«ترامب» قضية اقتصادية
بعد الاجتماع الأول لهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية لمجلس التعاون الخليجي، نفى الأمين العام للمجلس أن يكون الاجتماع قد تطرق لمناقشة اعتماد اتفاقية ضريبتَي القيمة المُضافة والسلع الانتقائية، أو العملة الخليجية الموحّدة، وأنه لم يبحث في تداعيات فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية على الاقتصاد الخليجي، معلّلًا ذلك بأن الاجتماع كان اجتماعا اقتصاديًّا وتنمويًّا بحتًا.
الكلام مثير للدهشة، فلا ضريبة القيمة المضافة أو العملة الخليجية الموحّدة قضايا خارجة عن الاقتصاد، ولا فوز ترامب شأن أمريكي لا علاقة له بالخارج، فالعالم كله تحدث باهتمام وقلق عن التأثيرات الاقتصادية لفوزه.
يمكن أن نتفهم عدم مناقشة تأثيرات فوز ترامب اقتصاديًا في هذا الاجتماع من باب التريّث، لكن لا يمكن قبول العذر بأنه موضوع يقع خارج الإطار الاقتصادي، فهو سيترك تأثيرًا، ليس على الاقتصاد الخليجي فحسب، بل على الاقتصاد العالمي، خاصة إذا مضى باتجاه تنفيذ ما وعد به خلال المعركة الانتخابية. وعمومًا؛ إلى أن يأتي موعد تسلم ترامب مهام الحكم في 20 يناير القادم فإنه ما تزال أمام دول المجلس فرصة لدراسة الآثار الاقتصادية المحتملة.
من نافل القول؛ أن الحملات الانتخابية تتسم بتضخيم البرامج التي ينوي المرشح تطبيقها حال فوزه، وهكذا - طبقًا لهذا السلوك المعتاد – أعلن ترامب عن خطوات ووعود مثيرة، لكن من المؤكد أيضًا أن لديه فرصة للنكوص، ولن يعدم المخارج، فتجربته الإدارية ستمكنه من التخلص منها بسهوله. كما أن المجتمع الأمريكي- مثلنا- ينسى أيضًا، ناهيك عن وجود فلاتر وعوائق تتمثل في المؤسسات الرسمية التي لا يمكن للرئيس تجاوزها واتخاذ قرارات بعيدًا عنها.
في المقابل، لا يمكن أن نعوّل على احتمال تراجع ترامب عن الوعود، فالاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من العجز والتباطؤ بحاجة إلى منقذ، ومن الطبيعي أن تكون وعوده (أو بعضها) رافعة لحل (بعض أو كل) تلك المشاكل، وهي في الوقت نفسه تشكل مخاطر لاقتصادات أخرى من بينها دول المجلس.
يبدو أن تنفيذ ترامب لوعوده سيؤثر بشكل مباشر على عدد من الجوانب الاقتصادية، أبرزها:
أسعار النفط؛ فالرئيس الجديد (خلافًا لرؤية كلنتون) يتبنى فكرة دعم توسيع عمليات الحفر والتنقيب عن النفط والغاز، وهو ما سيؤدي إلى زيادة الإنتاج للسوق المحلي وتصدير الفائض ومن ثم زيادة المعروض وانخفاض الأسعار أكثر، وهذا من شأنه أن يعمّق الأزمة في الدول المعتمدة على النفط ومنها دول الخليج.
تباطؤ حركة التجارة الخارجية عبر زيادة الضرائب على الواردات، واحتمال توجه دول أخرى للمعاملة بالمثل، وصولًا لحرب اقتصادية بين القوى العالمية وبالتالي تأثّر النمو الاقتصادي العالمي الذي سيلقي بظلال سلبية على اقتصاد دول المجلس. سعي ترامب للتخلص من عجز بلاده البالغ 19 تريليون دولار خلال 8 سنوات، ووعده بفرض رسوم مقابل الحماية، وقد مهد قانون «جاستا» الطريق للرئيس الجديد لتنفيذ مراميه تلك، مع ملاحظة أن أمريكا لم تقدم حماية مجانية لأحد، وهي تحصّل رسومًا بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال صفقات تجارية من بينها صفات الأسلحة.
الخلاصة: لا يمكن التنبؤ بدقة عن التأثيرات التي سيتركها عهد ترامب على اقتصاد دول المجلس، ولكن من العقل الاستعداد والتحضير لمرحلة جديدة قد تنطوي على تأثيرات سيئة، وهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية لدول المجلس كفؤ لوضع الاحتمالات واقتراح إجراءات حماية كافية، بل قادرة على الاستفادة من المرحلة الجديدة انطلاقًا من أن الأزمات تشكل فرصًا جديدة للنجاح أيضًا.