الاقتصاد وحتمية الإصلاح البيئي
يصنف علماء الاقتصاد البيئة ضمن الأصول الرأسمالية المركبة، ولذا يجري الاهتمام بها –كغيرها من الأصول- منعاً من استهلاكها كرأسمال، ومن أجل الاستفادة منها على مدى زمني أطول.
ويهتم علم الاقتصاد البيئي بثلاثة محاور تتميز بترابطها الوثيق وهي: الإنسان بشكل عام، والبيئة كمحور اقتصادي، وحاجة الإنسان للبيئة والاقتصاد.
كما يناقش هذا العلم أيضاً ثلاثة مواضيع أساسية هي: الأسباب التي تؤدي إلى تدمير البيئة، والخسائر الاقتصادية الناجمة عن هذا التدمير، والأدوات الاقتصادية التي تمنع حدوثه.
بداية، يجب أن نعترف أن علاقتنا مع مكونات البيئة الأساسية (الفضاء وما يتضمنه من مركبات غازية، والأرض وما تحتويه من مياه ومعادن وتضاريس، والبحار وما تتضمه من ثروات وكائنات، بالإضافة إلى الحيوانات) هي علاقة ائتمانية مؤقتة ذات طبيعة خاصة، فهي أمانة غير عادية، لأنها تمثل عناصر الحياة الأساسية.
وبالتالي فإن مجرد الحديث عن ثمن مالي للبيئة يمثل استفزازاً خطيراً، إذ لا يمكن أن نضع تقديرات مالية لها، أو كما عبرت عنه فاندانا شيفا، الخبيرة البيئية العالمية، بأن «عملة الحياة هي الحياة وليس المال» وذلك تأييداً لرفض النشطاء وجماعات السكان الأصليين والعلماء، خلال قمة «ريو 20+» لفكرة «الاقتصاد الأخضر» القائم على التقييم المالي للخدمات الإيكولوجية.
ويعتبر نفاد الموارد الطبيعية إحدى تجليات تدمير البيئة، بحيث ينعكس ذلك على الأنظمة الإيكولوجية التي تمر حالياً بأسوأ حالاتها.
ووفقاً للبنك الدولي فإن «ما بين 60- 70% من هذه الأنظمة تشهد تدهوراً بوتيرة أسرع مما تستطيع تعويضه»، ويحذر البنك من سوء إدارة البيئة والموارد الطبيعية ومن الخسائر الاقتصادية الضخمة، ويضرب مثالاً بما يخسره العالم سنوياً بسبب إساءة استخدام مصائد الأسماك في المحيطات، إذ تبلغ هذه الخسارة ما بين 50 و100 مليار دولار سنوياً، ناهيك عن تسجيل حوالي 9 ملايين وفاة مبكرة عام 2012 بسبب التعرض لتلوث التربة والمياه والهواء.
ومما ينبغي التوقف عنده التكاليف الضخمة المتوقعة لمواجهة تدهور البيئة، أو لمعالجة الأضرار التي لحقت بها.
في هذا الصدد تتوقع «مبادرة اقتصاديات النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي» (TEEB) أن العالم سيتكبد ما يتراوح بين 1.4 إلى 3.1 تريليون جنيه إسترليني نتيجة فقدان التنوع البيولوجي.
وتقول وكالة الطاقة الدولية: إن على دول العالم أن تخصص خلال 35 عاماً قادماً (2015- 2050) ما يقارب 359 تريليون دولار من أجل تجنب كارثة التغير في المناخ.
دول المجلس لا تخرج عن الإطار العام للمشكلة، فالانتهاكات يمكن ملاحظتها بوضوح، ومن بينها استهلاك المياه في عمليات استخراج النفط، والدفن الجائر للبحر، وتقليص المساحات الزراعية، عدا الانبعاثات الضارة التي تخلفها المصانع وعوادم السيارات والأجهزة الأخرى عدوة البيئة.
من المؤكد أن واقعنا ينبغي أن يتغير، وأن على دول المجلس أن تبدأ بمراجعة إستراتيجياتها الاقتصادية، وأن تضع في مقدمة أولوياتها الاهتمام بالبيئة.
يجب أن يشمل التغيير كل شيء يبدأ بالإنتاج وينتهي بالاستهلاك، وعلى جميع الأصعدة: الكهرباء، الماء، الزراعة، السياحة، الأنظمة والقوانين والتشريعات، النظافة، الهواء، التقنيات الحديثة، الإنارة، الأصوات، الوقود، التربة، السفر، الحروب، الأدوية، الابتكارات، أنظمة التكييف، التعليم، البناء..
كل شيء بما في ذلك الفهم الديني الخاطئ.
الخلاصة: إن الموارد الطبيعية كبيرة جداً، والمشكلة تكمن في التعامل معها سواءً من قبل المجتمعات أو الدول.
ودائماً ما تكمن الفروق في مديات التعاطي الإيجابي أو السلبي مع عناصر البيئة، وعلى أساسها تختلف الصورة بين مكان تراعى وتحترم فيه، وآخر تمارس فيه تجاهها أبشع الانتهاكات.
وإجمالاً فإن هذه البيئة الغنية التي لم تبخل يوماً علينا تواجه اليوم مخاطر وانتهاكات ستؤدي لا شك إلى ظواهر مناخية حادة ستغير وجه الأرض.
إن مشكلة تدمير البيئة تتضاعف كمتوالية هندسية يوماً بعد يوم، ولا يمكن غض النظر عنها إلا في حالة واحدة هي الانسلاخ من الالتزام الأخلاقي.
لا شك أن الحلول معقدة جداً، وتتطلب تغييراً كبيراً في أنماط التفكير والسلوك، فنحن بحاجة إلى تغيير كامل في ثقافتنا، إذ لا يمكن أبداً أن نكون محبين للحياة بينما نقوم كل لحظة بطعن هذا الحب.