فاتورة الحروب
حتماً نحن لسنا بمنأى عن الحروب والصراعات التي تحيط بنا، فإذا كانت اقتصاداتنا تستجيب لتغيرات في دول بعيدة جغرافياً فإن قربنا من مناطق النزاعات العسكرية يجعلنا أكثر عرضة لتأثيراتها، ليس على مستوى الاقتصاد فحسب، بل على مستوى التنمية بكل مكوناتها.
ليس خيارنا التأثر بما يحيط بنا، إذ لا يجدي بناء حائط أمام تعقيدات الحروب الحديثة وامتداداتها البيئية والأمنية والثقافية والصحية والاقتصادية.
وسواء كنا طرفاً في الصراعات العسكرية أو محايدين (أو حتى رافضين) لا يفضي أي من هذه المواقف إلى ضمانات حماية التنمية من التأثيرات السلبية، فالتجربة أثبتت عجز المصدات أمام تأثيرات الحروب وإن كانت بعيدة.
لقد تركت الحربان العالميتان آثاراً متفاوتة على معظم الدول، أقلها أنها أبطأت النمو العالمي، وقلصت من حصة التعليم والصحة من الموارد المالية، وتركت ندوباً بيئية لا يمكن علاجها.
وبناء على قاعدة «الأشياء تعرف بأضدادها» قدم البنك الدولي صورة الصراعات وتأثيراتها السلبية من خلال تصور لما ستكون عليه الأمور لو لم تكن هذه الحروب قائمة.
يقول تقرير البنك: «لو افترضنا أن بلدان المنطقة تحوَّلت إلى الديمقراطية عام 2015، لكان متوسط نصيب الفرد من نمو إجمالي الناتج المحلي قد وصل إلى 7.8% في غضون خمسة أعوام بالمقارنة مع 3.3% في غياب هذا التحوُّل». وليس ذلك غريباً إذا ما عرفنا أن العالم أنفق خلال عقدين نحو 17 تريليون دولار على النشاط العسكري العالمي، أي بمعدل 850 مليار دولار سنوياً.
ناهيك عن تكلفة مبيعات السلاح التي بلغت حوالي 410 مليارات دولار سنوياً.
التأثيرات الاقتصادية لحالة التوتر السياسي والصراعات العسكرية في المنطقة واضحة وجلية، ومن الواضح أن معظم دول المجلس - التي كانت تعاني فيما مضى من مشكلة عزوف رؤوس الأموال الأجنبية - باتت أضعف من أن تحافظ على رأس المال المحلي من الهجرة نحو مناطق أكثر أمناً.
كما أن التأثيرات تمتد لتشمل السياحة التي تراجعت في تركيا ومصر، إذ تراجع أعداد السائحين الأجانب خلال شهر أغسطس الماضي في تركيا بنسبة 38%. أما في مصر فقد خرجت سياحتها من قائمة الدول العشر الأوائل.
إن الإنفاق على التسلح وخوض الصراعات لم يؤد يوماً ما إلى تحقيق الأمن والتنمية بقدر ما استهلك من البشر والمال والصحة، ويمكننا الجزم بأن وجود صراعات بين دول المنطقة أو مع جيرانها قد سحق ما تبقى من آمال في إيجاد سوق مشتركة أو اقتصاد واحد أو مشاريع تكاملية، فبدلاً من أن نوفر طاقتنا في تعزيز قيم العمل المشترك، والسعي لحل النزاعات التجارية وإزلة معوقات التكامل الاقتصادي، أصبحنا مشغولين ومنهكين بسبب النزاعات العسكرية.
جماع القول: نحن بحاجة إلى الكثير من الجهد لوقف استنزاف الموارد البشرية والمالية والطبيعية التي تخلفها النزاعات والصراعات العسكرية والتوترات السياسية في المنطقة، وهذا يتطلب في الدرجة الأولى مبادرات تتصف بالحكمة على مستوى العلاقات مع دول المنطقة مدعومة من أعلى المستويات السياسية، لنحقق لمجتمعاتنا الرفاه وقبل ذلك الأمن لأنه مقدمته الحتمية.