تقترب من شقاءات المعذبين في الأرض، وتفاعلوا مع أدوات العصر ومعطياته لإيصال أصواتهم ورسائلهم لكل من يهمه الأمر أو لا يهمه، لذا تمكنوا من تعليم الكبار في فترة قصيرة دروسا هي أقرب إلى محو الأمية، أعني أمية الفعل السياسي في القرن الحادي والعشرين.
إن صورة آلاف الشباب المصريين المحتجين والذين شكلوا درعا بشريا لحماية المتحف المصري من النهب والسرقة هي من أروع الصور البليغة المكتنزة بالدلالات عن عمق الوعي الوطني لدى هؤلاء الشباب والذين هم بحاجة لمن يقرؤهم ويفهمهم بما يليق بهم. أما الاستمرار في سياسات ( التطنيش ) وفرض الأمر الواقع بالقوة فقد أثبت فشله دائما، كما ثبت أيضا وبالدليل الملموس أن الاعتماد على دعم الغرب لإطالة عمر الكراسي لا يفيد، فأمريكا والغرب كما يقول أحد السياسيين المصريين ( المتغطي بهم عريان ).