خطوات نحو التقدم
كثير من الناس يراوحون مكانهم، فهم يعيشون تبعاً لذلك بغير تقدم يذكر. وقلة هم أولئك الذين يطورون حياتهم. لذلك نحن نرى الكفاءات في الكثير من المجتمعات قليلة وتكاد تعد على أصابع اليد الواحدة، إن لم نكن مبالغين!
فلماذا يكون هذا هو الحال؟ ولماذا لا نزال ندور حول حلقة مفرغة؟!
لا شك أن لذلك أسباباً عديدة، من جملتها ما يلي:
1- ضعف الثقة بالنفس:
فالبعض من الناس قد يكون ذا كفاءة لكنه لا يثق بكفاءته وقدراته. وهذا أمر خاطئ، فعلى الإنسان أن يثق بقدراته وإمكانياته؛ فالثقة بالنفس مفتاح النجاح. فلو قمنا بدراسة حياة العظماء والمخترعين والمبدعين...إلخ، نجد كل أولئك انطلقوا من خلال امتلاكهم لهذا المفتاح السحري، الذي يفوق مصباح علاء الدين في قدرته على تحقيق أمنيات ممتلكيه. وفي هذا الخصوص يقول الإمام علي : "هلك من لم يعرف قدره".
ويقول أيضاً فيما نسب إليه:
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
من خلال ما سبق نعلم ضرورة الثقة بالنفس، فعلى المرء أن يثق بنفسه وقدراته حتى لو لم يجد من يشجعه.
وبالرغم من إيماننا بأهمية التشجيع لتطوير الكفاءات إلا أننا لا نراهن كثيراً على ذلك! خصوصاً ونحن نعلم علم اليقين أن البعض من أفراد المجتمع قد أتقنوا فن التثبيط! فهم بمجرد أن يروا الجنين لتوه خارجاً من بطن أمه يسعون لقبره تحت التراب!!
إذاً، ونحن نرى الحال هكذا علينا أن نثق كثيراً بقدراتنا، لأن العالم لا يعترف إلا بالقدرات والكفاءات، ولا يعني ذلك أن نتسرع في أعمالنا ولا نصغي لآراء الآخرين، فمن شاور الناس شاركهم في عقولهم، والعاقل من استفاد من تجارب غيره.
2- غياب ثقافة التقدم والتطور:
فلأننا رضعنا ثقافة الجهل والتخلف هانحن نعيش الجهل والتخلف. فإذا أردنا النهوض والانطلاق بكل قوة للإمام علينا أن نستبد ثقافتنا هذه بثقافة العطاء والتحدي.. ثقافة التقدم والتطور.
فلا يزال البعض منا يتصور أن الشخصيات العظيمة خلقت هكذا عظيمة! فعندما يسمع الشاب منا (مثلاً) بأن فلاناً من الناس شاعر، فهو يتصور أن الشخص الذي سمع عنه قد خرج من بطن أمه وهو حامل لهذه الصفة. وهكذا، عندما يسمع أو يقرأ عن كاتب أو قاص أو مخترع...إلخ، فهو يظن أن جميع أولئك قد ساروا في حقل مليء بالورود والرياحين، والحقيقة الغائبة عنه أن أكثر أولئك -ربما- ساروا في طرق مليئة بالأشواك والمسامير؛ إلا أنهم بثقافتهم الطموحة اجتازوا كل تلك الصعاب والعقبات.
فثقافة التقدم والتطور والعطاء وإمكانية التغيير بعيدة عن تفكير البعض، إن لم نقل الأكثرية من الناس؛ فالإنسان والحالة هذه، بحاجة لثقافة التقدم لأن من يمتلك هذه الثقافة بإمكانه أن يطور نفسه ويجعل اسمه منقوشاً في ذاكرة التاريخ كإنسان كفء.
3- عدم احتضاننا للكفاءات:
فنحن إن أردنا أن نطور مجتمعاتنا فعلينا أن نسعى لاكتشاف أصحاب المواهب والقدرات ونقوم بعملية توجيههم من أجل تطوير قدراتهم وإمكانياتهم نحو لأفضل.
وهذا ما تقوم به المجتمعات المتطورة، فهي ترعى كفاءاتها كما ترعى الأم جنينها. فلأجدى لنا أن نعمل وفقاً لذلك فنشجع ذوي الكفاءات: معنوياً ومادياً، وسنرى بعد ذلك نتاج زرعنا.
وللتمثيل، قد نجد إنساناً لديه القدرة على الابتكار أو الكتابة أو الرسم...إلخ. ففي مثل هذه الحالات تقع علينا مسؤولية احتضانه برعايته وتشجيعه علّه يكون في المستقبل القريب من الرواد، وقد سمعنا وقرأنا عن أناس أصبحوا متفوقين وذوي كفاءات في مختلف المجالات؛ لأنهم وجدوا من يشجعهم في خطواتهم الأولى.
4- محدودية التطلع:
فقد يلاحظ القارئ العزيز أن البعض لديه قدرة وكفاءة وعطاء، لكنه في الوقت نفسه يعيش في حدود ضيقة، وقدر المرء على قدر همته.
فإن كان -الشخص الكفء- صاحب قدرة على الكتابة فتجده لا يكتب إلا في صحيفة واحدة قليلة الانتشار، قد لا تصل إلى من يعيش في مكان آخر بعيداً عنه. وإن كان شاعراً فهو لا يفكر في التعريف بشاعريته عن طريق النشر. وإن كان كاتباً قديراً فهو لا يفكر في طباعة كتاب مستقل يحمل اسمه ليدل عليه.
فالمطلوب من أن نتطلع إلى الأفضل دائماً، ونعيش الهدفية في حياتنا، وننظر إلى الحياة بجدية، ونخطط لمستقبلنا، ولنفكر -من باب الفكاهة- بارتقاء قمة العظمة لا سنامها؛ لأن السنام للجمل، والقمة للجبل! ونحن لا نريد أن نرتقي سنام جمل، بل قمة جبل.
تلك كانت بعض النقاط التي أحببت إثارتها من خلال مقالتي هذه -والتي كتبت في الأصل عندما سألني أحد الطلبة عن كيفية الكتابة، فما كان مني إلاّ أن أمسكت بالورقة والقلم، ووضعت العنوان، وكتبت الذي تراه مسطراً أمامك -ثم أضفت إليه قليلاً- وأجبته هكذا يكتب الكاتب!- علها نثير العقول التي تسعى من أجل التقدم والتطور، وهي خطوات نحو التقدم الذي نسعى جميعاً من أجل معايشته وصناعته".