التجسير الثقافي
ورقة عمل مقدمة للملتقى القرآني 1436هـ والذي ينظمه المجلس القرآني المشترك بالقطيف مقدم الورقة : أ.محمد حسن الشبيب (عضو اللجنة الإشرافية بمركز القرآن الكريم بأم الحمام)
- ماذا نقصد بالتجسير الثقافي ؟
نقصد بالتجسير الثقافي باختصار (هو انتقال اللجان القرآنية من الاهتمام بالحفظ والتجويد فقط إلى الاهتمام الفعلي بالثقافة والفكر القرآني)
وهو المطلوب الأهم الذي تواتر الحث عليه قرآنيا وروائياً، وإلا لا تعدوا كل المحاولات على فرض نجاحها التام (تكراراً للنموذج السني في المنطقة ) بل ما يهمنا هو إقامة (الحروف والحدود ) معا وليس إقامة الحروف وتضيع الحدود على ما حذر منه أمير المؤمنين عليه السلام .
ونشير هنا إلى العنصر الأهم في هذا الموضوع وذلك عبر الإجابة عن الاستفهام التالي :
(ما هي السبل والخطوات المتدرجة الكفيلة بتسهيل ذلك الانتقال مع تذليل العقبات التي قد تحول بين اللجان وتفعيل الجانب الفكري) .
- مقدمة :
لا يحتاج الباحث إلى كثير عناء في تشخيص الجانب الأهم في ما يخص القرآن الكريم ألا وهو التدبر في آياته واستخلاص العبر والمواعظ فهو الدواء الناجع لأمراض النفس والمجتمع
قال تعالى : (أفلا يتدبرون القرآن أم عل قلوب أقفالها )
وقال أمير الكلام (الله الله في القرآن لا يسبقنكم إلى العمل به غيركم )
من هنا فإن جميع المهتمين بالعمل القرآني في المنطقة وفي مختلف اللجان سواء اللجان العشر القديمة أم اللجان العشر الجديدة يدركون بأن العمل في هذه اللجان القرآنية قد يكون مقتصراً إلى درجة كبيرة على الحفظ والتجويد فقط، أما ما يخص الجانب الفكري والثقافي قد يكون معدوماً ولا أثر له إلا ما خرج بالدليل عند لجنة رجالية واحدة وللأسف توقفت عن العمل منذ ثلاث سنوات، ولجنة نسائية أيضاً واحدة محدودة النشاط مناطقياً وكلامنا على تعميم التجربة لتشمل جميع اللجان والمناطق .
نخلص من المقدمة السابقة إلى نتيجة مفادها الاستفهام التالي :
- ماذا بعد الحفظ والتجويد ؟
أليس هو الفكر والتدبر والبحث في معارف القرآن الكريم.
ألا تكفي (عشرون سنة ) من العمل القرآني بعيداً عن الهدف الأسمى للقرآن الكريم وهو إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولا يكون ذلك إلا بالتفكر في بصائر القرآن وتلمس طريق الهداية من خلال معرفة تفسيره وتأويله والنظر في معارفه السامية.
الجواب : بلى عشرون سنة كافية جداً.
بل عشر سنوات وخمس سنوات كافية جداً لاكتشاف الدواء والأخذ بيد اللجان عبر خطوات واقعية متصاعدة للرقي بالعمل القرآني وإبراز الوجه المضيء والمشرق للفكر القرآني المبني على معارف أهل البيت (فأهل البيت هم أدرى بالذي فيه ) فهم شجرة النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الوحي والتنزيل وإنما يعرف القرآن من خوطب به.
وقبل أن نذكر بعض الخطوات وتذليل العقبات في هذا الطريق لا بأس أن نضع بين أيديكم خلاصة جامعة لأطراف الكلام :
(( أيها المجتمعون الكرام هناك الآن لجان قرآنية متفرقة في منطقة القطيف وربما تصل إلى عشرين لجنة
قد جمع شملها المجلس القرآني المشترك الموقر زاده الله بركة ونماء .
هذه اللجان نصفها يعمل منذ أكثر من عشر سنوات وقد أحرزت تفوقاً ملحوظاً في جانب تلاوة وحفظ القرآن (وهي مشكورة على ذلك )
وهي الآن جاهزة ومستعدة ومنتظرة ومهيئة قلبياً وبكل شغف إلى الانتقال إلى مرحلة الاهتمام بالعنصر الثقافي والفكري للقرآن الكريم .
فالبيئة الحاضنة موجودة بشريحة واسعة جداً.
تنتظر منكم أيها العلماء والمفكرون والخبراء الأخذ بيدها إلى الجانب الأكثر إشراقاً ألا وهو نور القرآن وفكره المضيء، فالقرآن ربيع القلوب، والقلب السليم عاشق للقرآن وفكره )).
- استفهام وإيضاح :
بعد أن وضح في المقدمة بأن اللجان في هذا الوقت منتظرة للعمل القرآني الفكري و الثقافي .
يتبادر إلى الذهن سؤال مهم وهو :
-ما السبب في عدم انتقال اللجان إلى الجانب الثقافي و الفكري ؟
( طبعاً مع ما فيه من تعقيد أكثر من جانب التلاوة والحفظ فهو يعتمد بالأساس على كوادر نوعية ومتمرسة بأدوات عديدة تحتاج إلى الإعداد لفترات طويلة )
- ما هو السبب ؟
هل السبب هو من اللجان نفسها بأنها لم تطلب من العلماء والمختصين والخبراء المشاركة في بناء المنظومة الفكرية .
أم أن السبب في أن العلماء لم يتحركوا في هذا الاتجاه ويقوموا بالدعم المناسب لهذه اللجان
أم هم ينتظرون دعوتهم من قبل هذه اللجان ولا يريدون أن يفرضوا أنفسهم على تلك اللجان .
وفي أحسن الأقوال أن بعض اللجان غير متصلة ومحتكة بالمفكرين القرآنيين ولا يعرفون من هم كي تنشأ علاقة أو اتصال بينهم والأحسن من ذلك أن بعض اللجان لم تكن مهيئة للارتقاء للجانب الفكري ولم تنتهي بعد من تأسيس الجوانب الأخرى حتى على مستوى التلاوة والحفظ .
في الحقيقة ولكي لا نطيل في الخوض في هذا الحديث نقول:
(نحن لا يعنينا كثيراً الإجابة على مثل هذا السؤال)
نحن معنيون أكثر بالبحث عن الخطوات الإيجابية ونبدأ بالسهل من تلك الخطوات العملية .
- إخواني الأعزاء :
يوجد بيننا وفي مجتمعنا كفاءات متمرسة وقادرة على تزويد اللجان القرآنية بالمعين العذب والصافي من فيض القرآن وبركات أهل البيت عليهم السلام ولسنا بحاجة إلى استيراد تلك الثقافة من خارج المنطقة .
- خطوات مهمة في بداية الطريق :
نضع بين أيديكم بعض الخطوات المهمة في بداية الطريق :
أولاً/ التدبر والتفسير لا يمكن الوصول له في دورة لمدة شهر أو شهرين، بل أن ذلك يحتاج لأدوات متعددة وكل أداة بحد ذاتها تحتاج لاستيعاب مبادئها عند الطالب الذكي فترة لا تقل عن شهرين، ويمكن حصرها في عشر أدوات تتفاوت في الأهمية.
والذي دعانا للتركيز على إيضاح هذا المطلب الذي هو من البديهيات عند الباحثين القرآنيين إلا أنه عند المبتدئين غير واضح، فهم يحسبون أن دورة التدبر مثلها مثل دورة التجويد أو اللغة العربية التي تخرج معلمين للتجويد واللغة العربية.
لا ليس ذلك بصحيح بل دورة التدبر والتفسير توضح المنهج فقط، وتبقى الأدوات تعتمد على جهد الطالب كلما كانت أغزر وأدق وأطول مدة في التحصيل والبحث كلما كان متمكناً وقادراً على استيعاب معارف القرآن والعترة .
ثانياً/ إعداد الكوادر في كل لجنة وبهذه النقطة نختم حديثنا فالمقصود الإلمام والإشارة وليس التفصيل فذلك موكول إلى محله .
أيها الأخوة الأعزاء نضع بين أيديكم نقطة محوريه في هذا الموضوع:
عند زيارتنا لأربعة من الكفاءات العلمية القرآنية التي يشهد لها تاريخها وعملها ونتاجها الفكري القرآني وقدموا العديد من الدورات في إعداد الكوادر، وجدنا أنهم يرحبون جدا بتقديم الدورات المناسبة لمعارف القرآن الكريم، بل هم يقدمون الدورات للمبتدئين أيضاً، فنحن لو بدأنا بإعداد هذه الدورات لمنسوبي المجلس من اللجان المتعددة كخطوة أولى لأصبح طريقنا صحيحاً نحو الهدف المنشود.
لو انتخبنا اثنين فقط من كل لجنة لدورة ما لكان العدد أكثر من ثلاثين لاشك أن تخريج ثلاثين من الكوادر الفكرية عمل عظيم يدعم المجلس في إقامة الأنشطة الفكرية على مستوى المنطقة ولا يتم التعذر بانسحاب كل لجنة من الأنشطة الثقافية باعتبار أنه لا يوجد عندنا فرعاً أو قسماً يعنى بهذا الجانب
الذي نركز عليه هنا أن هناك من الكفاءات والأساتذة من يستطيع تقديم الدورات الابتدائية والتمهيدية في جانب التدبر والثقافة القرآنية فلا داعي لأن ينشغل العلماء بتقديم الدورات التأسيسية بل من يتخرج من الدورات التمهيدية يكون هو المرشح لالتحاق بالدورات المتقدمة ، كما أن على كل لجنة إرسال شخص أو شخصين ممن تتوفر عندهم الأدوات من اللغة العربية والمنطق والأصول كي يسهل تخريجهم بدرجات عالية ليتمكنوا هم بعد ذلك تدريس الدورات التمهيدية أو المتقدمة على حسب الشهادة التي سيحصلون عليها ويوجد في المرفق جدول بدورة تمهيدية مفصلة لمدة سنة لتحصيل مبادئ لكل الأدوات كما يوجد جدول لدورة متقدمة لمدة سنة ثانية لتحصيل الأدوات بشكل أكثر كفاءة للتعاطي مع آيات الكتاب وروايات العترة الطاهرة .
- الخاتمة :
الاهتمام الفكري بالقرآن الكريم في منطقة القطيف ضعيف جداً، ينبغي منا وقفة جادة لتنميته والصعود به لما فيه صلاح الأجيال القادمة .
الثقافة القرآنية للمجلس تعني الكثير
- تعني فيما تعني معرضا سنويا للكتاب القرآني والتفاسير عل مستوى المنطقة .
- تعني فيما تعني السعي لحصول بعض المدرسين على شهادة الماجستير والدكتوراة في علوم القرآن والشريعة والحديث.
- تعني فيما تعني مسابقات ضخمة للبحوث القرآنية ذات الجوائز والحوافز العالية التي تليق بالقرآن وأهله .
حتى لو كان الآن التفكير عالياً في بناء كلية أو معهد للقرآن الكريم إلا إن انشاء كلية لتقدم درجة الباكلريوس هو بحاجة على الأقل لسبعة من المعلمين الحاصلين على درجة الماجستير وثلاثة من المعلمين الحاصلين على درجة الدكتوراه في تخصصات القرآن المختلفة ولقد نادينا منذ فترة قديمة بضرورة إعداد الكفاءات العلمية مع ملاحظة أنه يمكننا في البداية تعويض تلك الدرجات واستبدالها بما يعادلها من الدرجات الحوزوية.
ختاماً أشكر لكم جهودكم في رفع شأن القرآن الكريم والاستضاءة بنوره الوضاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.