أن نصل متأخرين
إعادة هيكلة التعليم أهم متطلبات المرحلة القادمةقبل أيام أعلن مجلس الوزراء الياباني خطة التحول التي وصفها بعض الإستراتيجيين الاقتصاديين بأنها الانطلاق الحقيقي للثورة الصناعية الرابعة.
قراءة سريعة في ملامح التحول الوطني لليابان تؤكد أهمية ركيزتين في عمليات التنمية الإستراتيجية هما: الموارد البشرية، والمعرفة.
على صعيد المعرفة تركز الخطة على اعتماد الذكاء الاصطناعي كمنتج رئيسي، وتعلن عن استخدام سيارات القيادة الذاتية على الطرق السريعة بحلول عام 2020، واعتماد نقل السلع بواسطة أجسام طائرة يتم التحكم فيها عن بُعد في غضون ثلاثة أعوام، إضافة إلى البدء في برنامج يؤدي باليابان إلى قيادة العالم في مجال الإنقاذ في حال الكوارث عبر استخدام الروبوتات.
على صعيد آخر يريد اليابانيون أن تكون الإستراتيجية الركن الأساسي في تنمية الموارد البشرية، والحق أن اليابانيين دأبوا على الاهتمام بالموارد البشرية، وكان هذا سبب نجاحهم في العقود الماضية.
تفرض الخطة البرمجة الحاسوبية كمادة إجبارية في جميع المدارس الابتدائية اعتباراً من عام 2020 وفي المرحلة الإعدادية عام 2021.
كما تسعى لاستقطاب المزيد من الكفاءات وذوي المهارات العالية من الأجانب، من فئتي الخبراء والعمال، وذلك عبر تحسين إجراءات الهجرة وتسريع عملية منح حق الإقامة الدائمة وامتيازاتها.
إن القول بأن الذكاء الاصطناعي يؤدي بالضرورة إلى تقليص دور الأيدي العاملة وبالتالي خلق أزمات تبدأ بالبطالة ولا تنتهي عند الاضطرابات الاجتماعية، هذا القول سيكون على محك التحول الياباني الجديد، فالرؤية تفترض خلق فرص عمل جديدة وإلا لماذا تتجه لاجتذاب الكفاءات الأجنبية رغم وجود الكثير منها في اليابان؟
بدأت الثورة الصناعية الأولى في إنجلترا باختراع الآلة البخارية عام 1784 وأعقبتها الثانية بعد نحو مائة عام حيث أخذت الطاقة الكهربائية مهمة تطوير الإنتاج والاتصال والمواصلات، ثم جاءت الثالثة باختراع الحاسب الآلي عام 1969 لتجعل من العالم قرية صغيرة وتسرع من عمليات الإنتاج والتواصل.
ورغم أن الثورة الصناعية الرابعة كان قد تحدث عنها الألمان منذ سنوات، ووضعوا لها إطاراً يتمثل في زيادة دمج الأنظمة الإلكترونية الفيزيائية في عمليات التصنيع، غير أن اليابانيين كانوا الأسرع في تبني هذه الثورة، تدفعهم نحوها تجربة غنية في مجال الصناعات المعرفية والذكاء الاصطناعي.
وينتظر أن تساهم الثورة الصناعية الرابعة في إيجاد قفزات في مجالات مختلفة عبر تفعيل دور الروبوتات وتقنيات النانو والتحكم في الجينات والطباعة الثلاثية الأبعاد.
والسؤال الذي ينبغي أن نطرحه هنا هو: ماذا تعني لنا رؤية التحول هذه؟ هناك الكثير من الفوائد، ولكن الإجابة المختصرة هي أننا يجب أن نركز على الإنسان ونضعه على رأس الأولوية في جميع برامجنا التنموية.
هذا يتطلب إعادة هيكلة الكثير من القطاعات، وفي مقدمتها التعليم، فهذا أهم متطلبات المرحلة القادمة، وهو كفيل بتحويل أي تأثيرات سلبية محتملة للثورة الصناعية الرابعة إلى تأثيرات إيجابية مفيدة.
لقد مللنا من المطالبة بجعل الموارد البشرية محور التنمية، ومن جعل رفاهية البشر الهدف الرئيسي من كل خطة أو رؤية أو برنامج، وتعبنا من كثرة التنظير والوعود بتحقيق هذا الهدف..
لقد تأخرنا كثيراً في إنجاز هذا المشروع، ولكننا ما زلنا نأمل أن نبلغ ذلك اليوم ولو متأخرين، فأن نصل متأخرين خير من ألا نصل.