شيعة الخليج ومجلس التعاون
الأقليات الدينية والإثنية والعرقية في العالم عموما أصبحت تحظى باهتمام بالغ من قبل الحكومات والمنظمات الدولية والأهلية، وقد تزايد الاهتمام بعد سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي وانبثاق أوروبا الجديدة.
هذا الاهتمام هو نتيجة لبروز الأقليات كعنصر حاضر في العديد من النزاعات الداخلية والدولية مما سلط الضوء على هذه القضية بشكل كبير، واستدعى معه سن التشريعات والقوانين التي تكفل حقوق الأقليات وتحافظ على استقرار الدول. وقد ساهم ذلك مع إجراءات أخرى إلى جعل الاختلاف والتنوع قيمة امتيازية بدلا من أن يكون مصدرا للتوتر.
في الغرب تعامل مجلس أوروبا بشكل جدي مع هذه القضية، بدأ بالاعتراف بها كمشكلة ينبغي العمل على حلها، ثم لم يكتفِ بالمصادقة على القوانين الدولية التي تعنى بمحاربة التمييز وحماية الأقليات، بل قام بتطبيق إجراءات عملية على الأرض تخاطب المشكلة بصورة مباشرة دون مواراة أو مواربة. فقد تبنت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا في عام 1990 توصية احتوت على عدد من المبادئ المتعلقة بحقوق الأقليات ، ثم اعتمد مجلس أوروبا الميثاق الأوربي الخاص باللغات المحلية أو لغات الأقليات، وتعهدت الدول الأطراف في الميثاق بتطبيق المبادئ والأغراض المحددة منه التي تتعلق بحقوق الأقليات.
كما عمل مجلس أوروبا على تعزيز حماية الأقليات القومية من خلال اعتماده للاتفاقية الإطارية الخاصة بحماية الأقليات القومية، واعتمد جملة من القواعد الخاصة بالرقابة على تنفيذ أحكام الاتفاقية المكملة والمتعلقة بحقوق هذه الأقليات.
وذهب الأوروبيون أبعد من ذلك بكثير حيث يمكن بحسب الاتفاقيات الثنائية إعطاء الدولة التي تنتمي إليها الأقلية طبيعيا أو إثنيا أو قوميا دورا مهما في رعاية الأقلية المنتهية اليها، دون أي إخلال بسيادة الدولة التي تعيش فيها الأقلية أو بسلامتها ووحدتها الإقليمية.
في العام الماضي، وكرد فعل على حظر المآذن في سويسرا، نظم المجلس الأوروبي مسابقة لأجمل مئذنة في أوروبا فاز فيها مسجد برادفورد في بريطانيا، وأعلنت نتائج المسابقة في مبنى البرلمان الأوروبي في خطوة رمزية تشير إلى الالتزام بحقوق الأقليات.
هذا ما فعله المجلس الأوروبي، أما حين نفتش عما فعله مجلس التعاون الخليجي حيال الأقلية الشيعية في دوله فإننا نجزم بأن هذه المسألة لم يتم التعاطي معها حتى الآن بالشكل المناسب، بل لم تتم مناقشتها داخل أروقة المجلس، وكأن الإنكار وحده يكفي لحلها. نحن نعلم أن حالات الإقصاء والتهميش والتمييز الطائفي تتفاوت من دولة خليجية لأخرى، ولكن تظل المشكلة قائمة على أية حال، كما يظل الولاء الوطني للشيعي أحيانا – وللأسف الشديد – محل تشكيك من قبل البعض، بل قد يجاهر البعض بالمطالبة بإبادة الشيعة دون أن يلقى أي رادع.
إننا حين نطالع نصوص القانون الدولي الخاصة بحقوق الأقليات والتي منها حق الحماية ضد التعصب والتمييز والعنف العنصري وأن يكون لها نفس الحقوق المدنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي للأغلبية، وحق التمتع بثقافتها وممارسة ديانتها والتحدث بلغتها، وغير ذلك؛ حين نطالع هذه النصوص ونشاهد على أرض الواقع ممارسات تمييزية تمثل انتهاكا للقانون الدولي فإن أبسط ما يمكن أن نطلبه من مجلس التعاون أن يتصدى لهذه المسألة كما فعل الأوروبيون بجرأة وواقعية وحكمة، وأن يقاربها مقاربة سياسية لا أمنية.
إن إنكار المشكلة أو تجاهلها أو ربطها بأطراف خارجية لا يزيدها إلا تعقيدا، وعلى العكس من ذلك تكون البداية الصحيحة بالاعتراف بوجودها ومن ثم البدأ بدراستها وإيجاد الحلول الناجعة التي تضمن حقوق الأقلية الشيعية كمواطنين يتساوون مع غيرهم من أبناء أوطانهم في الحقوق والواجبات دون أدنى تمييز.