جلف فود" مؤتمراً لأزمة الغذاء!
قبل أيام اختتم في مركز دبي معرض (Gulf Food) شاركت فيه أكثر من 4000 شركة تركزت عروضها على المنتجات الغذائية النهائية، فعرضت أكثر من 54 ألف منتج فقط في قطاع المشروبات والأطعمة. بمناسبة الحدث؛ كانت النية أن أخصص هذا المقال للصناعات الغذائية الخليجية، غير أن موضوع الأمن الغذائي – وهو على صلة بالحدث أيضاً – يقفز إلى الأمام بحكم الأولوية، فهو قضية عالمية ملحة، وتحدٍ كبير يواجه الكثير من دول العالم في ظل تنامي السكان، وشح المياه، وتزايد ظاهرة التصحر، والتغيرات المناخية.
يعرّف الأمن الغذائي على أنه " قدرة بلد على تلبية احتياجاته من الغذاء الأساسي من منتوجه الخاص أو استطاعته على شرائه من الخارج تحت أي ظرف ومهما كان ارتفاع أسعار الغذاء العالمية". وإذا كانت الأشياء تعرف بأضدادها، فإن ما يقابل الأمن الغذائي هي الفجوة الغذائية، وهي الأزمة التي تلوح في سماء المنطقة.
تعتبر الفجوة الغذائية محصلة لثلاثة عوامل هي: النمو الديموغرافي وارتفاع المستوى المعيشي للسكان وازدياد أشكال التحضر. على مستوى النمو الديموغرافي فإن التوقعات تشير إلى إرتفاع عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي إلى 47.5 مليون نسمة بنهاية عام 2015، ثم إلى حوالى 53.4 مليون نسمة عام 2020. أما ارتفاع المستوى المعيشي للسكان فيمكن قراءته من خلال أرقام الاستهلاك. هنا تتحدث الاحصاءات بأن استهلاك المواد الغذائية في دول المجلس ينمو بمعدل سنوي مركب قدره 3%، ويتوقع أن يصل إلى 49 مليون طن متري بنهاية عام 2017، وفقاً لألبين كابيتال. من الضروري هنا معرفة أن فاتورة الغذاء المتوقعة لدول المجلس عام 2020 ستكون 85 مليار دولار.
صحيح أن العوامل الثلاثة السالفة مولّدة للأزمة، ولكنها عوامل فنية لا يمكن أن تشكل لوحدها قاعدة لولا وجود عوامل أخرى مهمة. ولكي نكون أكثر واقعية وقرباً من الحقيقة فإننا يجب أن نعترف بأن من الأسباب الحقيقية التي تقف خلفها – كما هو الحال مع معظم أزماتنا- هو غياب التنسيق والتعاون بين دول المنطقة. فرغم توفر إمكانات لدى دول عربية كالسودان الذي كنا نسمع عنه منذ الصغر أنه سلة الغذاء العربي وأن أراضيه يمكن زراعتها لتغذي دول العالم فضلاً عن الدول العربية، غير أن هذا الكلام الجميل لم يتحقق منه شيء.
يعد السودان (إلى جانب استراليا وكندا) من الدول المرشحة لانقاذ العالم من أزمة الغذاء، وإذا افترضنا في ذلك بعض المبالغة إلا أنه على الأقل بإمكانه أن يساهم في حل مشكلة العالم العربي، فهنالك حوالى 85 مليون هكتاراً عالية الخصوبة، وهي تمثل 48% من إجمالي الأراضي الزراعية العربية مجتمعة، لم يستغل منها سوى 15%. ولا شك أن السودان سيرحب بمشاريع تساهم في الإستفادة من أراضيه، وتنمّي اقتصاداته، وتعالج ولو جزئياً مشاكل البطالة لديه.
في ظل الاتجاه نحو تسليع الأراضي الزراعية في دول الوفرة، فإن دول المجلس مطالبة بالمبادرة في الإستفادة من هذا التوجه مع ملاحظة تنويع مواقع الاستثمار وعدم الارتهان إلى دولة أو دولتين، فازدياد رقعة أزمة الغذاء عالمياً تقود إلى فرض مزيد من القيود أو التكاليف لهذه الاستثمارات بنسب متفاوتة.
أزمة الغذاء القادمة تتطلب وقفة جادة باكراً، وتحتاج إلى قرارات استراتيجية. ومهما بلغ تعقيد الأزمة فإن العقل البشري يستطيع ابتكار الحلول. ولكن هناك مجموعة من الملاحظات يجب أن تؤخذ في الحسبان:
- التركيز على الخطط التربوية والثقافية التي تستبدل ثقافة الإنتاج والترشيد بثقافة الاستهلاك وسوء التدبير، فمجتمعاتنا تحتاج إلى الكثير من الاهتمام بهذا الجانب الاستراتيجي.
- إعادة النظر في أولويات الإنفاق، فالحروب والتسلح على سبيل المثال إحدى موارد حرق الثروات وينبغي أن يتوجه مسارها ناحية قضايا التنمية ومن بينها الأمن الغذائي.
- التركيز على التقنيات الحديثة في مجال الاستزراع، والصرف على البحث العلمي في هذا المجال.
خلاصة القول: إن توفير الأمن الغذائي يجب أن يكون في قمة أولويات برامجنا، ورغم تشابك الأسباب وتعقيدها إلا أن الحلول متاحة، وهي بحاجة إلى قرارات وإرادة سياسية مع حاضنة تتمثل في وعي المجتمع وثقافته والتزامه بالترشيد، فالمعدة ليست مجرد طريق الى قلب الرجل وإنما وعاء لأزمات كبيرة كأزمة الغذاء العالمي.