حب من أول نظرة
قال سدير الصيرفي للإمام الصادق : إني لألقى الرجل لم أره ولم يرني فيما مضى قبل يومه ذلك ، فأُحبّه حبّاً شديداً ، فإذا كلمته وجدته لي مثل ما أنا عليه له ، ويخبرني أنه يجد لي مثل الذي أجد له ، فقال :
صدقت يا سدير ، إنّ ائتلاف قلوب الأبرار إذا التقوا وإن لم يُظهروا التودّد بألسنتهم كسرعة اختلاط قطر السماء على مياه الأنهار ، وإنّ بُعدَ ائتلاف قلوب الفجّار إذا التقوا وإن أظهروا التودّد بألسنتهم ، كبُعد البهائم من التعاطف وإن طال اعتلافها على مذودٍ واحدٍ .
هكذا وبدون مقدمات تلتقي به لأول مرة، فتشعر نحوه بالحب الشديد الجارف. تحدثه فيفصح هو الآخر عن حبه لك حبا يماثل حبك. ترى ما الذي يحدث؟ وهل يستطيع علم كيمياء المحبة الإجابة على هذا السؤال؟
الجواب نجده عند ملهم الكيمياء الإمام الصادق كما أطلق عليه الأستاذ محمد يحيى الهاشمي في كتابه الذي يحمل هذا الاسم. وإذا كان الهاشمي يقصد كيمياء المادة التي علمها الإمام لتلميذه النجيب جابر بن حيان والذي قال عنه ابن خلكان في كتابه (وفيات الأعيان):
وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيان الصوفي الطرطوسي قد كتب كتابا يشتمل على ألف ورقة يتضمن رسائل جعفر الصادق في الكيمياء وخمسمائة رسالة..
أقول: إذا كان الهاشمي يقصد كيمياء المادة، فمقصدنا هو كيمياء المعنى، وهو علم أعمق من الأول بكثير، فالتأليف بين العناصر المادية لا يمكن مقارنته بتأليف القلوب التي لا يملك أسرار مفاتيحها إلا الله.
﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ (63) سورة الأنفال.
كل خزائن الدنيا بحسب هذه الآية الشريفة لا تستطيع إحداث الألفة بين القلوب، ولكنه ربها وحده الذي يفعل ذلك للقلوب التي هيأت أرضيتها واستعدت لفيض الحب الرباني. إنها قلوب الأبرار المتصلة بالله البَر الرحيم، كما وصف نفسه تعالى في كتابه الكريم حين قال على لسان المؤمنين: إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) سورة الطور.
في المقابل نرى قلوب الفجار في حالة تنافر دائم، وإن أظهر بعضهم لبعض الود بلسانه:
﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾.
هذا ما ذكره الإمام في جوابه على مسألة كيمياء الحب التي طرحها سدير الصيرفي.
دمتم بحب.. أحبكم جميعا.. جمعة مباركة