سلمية .. مقلية
لا تؤلمني وتطلب مني أن لا أتوجع .. لا تستغفلني وتطلب مني أن أشكرك .. لا تلعني وتنتظرني أن أبتسم بوجهك كأبله لا يقدر الأمور بقدرها .. لا تخبرني أن أنمي مداركي وعقلي وأستوعب مجريات الأحداث في العالم بينما لا أُعمل فكري في ما يجول حولي من أحداث قريبة .. لا تعلمني القيم ومعانيها النبيلة ثم تتركني أصطحب نفسي دونها في تعاملاتي مع الناس من حولي فأغدو كغريب في دنيا غريبة عني أو كقارع بالطبل في عالم من الصمم .. الحياة في مجملها عقيدة وموقف .. ومن لم تكن له عقيدة و موقف فلا خير فيه لا لنفسه ولا لأمته مهما بلغ عطائه ..
منذ أشهر ونحن نتابع ما يجري على الساحة العربية والدولية عامة من مفاجآت وزوبعات وصرخات كثيرة واستغاثات، ونلحظ مقدار وامتداد وسعة التغيرات الجارية والمربكة والمدهشة حتى .. نتابع ما يجري على الساحة ونعرف أن لكل بلد خصوصيته وأسبابه لهذه الاعتصامات والاحتجاجات والمطالبات والمظاهرات والثورات الغاضبة .. ولنا أيضا أن نلحظ ما يجري حولنا ونُحكِم الأمور معهم أو ضدهم .. لكن حكمنا ليس هو النافذ ولا من حقنا أن نتكلم عن وجعهم كما يفعلون .. فنحن نظل خارج دائرة الحدث القريب الذي يطحنهم .. ويبقون هم أصحاب الجمرة الحارقة ومعصرة الألم التي تدور بهم صولاتها ..
.. قضايانا يا من تدعون أننا ننتمي لفئات خارجية يهمها قلب النظام وإحداث البلبلة في البلد، هي واضحة والخلط هو فقط في أفهامكم النيّرة أو لنقل في مغالطاتكم المتعمدة أو المتلبسة .. السجناء غايتنا ولا علاقة لنا بأحداث ثورة حنين وإن تزامنت معنا .. السجناء المنسيوون اللذين قضوا ستة عشر عاما في السجون وهذا مطلبنا وشعارنا (سلمية .. سلمية) وتركنا كل شيء آخر وأرجئنا حديثنا حوله حتى لا يشوش هدفنا على أحد ذي عقل سليم ، فاتهمنا بأننا ندير أشرعة التغيير الجذري وأننا متآمرون مأجورون وننتمي لسلطات الدول المعادية وأننا أذناب لها (قردة) أكرمنا الله عن القردة !! مع أنه ثبت علميا خطأ نظرية (دارون) وبراءتنا من وجود الأذناب التي تختفي وتظهر كعصا سحرية ، هذا على عهدة تطورات العصر والإنفتاح على الآخر، وتقدم وسائل التكنلوجيا وأرصاد الأقمار الجوية التي تؤيد هذه المقولة أو تنفيها، إلا إن صح القول أننا نخفيها كتقية (والله أعلم) !! ..
تجعلني ابتسم رفيقتي رغم مرارة ما يجري على أرض الواقع وهي تحكي عن طفلتها الصغيرة التي تشاهد ما يجري على شاشات التلفزة متأثرة بها .. فتتظاهر هي الأخرى داخل مطبخهم الصغير حول وجبة العشاء التي تريدها وتعتبرها من حقها وتصرخ (مقلية مقلية.. نريدها مقلية) .. كتعبير عن حقها في طلب عشاءها دون إحداث أضرار لأحد !
على كل حال جاءت أحداث ثورة البحرين والعالم يصرخ من وجع ما يشاهد فيها من فتك ومجازر ومذابح واستباحات وانتهاكات لحقوق الإنسان لشعب أعزل، لا يقبلها من ينتمي للإسلام والإنسانية، فكيف بنا نحن من ننتمي للعروبة والإسلام والحوارات المزعومة واللجان الإنسانية المدعاة والحقوقية المفترضة ! فقلنا كفى إنتهاك لآدمية البشر أينما كانوا، ومهما كانت مطالبهم مع أنها (سلمية .. سلمية) ، فالعنف لا يولد غير العنف والقمع لا يأتي إلا بالمشاكل والبلبلات وزيادة الخسائر مهما كانت .. فعدتم للإتهامات المغلوطة في حقنا وتجاوزتم حدود الذوق والأدب في حديثنا ونفيتم سلميتنا وشككتم بنوايانا ..
حين نتكلم عن حوار سلمي تسخرون منا ومن سلميته بإدخالات غير صحيحة لا يستوعبها عابر على الوضع فماذا عن معايش له .. حين نؤازر شعب يُسحق بلا رحمة، يغيظ البعض أن نفعل ويلوكنا بالتهم والشتائم القبيحة التي ما أنزل الله بها من سلطان .. كأننا مجردون من مشاعرنا وكأن هوياتنا معلقة على سقف دار خربة تتأرجح يمينا وشمالا مع الريح أين كان صفيرها .. أو كأننا لا إنتماء لنا ولا ولاء لأرضنا ولا موقف يمكننا أن نخوضه أو رأي يحملنا على الوقوف عليه .. أو كأننا بشر زائدون في هذا البلد ولا حاجة لنا فيه كمجتمع نشكل أساسه وجذوره 100% حتى قبل ظهور ثروة النفط وملحقاتها ، أو لربما كنا فئة تنشر الخراب وتصنعه .. لا كجزء من مجتمع نشكله ونشكل أطيافه وانتمائاءته العرقية والمذهبية ونسيج هام فيه ولبنة من لبناته ..
لا شك أن القيم التي نتعلمها ولا نطبقها لا خير لنا من الأساس في تعلمها .. والجار الذي نراه يتأذى فلا نقول كلمة حق تنصفه وتصف ما يجري عليه ولو كانت بإيمان ضعيفة لا خير له في جوارنا .. والناس اللذين يرتدون نظاراتهم السميكة لن يشاهدوا غير ما يماثل ألوانهم التي يلبسونها .. وختاما إن أردت أن ترى ما يجري حولك بنظرة منصفة فستراه .. إن شئتها سلمية فهي سلمية وإن شئت رؤيتها مقلية فهي مقلية .. وضميرك هو خصمك في كلا الحالين !! .